إسطنبول – بعد أيام من تهديدات بنشر فضائح له عبر منصات التواصل الاجتماعي، وبعد يوم من توقف حملته الانتخابية بسبب ما قيل إنها وعكة صحية، خرج رئيس حزب البلد التركي المعارض وأحد المرشحين الأربعة للرئاسة محرم إينجه في مؤتمر صحفي معلنا انسحابه من السباق الرئاسي، وذلك قبل 3 أيام فقط من موعد الانتخابات العامة يوم الأحد المقبل.

وشكل قرار إينجه مفاجأة لبعض المراقبين لما عرف عنه من عناد ومواقف صارمة، في حين قلل آخرون من قراره، وعزوه إلى عدة عوامل مهدت له ودفعته للانسحاب من الترشح لرئاسة البلاد.

وبينما عبّر الرئيس التركي والمرشح عن تحالف الجمهور رجب طيب أردوغان عن أسفه لانسحاب إينجه، دعاه مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو للالتحاق بتحالف “الطاولة السداسية” الذي يضم خصوم أردوغان.

ودعا محرم إينجه المواطنين للتصويت لحزب البلد لدخول البرلمان بالتوازي مع التأكيد على انسحابه من الانتخابات الرئاسية، مبررًا قراره برغبته في عدم ترك المجال للمعارضة الرئيسية التي رشحت كمال كليجدار أوغلو للانتخابات لتحميله “المسؤولية في فشلهم في مواجهة الرئيس رجب طيب أردوغان صباح يوم الاثنين”، أي بعد يوم الانتخابات.

وطرح انسحاب إينجه قبل أيام قليلة من موعد الانتخابات تساؤلات عن تأثيره على السباق الانتخابي، ولمن سيصوت أنصاره في الانتخابات الرئاسية، خصوصا أنه لم يعلن حتى الآن دعمه لأي مرشح.

بروفايل| محرم إنجة.. السياسي المغامر

اغتيال معنوي

وشدد إينجه على أنه لا يمكن للمعارضة “الفوز بالتعاون مع أعداء تركيا.. هذا لن يحدث، وسأنسحب ليفهموا ذلك”، في إشارة إلى التحالف غير الرسمي بين تكتل المعارضة الرئيسي المتمثل في تحالف الأمة الذي يضم 6 أحزاب، وبين حزب الشعوب الديمقراطية الكردي، الذي يتهم بعلاقته مع حزب العمال الكردستاني الانفصالي والمصنف على لائحة الإرهاب.

وفيما يتعلق بالتسريبات الجنسية التي طالته عبر حسابات على تويتر هددت بنشر فيديو يشمل فضيحة جنسية لإينجه إذا لم ينسحب من السباق الرئاسي، قال رئيس حزب البلد “ما عشته خلال آخر 45 يوما لم أره في 45 عاما، لقد نشروا وثائق وصورا وأوراقا مزورة كأنها لي، من قام بذلك هم أتباع فتح الله غولن، وبعض أنصار المعارضة أعادوا نشرها”.

ووفي وقت حمّل فيه الدولة المسؤولية عن حماية حقوقه في هذه القضية، اعتبر أن ما جرى هو “اغتيال معنوي”، وشدد على أن جميع هذه المقاطع والتسجيلات الصوتية والصور المنشورة كذب وافتراء.

وعقب المؤتمر الصحفي الذي أعلن إينجه فيه الانسحاب من الانتخابات الرئاسية، ذكرت قناة “تي آر تي” (TRT) الحكومية أن المدعي العام التركي في العاصمة أنقرة فتح تحقيقًا في “الاتهامات والتحريض على المرشح المنسحب محرم إينجه”.

أما رئيس حزب الشعب ومرشح تحالف الأمة للانتخابات كمال كليجدار أوغلو -الذي كان قد دعا إينجه إلى الانضمام إلى الطاولة السداسية للمعارضة أمس الأربعاء- فقد جدد دعوته لإينجه بعد إعلان الأخير انسحابه من الانتخابات الرئاسية.

وقال كليجدار أوغلو في تغريدة له على تويتر “ما زالت دعوتي قائمة حتى الآن، فلنضع الخلافات السابقة جانبًا. ننتظر السيد إينجه على مائدة تركيا فليتفضل رجاء!”.

تهاوي شعبيته

وسبق التهديد بنشر فضائح بحق إينجه ظهور استطلاعات رأي كشفت تراجع شعبيته بشكل كبير إلى حوالي 2%، الأمر الذي أسهم -وفق محللين- في دفع رئيس حزب البلد إلى اتخاذ قرار الانسحاب من السباق الرئاسي.

وأظهر أحدث استطلاع رأي نشرته شركة كوندا، التي تحظى باحترام نسبي في الأوساط السياسية، أن شعبية إينجه هوت من 10% في مطلع أبريل/نيسان الماضي إلى 2.2% في الفترة بين الخامس والسادس من مايو/أيار الجاري. في المقابل، زادت شعبية المرشح القومي سنان أوغان من 2% إلى 4.8% في الفترة نفسها.

ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي في وكالة الأناضول التركية محمود عثمان أن السبب الرئيسي في قرار إينجه الانسحاب هو الهبوط الكبير في شعبيته فيما يشبه الإجماع من قبل شركات استطلاع الرأي، بالإضافة إلى التهديد بالفضائح.

ولفت عثمان، في تصريح للجزيرة نت، إلى أن المرشح المنسحب لم يصرح بأنه انسحب لصالح أحد بعدما كان متوقعًا أن يعلن دعمه لكليجدار أوغلو، بحسب تقارير.

كما أشار المحلل السياسي في المقابل إلى أن إينجه لم يتهم حزب الشعب الجمهوري بالوقوف وراء نشر التسريبات، مما يجعل الأخير هو المستفيد الأول من قراره الانسحاب حتى وإن لم يصرح بدعمه.

انسحاب غير مفاجئ

من جهته، لم يستغرب الكاتب والباحث المتخصص في الشأن التركي سعيد الحاج قرار رئيس حزب البلد المعارض، معتبرًا أنه “ليس مفاجأة” نتيجة الضغوط التي مورست عليه وتهديده بتسجيلات فاضحة، ورأى أن ما تعرض له كان أكبر من إمكانية مواجهته حتى لشخص عنيد مثله.

ورغم أن القاعدة الشعبية لمحرم إينجه وحزبه تصوّت للمعارضة تقليديًا، فإن ثمة تساؤلات عما إذا كان انسحابه من الانتخابات الرئاسية سيؤدي إلى ذهاب الأصوات التي كان سيحصل عليها إلى مرشح المعارضة المشترك كمال كليجدار أوغلو.

مركز متروبول لاستطلاعات الرأي كان قد نشر نتائج استطلاع أجراه في وقت سابق من الشهر الجاري، طرح فيه سؤالًا على المشاركين فيه، وجميعهم ممن أعلن أنه سيصوت لمحرم إينجه في الانتخابات الرئاسية، إذا انسحب مرشحهم من الانتخابات لمن سيصوتون؟ وأجاب 49% منهم بأنهم سيصوتون لكلجدار أوغلو، في حين قال 22.3% إنهم سيصوتون لأردوغان، أما 21.2% فقالوا إنهم لن يصوتوا لأحد، والباقي لم يتمكنوا من تحديد خيارهم.

استفادة غير حاسمة

وعلّق الحاج على هذه التقديرات قائلًا، للجزيرة نت، إن هذه الأرقام وترتيب الاحتمالات منطقيان بغض النظر عن دقة النسب التي لا يمكن الجزم بها.

وأضاف “لا يملك إينجه ولا أي مرشح رئاسي أصوات أنصاره بالكامل، فحتى لو وجههم للتصويت لأحد فلن يصوت جميعهم له”.

وقال إن كثيرين ذهبوا إلى إينجه بالأساس لأنهم لا يريدون كليجدار أوغلو، وإن كانت نسبة منهم ستصوت له، مما سيرفع فرص الأخير بشكل لافت.

وخلص الحاج إلى القول إن انسحاب إينجه من السباق الرئاسي يرفع من احتمال حسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى نسبيا، لكنه رجح أن تعقد جولة إعادة في جميع الأحوال.

شاركها.
Exit mobile version