الدوحة- نظم المركز القطري للصحافة ندوة خاصة بعنوان “الصحفيون في غزة.. شهداء وشهود”، وذلك في إطار إحياء اليوم العالمي لحرية الصحافة، حيث تأتي الفعالية في وقت يتعرض فيه الصحفيون في قطاع غزة لانتهاكات جسيمة، أدت لسقوط عدد كبير منهم ضحايا خلال تغطيتهم للأحداث.
وتعدّ الندوة مناسبة مهمة لتسليط الضوء على تضحيات الصحفيين في سبيل نقل الحقيقة، وتأكيدًا على دور الإعلام الحر في مقاومة التعتيم وفضح الجرائم بحق المدنيين، والتأكيد على ضرورة توفير الحماية لهم وأهمية أن يضطلع المجتمع الدولي بمسؤولياته تجاه حرية نقل المعلومة.
وتحدث في الندوة الصحفي الفلسطيني، تامر المسحال، المعروف بتقاريره الاستقصائية وبتغطياته المَيدانية في مناطق الصراع، حيث ركز على واقع العمل الصحفي في غزة، والظروف الصعبة التي يعيشها الصحفيون هناك في ظل الاحتلال والحروب المتكررة.
غزة جرح كبير
وانتقد المسحال صمت المؤسسات الدولية إزاء ما يحدث من جرائم ضد الصحفيين في غزة الذين يقومون بواجبهم لإيصال الحقيقة والتعبير عما يحدث من معاناة للأهالي في غزة، مستدركا في الوقت نفسه أن نبض الشعوب الحرة في العالم يقف مع الفلسطينيين.
وأضاف أن الأمم المتحدة لم تحم الناس حتى تحمي الصحفيين، مشددا على أن غزة جرح كبير جدا، فالجميع يقتَلون في خيامهم، ويتم تجويعهم وذبحهم على الهواء مباشرة ولا مغيث.
وأشاد المسحال بدور قناة الجزيرة، وقال إنها لا تدخر جهدا في نقل الصورة والواقع المأساوي الذي ترتكبه قوات الاحتلال في القطاع، حيث أفردت تغطياتها للقضية الفلسطينية ليس فقط منذ بدء العدوان على غزة بل منذ انطلاق القناة.
وأضاف أن القناة كانت دوما حاضرة في قلب الحدث مما يدعو للفخر بأنها الشبكة العالمية التي تستمر رغم كل الثمن الذي تدفعه من شهداءِ العاملين بها والذين فقدوا أرواحهم في غزة منذ بدء العدوان.

أعادوا التعريف
وأوضح المسحال أن جيش الاحتلال طالما كرر أكاذيبه وتبريراته الواهية إزاء استهداف الصحفيين في غزة مدعيا أنهم يمارسون أو يشاركون في الأعمال المسلحة في القطاع، وقدم مثال الزميل إسماعيل الغول الذي تبجح الناطق باسم جيش الاحتلال بعد اغتياله قائلا إنه إرهابي.
وثمّن المسحال تضحيات الصحفيين الشهداء في قطاع غزة مؤكدا أنهم أبطال وأعادوا تعريف الصحافة وتحدوا قوات الاحتلال، وقالوا إنه لا توجد قوة احتلال تستطيع منع الصورة ومنع المعلومة ومنع الحقيقة.
وأضاف أن هؤلاء الصحفيين هم أبناء الأرض وأصحاب الحق الذين يطمحون للحرية والمهنية، فقد أرادوا أن يكونوا منتصرين بمهنيّتهم رغم جبروت الاحتلال.
وتساءل المسحال عن دعم المؤسسات العالمية الأجنبية للزملاء العاملين في هذه المهنة، واعتبر أنه من الواضح أن قطاع غزة يعامَل بازدواجية، فالصحفيون في الكثير من مناطق العالم يجدون الدعم والمساندة والدفاع عن حقوقهم باستثناء الصحفيين في غزة وهذا ما نشهده على أرض الواقع.
وشدد المسحال على أن غزة أعادت وتعيد تعريف معنى حرية الصحافة ومعايير الصحافة وأخلاقيات المهنة. وقال “في هذا الاختبار في غزة بالتأكيد هناك من كانوا على قدر المسؤولية، وهناك من سقطوا في هذا الاختبار المهني”.
وأكد المسحال أن الظلم والجرائم التي ترتكَب في غزة لن تسقط بالتقادم ولابد من يوم ينكشف فيه هذا الظلم حتى ولو لم تكن هناك آليات دولية فعالة لمحاسبة المسؤولين.
قضية عادلة
وخلال مداخلة له في الندوة قال رئيس مجلس إدارة المركز القطري للصحافة سعد الرميحي إن تضحيات الصحفيين خلال أداء واجبهم وعملهم والحرص على إيصال الحقيقة وحرية التعبير، لم يكن وليد السنوات الأخيرة فقط بل يمتد منذ عشرات السنين، معتبرا أن ما يحدث في غزة مؤخّرًا فاق جميع الحدود.
وانتقد الرميحي ازدواجية المعايير من جانب وسائل الإعلام العالمية في تغطية الحقيقة ونصرة قضية عادلة مثل القضية الفلسطينية، مستدلا بعدم التغطية الإعلامية المهنية للمظاهرات الطلابية في الولايات المتحدة، التي لولا وسائل التواصل الاجتماعي لما وصلت الحقيقة.
وأضاف أن من مظاهر ذلك أيضا هو ما شاهدناه في بعض الدول الأوروبية التي قامت بها حركات تضامن مع القضية الفلسطينية، ولكنها لم تحظَ بالتغطية الإعلامية النزيهة نتيجة للازدواجية في المعايير: “نعيش عالم القوة التي تبسط سيطرتها في جميع القطاعات”.
تعاظم المخاطر
من جانبه، أكد المدير العام للمركز القطري للصحافة صادق العماري أنه في اليوم العالمي لحرية الصحافة، نقف جميعًا وقفة تأمل ومراجعة، نستذكر فيها تضحيات الصحفيين حول العالم، ونتأمل في واقع المهنة التي طالما كانت نبراسًا للحقيقة وصوتًا للعدالة، خاصة في زمن تزداد فيه التحديات وتتعاظم فيه المخاطر التي تتهدد حياة الإعلاميين في ميادين الصراع.
وقال في تصريح للجزيرة نت “إننا في المركز القطري للصحافة نؤكد من جديد موقفنا الثابت والراسخ في الدفاع عن حرية الصحافة، باعتبارها حقًا أصيلًا من حقوق الإنسان، وركيزة أساسية من ركائز المجتمع الديمقراطي”.
وأدان في السياق ذاته، الاعتداءات الوحشية والممنهجة التي تستهدف الصحفيين، لا سيما في قطاع غزة، الذي فقد خلال الأشهر الماضية عددًا كبيرًا من الزملاء الإعلاميين الذين استشهدوا أثناء أداء واجبهم المهني والإنساني، وهم ينقلون للعالم صور المأساة التي يعيشها المدنيون تحت القصف والدمار.
مكتملة الأركان
وأضاف العماري أن استشهاد هذا العدد الكبير من الصحفيين في غزة يُعدّ جريمة مكتملة الأركان، ووصمة عار في جبين الإنسانية، ويكشف حجم الخطر الذي يواجهه العاملون في الحقل الإعلامي عندما تصبح الحقيقة هدفًا للرصاص، ونحن نطالب المجتمع الدولي، والمنظمات الحقوقية، والمؤسسات المعنية بحرية الصحافة، باتخاذ مواقف أكثر فاعلية، تضمن حماية الصحفيين، ومحاسبة كل من يعتدي على حرية الكلمة والصورة.
وأضاف أنه انطلاقًا من مسؤوليتنا المهنية والأخلاقية، نظم المركز القطري للصحافة ندوة خاصة في الدوحة بمناسبة هذا اليوم، تحت عنوان “الصحفيون في غزة شهداء وشهود، بمشاركة نخبة من الإعلاميين وذلك تسليطًا للضوء على واقع الصحافة في غزة، وتوثيقًا للانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون في ظل غياب المحاسبة الدولية”.
وأكد العماري أن رسالة الصحافة ستظل قوية وأن دماء الشهداء من الصحفيين لن تذهب هدرًا، بل ستكون وقودًا لمزيد من الإصرار على نقل الحقيقة، والدفاع عن صوت الإنسان أينما كان، وفي هذه المناسبة، نتوجه بالتحية لكل الصحفيين الأحرار في العالم، ونخص بالذكر زملاءنا في فلسطين، الذين يكتبون بدمائهم أسمى دروس الشجاعة المهنية.