سلط تقرير نشره موقع “ميدل إيست آي” البريطاني الضوء على نقاط الضعف الخاصة التي يعاني منها ذوو الإعاقة الذين يعيشون في غزة من خلال حالة عز الدين البنا، البالغ من العمر 40 عاما، وهو معاق توفي في الحجز الإسرائيلي الشهر الماضي.
وذكر أن الجيش الإسرائيلي كان قد اعتقل البنا، المصاب بالشلل النصفي من الخصر إلى الأسفل، في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، من مبنى حيث كان يبحث عن مأوى في مدينة غزة.
ورغم إعاقته، تعرض للضرب المبرح وسحله على الأرض من قبل الجنود الإسرائيليين الذين اعتقلوه. وبحسب أقاربه، فإن الجروح التي أصيب بها أدت في النهاية إلى مضاعفات أودت بحياته في فبراير/شباط.
ويحكي محمد البنا، ابن عم عز الدين الذي كان مرافقا له خلال عمليات تهجيرهم المتعددة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، قائلا: “لقد عامله الجنود بوحشية دون أي اعتبار لإعاقته”. وكان محمد، البالغ 30 عاما، مع عز الدين خلال الساعات الأولى من اعتقاله، وقدم للموقع البريطاني وصفا تفصيليا لمعاناة قريبه قبل وفاته.
ولفت الموقع إلى أن عز الدين كان واحدا من أكثر من 31 فلسطينيا قتلتهم إسرائيل حتى وقت نشر هذا التقرير. وأضاف أن الغالبية العظمى منهم استشهدوا في قصف عشوائي للجيش الإسرائيلي، لكن العديد منهم استشهدوا أيضا بنيران القناصة وهجمات المسيرات والإعدامات السريعة والتجويع، وبسبب الضرب والتعذيب مثل عز الدين.
إعدامات سريعة
ويروي محمد أنهم مكثوا في البيت الذي لاذوا به طوال يومين. وفي اليوم الثالث اقتحمت القوات الإسرائيلية المبنى في الفجر. وحتى طلوع الشمس ظلوا يطلقون النار على المبنى والقنابل الصوتية داخله.
ثم اقتحموا المكان وأمروا مجموعة الرجال التي كان عز الدين ضمنها بتقديم معلوماتهم الشخصية. وأمرت المجموعة بمغادرة المبنى بدون كرسي عز الدين المتحرك. فاضطر محمد وقريب آخر لحمله إلى الطابق الأرضي.
“وأثناء نزول الدرج حاملين عز، رأينا جارنا أبو محمد حميد، مقتولا وممدا على الأرض”، كما يروي محمد. وأضاف “أطلقوا النار عليه لأنه خرج من غرفته بدون إذن”.
وقال محمد إن محنته التي استمرت 15 ساعة، وهو جالس على شظايا الزجاج المكسور، كان يتخللها أحيانا جندي إسرائيلي يأتي ليصفعه وهو إيهاب شقيق عز الدين، على الوجه.
وواجه عز الدين، الذي انفصل عن أفراد عائلته، صعوبات إضافية، إذ حرم من الطعام والماء وتعرض للضرب المبرح.
وتابع التقرير بأن محمد أُطلق سراحه بعد استجوابه ثم أُمر بالسير إلى جنوب قطاع غزة. وأخذ الجنود الإسرائيليون عز بدون كرسيه المتحرك. ولم يتمكن محمد من رؤية المكان الذي أخذوه إليه لأن قناصا خلفه كان يطلق النار على أي شخص يلتفت وراءه. حتى إن جنديا حذره أيضا بأنه إذا التفت يسرة أو يمنة، فستُطلق عليه قذيفة دبابة.
فريسة سهلة
وأردف التقرير بأنه قبل أن تبدأ إسرائيل قصف غزة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الثاني، كانت نسبة أصحاب الإعاقات تقدر بأكثر من 2% فقط من مجموع سكان القطاع البالغ 2.3 مليون نسمة.
وهذا يعني أن نحو 1 من كل 5 منازل في غزة كان فيه على الأقل فرد في الأسرة معاق، بحسب المكتب المركزي الفلسطيني للإحصاءات.
وقال ظريف الغرة، وهو ناشط لحقوق المعاقين في غزة وصديق لعز الدين، إن البنا “كان فريسة سهلة للاحتلال الإسرائيلي. وعندما اقتحم الجيش الإسرائيلي المنطقة التي كان يمكث فيها عز، تمكن جل السكان من الهرب، لكنه لم يتمكن بسبب إعاقته. واعتقل مع أخيه الذي رفض تركه”.
وتظهر الأرقام التي حصلت عليها صحيفة هآرتس الإسرائيلية الأسبوع الماضي أن 27 محتجزا فلسطينيا من غزة ماتوا في ظروف غامضة أثناء احتجازهم في منشآت عسكرية إسرائيلية.
ويروي الغرة، الذي تحدث أيضا إلى محتجزين يتذكرون وصول عز الدين إلى سجن الرملة، أن البنا عومل بقسوة وجره الجنود في الشارع. وقال: “عندما وصل إلى مركز الاحتجاز سُحل إليه، وهو ما أدى إلى إصابته بجروح خطيرة في ساقيه وقدميه”.
وقال صديق قديم لعز الدين إن هذه المعاملة هي التي أدت إلى وفاته، ربما بسبب عدوى التقطها أثناء سحله وجرح مفتوح. وعندما دخل السجن لاحظ رفاقه رائحة كريهة تنبعث من ساقيه بسبب جرح ملتهب لم يعالج. وناشدوا سلطات السجن لمساعدة البنا، لكن طلباتهم رُفضت حتى تدهورت حالته خلال الأشهر التي قضاها في السجن. وقال الغرة: “عندها فقط أرسلوه إلى المستشفى، وتوفي هناك”.