أنقرة- تتوجّه المعارضة التركية إلى جولة ثانية من الانتخابات الرئاسية المقررة في 28 مايو/أيار بعد أن تصدّر الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان نتيجة الجولة الأولى بـ49.52% متفوقا على منافسه التقليدي كمال كليجدار أوغلو الذي حصل على 44.88% من الأصوات.
كما حاز تحالف “الجمهور” بقيادة أردوغان أغلبية البرلمان بـ49.47% وقد أشاع ذلك حالة من الإحباط بين أنصار المعارضة، إذ جاءت النتيجة مخالفة للتوقعات واستطلاعات الرأي التي رجّح كثير منها فوز المعارضة وحسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى.
هزائم متكررة
هذه ليست المرة الأولى التي يخفق فيها كليجدار أوغلو الذي تولى رئاسة حزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي عام 2010؛ ففي عام 2009 خسر الانتخابات البلدية أمام مرشح حزب العدالة والتنمية قادر توباش، كما فشلت حملته المضادة لاستفتاء عام 2010 على الدستور.
ولم يستطع الفوز في الانتخابات العامة في 2011 والانتخابات المحلية عام 2014، وفي العام نفسه لم ينجح كليجدار أوغلو وحزب الحركة القومية في الانتخابات الرئاسية فقد خسر مرشحهما أكمل الدين إحسان أوغلو أمام أردوغان.
كذلك لم يفز بالانتخابات العامة في 2015 والانتخابات العامة المبكرة من العام نفسه، بالإضافة إلى خسارة حملته المعارضة للتعديل الدستوري عام 2017 والانتخابات العامة 2018. وفي عام 2019 استطاع حزبه انتزاع رئاسة بلدية إسطنبول وأنقرة في الانتخابات البلدية من حزب العدالة والتنمية.
الجولة الثانية وشبح الخسارة
يقول كرم يافاشتا، الأكاديمي بجامعة “أخي ديفرين”، إن توقعات استطلاعات الرأي العام بإنهاء 21 عاما من تصدّر حزب العدالة والتنمية للسلطة، ثم تقدم أردوغان بفارق نحو 4 نقاط ونصف “أدى إلى انتشار حالة من فقدان الأمل”.
وفي حديثه للجزيرة نت، يرجح يافاشتا، وهو أحد الأعضاء المؤسسين لحزب “الديمقراطية والتقدم” المعارض، كفة أردوغان في السباق الرئاسي؛ نظرا لفوز تحالفه “الجمهور” بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية، فذلك يجعل كليجدار أوغلو في موقف أصعب.
ويقول يافشتا إنه “في حالة عدم فوز المعارضة سيتحمل حزب الشعب الجمهوري ورئيسه فاتورة الخسارة”، ومن ثم سيُلام كليجدار أوغلو على إصراره بتمثيل المعارضة والترشح بنفسه وتحدي آراء سياسيين ومفكرين قدّروا أن فرصه في الفوز صعبة مقارنة بأسماء أخرى.
مهمة صعبة
بدوره، أشار محمد علي مرت، الأستاذ المشارك بجامعة رجب طيب أردوغان، أن هدف كليجدار أوغلو الأول في الجولة الثانية هو سد فجوة الـ4.5 نقاط والفوز، مؤكدا أن هذا أمر أصعب مقارنة بموقف أردوغان.
ووفق مرت في حديثه للجزيرة نت، فإن هدف كليجدار أوغلو الثاني هو حماية مقعده بصفته رئيسا لحزب الشعب الجمهوري، “ولهذا فإنه يحتاج إلى سد الفارق، وإن حدث العكس واتسع هذا الفارق في الجولة الثانية فربما إمكانية حفاظ كليجدار أوغلو على رئاسته لحزبه ستكون أكثر صعوبة مما هي عليه اليوم”.
واتفق المتحدث مع يافشتا في أنه بحال خسارته، ستكون معركة كليجدار أوغلو الأكثر أهمية بعد الانتخابات هي حماية منصبه رئيسا لأكبر حزب معارض، خاصة أنه لن يكون نائبا في البرلمان، الأمر الذي سيضعف موقفه في المنافسات القادمة داخل حزب الشعب الجمهوري.
الإمساك بزمام رئاسة الحزب
واستطرد مرت قائلا إن كليجدار أوغلو استطاع حماية موقعه في الحزب على الرغم من خسارات سابقة نظرا للطبيعة الهيكلية داخل الحزب، مضيفا أن كليجدار أوغلو أنشأ نظاما داخل الحزب يمكن تسميته “النظام من داخل الفوضى” بالحفاظ على نسبة تصويتية من 20% إلى 25% في كل انتخابات، وإذا شعرت الهياكل الداخلية في الحزب أن هذا الأمر سيتعطل برحيله فإنه سيتمكن من الاحتفاظ بمنصبه.
وأكد المتحدث أن زعيم المعارضة بدأ فعلا بحماية منصبه الحزبي بعد الجولة الأولى بادعاء أن هناك مطلبا مجتمعيا بتغيير السلطة، وإن خسر الجولة الثانية بفارق أقل سيزيد من حدة هذا الخطاب ليجعل الحديث عن استقالته أمرا ثانويا ومن ثم منع مثل هذه المناقشات.
مستقبله السياسي على المحك
وبينما استطاع كليجدار أوغلو حماية موقعه في زعامة الحزب رغم الإخفاقات السابقة وإمكانية فرض حاكميته والوقوف ضد معارضيه داخل الحزب بقوة، “فإن هذه المرة الأمر مختلف”، كما يقول يافشتا.
وعلل الأكاديمي ذلك بأن كليجدار أوغلو في هذه الانتخابات “أخذ المسؤولية كاملة على عاتقه، وقامر تقريبا من أجل مستقبله ومسيرته السياسية على نحو سيجعله عرضة لضغط كبير”.
وإن تعنّت كليجدار أوغلو في الاستقالة كالسابق فإن عامل السن ليس في مصلحته لبلوغه من العمر 74 عاما، وذلك سيجعل استمراره حتى انتخابات 2028 صعبا، ويمكن الاعتقاد بأنه لن يكون بالقوة نفسها التي تمتع بها سابقا وذلك سيمهد لتشكّل معارضة ضده بمرور الوقت، بالإضافة إلى أن بيئة الحزب مناسبة لتشكيل معارضة داخلية قوية.
بدوره، يقول مرت إن تقاليد الاستقالة “ليست موجودة في السياسة التركية بوجه عام أو في حزب الشعب الجمهوري بوجه خاص في حالة الفشل السياسي أو خسارة الانتخابات”.
وأكد مرت أن الأمر لا يتعدى خيبات الأمل والغضب داخل الحزب وإقامة مؤتمر جديد يعقبه الإبقاء على النظام القديم في عمله، ونشر أجواء حماسية جديدة مع افتراض أن هناك تغييرا وأملا بالفوز في الانتخابات القادمة، واصفا هذه الحالة بأنها “حلقة مفرغة”، “ولذلك في كل مرة تظل ردود الأفعال عقيمة”.
ويرى الأكاديمي أن التغييرات في قيادة حزب الشعب الجمهوري غالبا ما تكون نتيجة مخاض “مؤلم”، مشيرا إلى أن كليجدار أوغلو نفسه صعد إلى رئاسة الحزب بعد فضيحة أجبرت رئيسه السابق دينيز بايكال على الاستقالة.
صعود نجم أكرم إمام أوغلو
يرى الأكاديمي يافاشتا أن كليجدار أوغلو إن استقال فإن أكرم إمام أوغلو أول اسم سيتبادر إلى الأذهان ليرأس الحزب؛ فقد فاز برئاسة بلدية إسطنبول في 2019 ولديه القدرة على التواصل مع المجتمع، كما أن لديه مؤهلات القيادة، وذلك يجعله من أهم الأسماء في هذا الشأن.
ولكن في الوقت ذاته تورط إمام أوغلو في العملية الانتخابية الحالية كونه أحد الأسماء التي أعلن كليجدار أوغلو أنها ستكون ضمن نوابه عند فوزه بمنصب رئيس الجمهورية، وذلك قد يؤثر على حظوظه في رئاسة الحزب، “ولكن على أي حال لا توجد أسماء أخرى منافسة له في هذا الوقت”.
ويتفق مرت مع الرأي نفسه معلّلا ذلك بأن إمام أوغلو لديه القدرة على تقريب حزب الشعب الجمهوري إلى شريحة أكثر محافظة وقومية من كليجدار أوغلو، ومع ذلك لن تكون مهمة التربع على رئاسة الحزب سهلة إن حاول المساس بالنظام الحالي داخل الحزب الذي قد تراه هياكله تهديدا لها، ومن ثم قد يؤدي ذلك إلى تشظّ داخلي.
ويرى مرت أن “الحجة الرئيسة للخصوم داخل حزب الشعب الجمهوري هي أن الحزب سيصعد إلى السلطة إذا تغير رئيسه حتى أصبحت هذه الحجة شعارا”، مضيفا “في الواقع، لا توجد عقبة ضد وصول حزب الشعب الجمهوري إلى السلطة، بل العقبة في هيكل الحزب وعقليته، فمهما تغير قائده فستبقى قدرته على التحول والتغيير محدودة”.