غزة- استهلّت إسرائيل هجومها العسكري على قطاع غزة فجر اليوم الثلاثاء بعملية اغتيال مركبة ومتزامنة، استهدفت قادة بارزين في المجلس العسكري لسرايا القدس (الذارع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي)، وخرقت بها تهدئة توصّل إليها وسطاء في الثاني من الشهر الجاري، وأوقفت تصعيدا أعقب استشهاد القيادي الأسير خضر عدنان.

وأعلن جيش الاحتلال عن عملية عسكرية مباغتة أطلق عليها اسم “السهم الواقي”، دشّنها بسلسلة غارات استهدفت منازل 3 قادة في سرايا القدس هم: جهاد غنام وخليل البهتيني وطارق عز الدين، مما أدى إلى استشهادهم برفقة زوجاتهم وعدد من أفراد أسرهم.

وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن 40 طائرة حربية شاركت في تنفيذ الاغتيال، وشنت غارات جوية استهدفت منازل قادة عسكريين ومواقع تابعة لسرايا القدس. وأسفرت عن استشهاد 13 فلسطينيا وإصابة نحو 20 آخرين، حسب بيانات وزارة الصحة في غزة.

وتعيد هذه العملية إلى الأذهان الحرب الإسرائيلية الأولى التي شنتها إسرائيل على غزة في 27 ديسمبر/كانون الأول عام 2008، واستمرت 23 يوما، وبدأتها بهجوم مباغت شاركت في تنفيذه عشرات الطائرات الحربية التي شنت غارات متزامنة استهدفت مواقع أمنية ومؤسسات تابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).

ردّ المقاومة

ونددت فصائل المقاومة في بيانات منفصلة بعمليات الاغتيال ووصفتها “بالجريمة النكراء”، وتوعدت بالرد عليها، وقالت إن “دماء الشهداء لن تذهب هدرًا والاحتلال سيدفع ثمن جريمته”.

ونعت سرايا القدس من وصفتهم بشهدائها القادة الكبار، وأكدت أن “دماء الشهداء ستزيد من عزمنا، ولن نغادر مواقعنا، وستبقى المقاومة مستمرة بإذن الله”.

وقال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، إن “العدو أخطأ في تقديراته وسيدفع ثمن جريمته (..) والمقاومة وحدها ستحدد الطريقة التي تؤلم العدو الغادر”.

وفي ما يبدو أنه رد غير مباشر على إسرائيل التي أعلنت عبر وسائل إعلامها أن العملية في غزة لا تستهدف حماس، أكد هنية في تصريحه المقتضب أن “العدوان يستهدف كل شعبنا والمقاومة موحدة في مواجهته”.

وبينما لم تحدد فصائل المقاومة حتى الآن زمان ومكان الرد على جريمة الاغتيال، أعلن وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت تطبيق خطة خاصة في المناطق التي تبعد حتى 50 كيلومترا من غزة، حيث تم حظر التجمعات فيها، وتعليق الدراسة ووقف حركة القطارات، مع التوصية ببقاء المستوطنين قرب الملاجئ الآمنة.

وفرض جيش الاحتلال إغلاقا محكما على غزة بإعلانه إغلاق معبري بيت حانون “إيريز” المخصص للأفراد والحالات الإنسانية، وكرم أبو سالم التجاري الوحيد المخصص لنقل البضائع والمساعدات الإنسانية.

تفاصيل العملية الإسرائيلية على غزة.. مراسل الجزيرة: حصيلة الشهداء كبيرة بسبب استهداف المنازل فجرا

سياسة الاغتيالات

وبعملية الاغتيال التي يرى محللون أنها استجابة من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لضغوط وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وشروطه من أجل العودة للتصويت لمصلحة الحكومة، وخاصة تنفيذ السياسات اليمينية والعودة لسياسة الاغتيالات، تكون إسرائيل قد عبثت بالمعادلة الراسخة منذ التفاهمات غير المباشرة التي رعتها مصر بين المقاومة وإسرائيل في عام 2012، بعد اغتيال القيادي البارز في كتائب عز الدين القسام (الذراع العسكرية لحركة حماس) أحمد الجعبري، الذي أعقبته حربا امتدت 8 أيام.

ومنذ ذلك الحين جمّدت إسرائيل سياسة الاغتيالات ضد قادة سياسيين وعسكريين في المقاومة الفلسطينية، والتي شهدت زخمًا واسعًا عقب اندلاع انتفاضة الأقصى في عام 2000 حتى اغتيال الجعبري.

ويخشى الفلسطينيون عودة واسعة لهذه السياسة التي بدأت تطل برأسها منذ اغتيال قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس بهاء أبو العطا في عام 2019، واغتيال القيادي البارز في السرايا تيسير الجعبري في أغسطس/آب الماضي، بقصف مباغت لشقتيهما في مدينة غزة.

ولكبح إسرائيل عن العودة لسياسة الاغتيالات، توقع السياسي الفلسطيني البارز الدكتور مصطفى البرغوثي “ردا موحدا من الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة في غزة”، من دون أن يستبعد أن يقتصر الرد على ساحة القطاع وحدها، وقد يشمل ساحات أخرى.

وقال البرغوثي -للجزيرة نت- إن إسرائيل تدرك أن مثل هذه “الجريمة النكراء ستجلب ردا شاملًا وواسعًا، استنادًا إلى تجارب حروب سابقة دشنتها عمليات اغتيال استباقية لقادة سياسيين وعسكريين في الفصائل الفلسطينية”.

ويعتقد البرغوثي أن نتنياهو يريد هذه الحرب، وأعدّ لها العدة بعملية الاغتيال وإطلاق عملية عسكرية متزامنة اختار اسمها مسبقًا، ولكنه في الوقت الذي حدد فيه بداية الحرب لا يمتلك تقدير متى ستنتهي.

ماذا تريد إسرائيل من هذه العملية؟

حدد المحلل السياسي والخبير في الشؤون الإستراتيجية الدكتور حسن عبده -في حديث للجزيرة نت- 5 أهداف لنتنياهو من وراء العملية التي استهلها بالاغتيالات، وهي:

  • إرضاء أركان ائتلافه من الصهيونية الدينية المتشددة؛ إذ لا خيار أمامه إلا الإذعان لشروطهم للحفاظ على الائتلاف من الانهيار.
  • ومن حيث التوقيت، يريد نتنياهو مواجهة استطلاعات الرأي التي تظهر تراجعا كبيرا في شعبية ائتلافه، لمصلحة قوى المعارضة ومنحتها الأفضلية للفوز في حال جرت الانتخابات اليوم، خاصة مع سيل الانتقادات له بتراجع قوة الردع الإسرائيلية.
  • كما يريد نتنياهو تأمين “مسيرة الأعلام” الاستيطانية المقررة في 18 مايو/أيار الجاري، ويصر اليمين المتطرف على مرورها بباب العامود في القدس المحتلة، حتى لو كان الثمن تصعيدا مع الفلسطينيين، ولذلك أراد توجيه ضربة استباقية يعتقد أنها ستعزل غزة عن أي تطورات محتملة.
  • ويتعلق الهدف الرابع بالتطورات داخل السجون عقب استشهاد الشيخ خضر عدنان، ونتنياهو يدرك أن ملفه لم يغلق مع حركة الجهاد الإسلامي، وسيكون لها رد على استشهاده واستمرار احتجاز جثمانه، حسب المحلل السياسي المقرب من الحركة.
  • أما الهدف الخامس فيرتبط بإدراك إسرائيل لتأثير غزة على حالة المقاومة في الضفة، وتنامي أداء مجاميع المقاومة التي بدأت تتشكل في المدن والمخيمات، وهي تريد مجابهة هذه الحالة والاستفراد بها عبر تحييد غزة وفصل الساحات عن بعضها.

“اختبار كبير”

وينظر عبده إلى هذه الاغتيالات كأكبر اختبار تواجهه قوى المقاومة المطالبة برد يرقى إلى حجم الجريمة، ويضع حدا لنوايا إسرائيل بالعودة لسياسة الاغتيالات. وقال “إسرائيل خضعت لإرادة المقاومة منذ عام 2012 عقب اغتيال أحمد الجعبري، ومن قبله الأمين العام للجان المقاومة الشعبية زهير القيسي، وتريد الآن تغيير المعادلة التي فرضتها المقاومة بالدم”.

وأضاف “نجحت المقاومة بموجب تفاهمات رعتها مصر في عهد الرئيس المصري الراحل محمد مرسي في تقييد يد جيش الاحتلال، ولا أعتقد أن المقاومة ستسمح بتمرير جريمة الاغتيال، وفتح الباب أمام العودة لهذه السياسة”.

وعن شكل الرد المرتقب، يرجّح عبده أن تتأنى قوى المقاومة كي يكون لها السبق في تحديد “ساعة الصفر”، وأن يكون لردها أثر بالوصول إلى أهداف كبيرة في مناسبات إسرائيلية مهمة، مستبعدا ردا سريعا، كي يفقد نتنياهو ما يعتقد أنه كسبه من وراء عملية الاغتيال.

ولا يستبعد المحلل السياسي أن يتجاوز الرد حاليا “جغرافية غزة”، وقال إن “إسرائيل ضربت في غزة، ولكنها لا تعلم من أي مكان سيأتيها رد قوى المقاومة لاحقا”.

شاركها.
Exit mobile version