14/7/2025–|آخر تحديث: 00:02 (توقيت مكة)
كشف الأسير الفلسطيني المحرر تيسير سليمان، رفيق القائد العام الراحل لكتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) محمد الضيف للجزيرة تفاصيل جديدة عن شخصية الراحل الذي غلف الغموض شخصيته، لدرجة وصفه بالشبح.
وكان أبو عبيدة المتحدث باسم الكتائب قد نعى في 30 يناير/كانون الثاني الماضي القائد الضيف، وقال في كلمة مصورة “نزف إلى أبناء شعبنا العظيم استشهاد قائد هيئة أركان كتائب القسام محمد الضيف”، إلى جانب عدد من أعضاء المجلس العسكري للقسام.
وسلط سليمان الضوء على جوانب إنسانية وقيادية لم تُعرف من قبل عن الرجل الذي ظل شبحا يطارد إسرائيل وتطارده لأكثر من 3 عقود.
وكان جيش الاحتلال قد أعلن قبلها اغتيال الضيف في 13 يوليو/تموز 2024 في غارة على خان يونس جنوبي قطاع غزة.
اللقاء الأول
ويروي سليمان قصة لقائه الأول محمد الضيف في غزة، حيث التقاه برفقة أحد قادة المقاومة وهو الشهيد محيي الدين الشريف، وذلك قبل أن ينتقل الضيف إلى الضفة الغربية في مهمة استثنائية.
وعاش سليمان مع قائد كتائب القسام في مدن القدس والخليل لأكثر من 7 أشهر، خلال فترة حاسمة في تاريخ المقاومة الفلسطينية.
وكان الهدف الرئيسي من هذا الانتقال إعادة بناء العمل المشترك في كتائب القسام وتنسيق العمليات المقاومة، حسب ما كشف سليمان الذي أكد أنهم نجحوا في تنفيذ عمليات متزامنة في غزة والقدس في نفس اليوم والساعة.
ويصف سليمان” الضيف” بأنه كان أخا محبا لإخوانه، متقدما عليهم في التضحية والعطاء، وكانت الحياة التي عاشها معه تتسم بالبساطة والتفكير المستمر في كيفية إنقاذ الشعب الفلسطيني بكل الإمكانيات المتاحة، مهما كانت بسيطة.
وأحد أبرز ما يميز شخصية الضيف، وفقا لرفيقه، هو شغفه بالقراءة والاطلاع على التجارب السابقة للمقاومة، وكان يحب الاستماع لإخوانه حتى التفاصيل الدقيقة، ويتابع كل عملية مقاومة بعناية فائقة لاستخلاص الدروس والعبر.
ويذكر سليمان موقفا مؤثرا عندما شارك في عملية أسر جنود إسرائيليين في مدينة القدس، حيث استمع الضيف لتفاصيل العملية لساعات طويلة، دقيقة بدقيقة، ليفهم كل ما حدث أثناء عملية الأسر والانسحاب والمعركة.
وتميز الضيف بوضوح الرؤية الإستراتيجية، حيث آمن بأن مقاومة المحتل تتطلب الاستعداد على مستويات مختلفة: بشرية وعسكرية واستخباراتية.
وهذا المفهوم الشامل للمقاومة تجسد في عملية طوفان الأقصى 7 أكتوبر/تشرين الأول، التي كانت ضربة نوعية أوجعت الاحتلال بسرية إتقانها ودقة تنفيذها.
ورغم قلة الإمكانيات والحصار، كان الضيف يؤمن بأن هذه القيود لا تمنع المقاومة من القيام بواجبها في الدفاع عن الشعب الفلسطيني.
ويذكر سليمان كيف كانوا ينتقلون من مدينة إلى أخرى بحثا عن رصاصات بسيطة لتنفيذ العمليات، “دلالة على الإصرار والعزيمة التي تميز بها هذا القائد”.
وحمل الراحل لقب “الضيف” كونه لم يكن يستقر في أي مكان إلا لفترات قصيرة جدا، في محاولة دائمة للإفلات من محاولات الاغتيال الإسرائيلية.
محاولات الاغتيال
وفي الوقت الذي يتردد فيه أن الضيف نجا من 7 محاولات اغتيال، أصيب في إحداها بجروح بالغة بينما استُشهدت زوجته واثنان من أطفاله، فإن سليمان يؤكد أن الرجل نجا من 8 محاولات اغتيال.
حيث تعرض لمحاولة اغتيال أخرى عندما كان في الضفة الغربية، وذلك عندما قصف الاحتلال المبنى بأكمله في مدينة بيت لحم بالصواريخ دون محاولة الاعتقال، في رغبة واضحة للقتل وليس الأسر.
وفيما يتعلق بالإرث الذي تركه القائد، يؤكد سليمان أن اغتياله وغيره من قادة المقاومة لن يؤثر على مستقبل الحركة، مستشهدا بتجربة تاريخية طويلة أثبتت أن حماس وكتائب القسام تعتمد على قاعدة تنظيمية عريضة وقيادات وسطى مؤهلة لتولي المسؤوليات.
وكانت الحركة قد بدأت بعشرات المقاتلين في عام 1995، ووصل عدد مقاتليها عام 2023 عشرات الآلاف، ولم يوقف اغتيال قادة سابقين لها مثل الشيخ أحمد ياسين وصلاح شحادة عمل المقاومة، بل زادها قوة وتصميما.
وكان الضيف أحد العقول المدبرة لعملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي أعلن عنها بنفسه في خطاب مسجل.
وأظهرت صور عرضها برنامج “ما خفي أعظم” على الجزيرة في يناير/كانون الثاني الماضي إشراف الضيف على وضع اللمسات الأخيرة للهجوم مع قادة المجلس العسكري للكتائب.
ولم تتمكن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من الحصول إلا على صورة واحدة للضيف، وكان وقتها في بداية الثلاثينيات من عمره، وبحسب رفيقه سليمان فإن هذه الصورة التقطت للضيف لاستخراج عدد من الهويات المزورة حتى يتمكن الضيف من ممارسة عمله بالمقاومة.
لذلك يعتبر الضيف “مدرسة” بالقدرة على التخفي لسنوات، و”تشكيل جيش يقاوم المحتل، وضرب الاحتلال بمفاجآت تدل على خبرة عالية في الاستعداد للمواجهة وفهم جيد للعدو”، يضيف سليمان.
وولد الضيف -الذي يحمل اسم محمد دياب إبراهيم المصري- عام 1965 لأسرة لاجئة من داخل فلسطين المحتلة، وانضم إلى حماس منذ تأسيسها عام 1987، وساهم في تأسيس كتائب القسام قبل أن يتولى قيادتها العامة عام 2002.
وبحسب رفيقه، أصبح محمد الضيف “ضيفا في كل البيوت العربية والإسلامية المحبة للمقاومة ولفلسطين”، تاركا وراءه إرثا من النضال والتضحية سيستمر في إلهام أجيال المقاومة المقبلة.