Published On 8/9/2025
|
آخر تحديث: 9/9/2025 14:47 (توقيت مكة)
بعد قرابة عامين على الحرب المدمرة التي يتعرض لها قطاع غزة، وما رافقها من إبادة جماعية وسياسة تجويع ممنهجة، لا تزال الأسئلة الأكثر إلحاحا تدور حول كيفية توقف هذه الحرب، وهل ستقود المتغيرات الميدانية والضغوط الدولية إلى تسوية مؤقتة تمهد للاستقرار، أم أننا أمام جولة جديدة من الانفجار ستفاقم المأساة الإنسانية القائمة؟
وفي هذا السياق، أصدر “مركز القيادة والدبلوماسية”، بتاريخ 30 أغسطس/آب الماضي، دراسة حديثة أعدّها الباحث وائل شديد، تضمنت قراءة تحليلية معمقة لـ6 سيناريوهات محتملة قد تُسهم في وقف الحرب أو تغيير مسارها.
اقرأ أيضا
list of 2 itemsend of list
وتخلص الدراسة إلى أن السيناريو الأقرب يتمثل في وقف إطلاق نار مرحلي خاضع للرقابة الدولية، أو هدنة قصيرة الأجل قد يعقبها انهيار سريع وعودة للتصعيد.
ورغم أن الدراسة تستبعد نسبيا سيناريوهات الوصاية الدولية أو استمرار الحرب المفتوحة، فإنها لم تخرجها من دائرة الاحتمالات.
القوى المحركة للأحداث
توضح الدراسة أن مسار الحرب يتأثر بـ12 عاملا رئيسيا، غير أن أبرزها 3:
- النفوذ الأميركي على إسرائيل باعتباره العامل الأكثر حسما في رسم مسار الحرب.
- استقرار الائتلاف الحاكم في تل أبيب ومدى قدرته على مقاومة الضغوط الداخلية والخارجية.
- توجهات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، التي توازن بين المكاسب العسكرية والكلفة السياسية.
كما تشير الدراسة إلى أن الفاعلين الإقليميين، وعلى رأسهم قطر ومصر، يشكلون ركيزة أساسية في أية مفاوضات أو ترتيبات مستقبلية.
أما أكثر العوامل تأثيرا في تثبيت وقف الحرب -بحسب الباحث- فتشمل تدفق المساعدات الإنسانية، وخطة انتقال الحكم في غزة، والضغط القانوني الدولي.
وترى الدراسة أن أي اتفاق هش سيفشل سريعا إذا لم ينتج عنه تحسّن ملموس في حياة المدنيين.
سيناريوهات وقف الحرب
تتحدث الدراسة عن 6 سيناريوهات لوقف الحرب على قطاع غزة، التي شنها الاحتلال الإسرائيلي في اليوم التالي للسابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. من أهمها:
- وقف إطلاق نار مرحلي خاضع للرقابة، -وهو الأكثر ترجيحا-، حيث يقوم على اتفاق يضمن تهدئة مؤقتة تحت إشراف دولي أو طرف ثالث، مما يعني انخفاضا سريعا في أعداد الضحايا الفلسطينيين، وفتح نافذة لإعادة الإعمار، وتحول المقاومة من الهجوم العسكري إلى الردع السياسي.
وحول أخطار هذا السيناريو، فإن هشاشة الاتفاق وإمكانية انهياره ستظل قائمة إذا غابت خطة حكم واضحة ولم تتوفر ضمانات لتدفق المساعدات. - أما السيناريو الثاني، فهو الاتفاق على هدنة قصيرة الأمد، -مع توقع تعرضها للانتكاس لاحقا-، يتوقع خلالها توقف محدود للقتال مع تبادلات جزئية للأسرى من دون إطار سياسي واضح، الأمر الذي ستكون له آثار مرحلية من حيث راحة إنسانية مؤقتة لسكان قطاع غزة.
إلا أن هذا الاحتمال ترافقه فجوات في تدفق المساعدات، واستمرار للنزوح، وإعادة تشكل المقاومة، إضافة إلى تآكل الثقة بين الأطراف المتصارعة. - وتتحدث الدراسة عن احتمالية انسحاب إسرائيلي أحادي مع استمرار الغارات على قطاع غزة، وإعلان تل أبيب إنهاء عملياتها الكبرى من طرف واحد مع الإبقاء على الضربات الدورية، وهو ما يعني تراجع أعداد الضحايا مقارنة بالحرب الشاملة، لكن المدنيين يبقون في بيئة خانقة أمنيا واقتصاديا.
- وفي سيناريو رابع تشير الدراسة إلى احتمالية فرض وقف للقتال، عبر ضغوط أميركية وأممية على الجانب الإسرائيلي.
- كما تضع الدراسة احتمالية وجود إدارة انتقالية مؤقتة تحت وصاية عربية ودولية على قطاع غزة، من خلال قوة عربية مدرّبة تتولى الأمن والخدمات لفترة محدودة، وهو خيار تستبعده الدراسة.
- وفي سيناريو غير مرجح أيضا، يظل استمرار القتال على نطاق واسع، نتيجة فشل كل المسارات السابقة وبقاء الحرب مفتوحة بلا سقف زمني، وهو ما يعني كلفة إنسانية أعلى مع وفيات واسعة، ونزوح متزايد.
الدلالات الإنسانية والسياسية
تؤكد الدراسة أن وقف إطلاق النار المرحلي هو الخيار الأكثر جدوى من الناحية الإنسانية، لأنه يتيح انخفاضا فوريا في عدد القتلى، ويفتح المجال لإعادة الإعمار، لكن هذا المسار يبقى هشا إذا لم تُحدد ملامح خطة حكم واضحة أو لم تُضمن المساعدات الإنسانية.
أما الهدنة القصيرة فهي لا تتعدى كونها إنقاذا مؤقتا يعيد إنتاج دوامة العنف. فيما يشكل الانسحاب الأحادي، “وقفا شكليا” يخفف من وطأة الحرب لكنه يبقي المدنيين في مأزق أمني واقتصادي.
وتلفت الدراسة إلى أنه في حال فُرض وقف الحرب بقرار دولي أو عبر وصاية انتقالية، فإن التحسن الإنساني سيكون ملموسا، لكنه سيظل رهنا بالتجاذبات السياسية وتعقيدات الداخل الفلسطيني.
في المقابل، تحدد الدراسة مجموعة من المؤشرات الرئيسية التي قد تساعد في التنبؤ بالمسار الأقرب للتحقق، من بينها:
- مصادقة الحكومة الإسرائيلية رسميا على اتفاق لوقف إطلاق النار.
- وضوح الاشتراطات الأميركية أو تعليق إمدادات الذخائر.
- تنفيذ تبادلات أسرى موثقة خلال شهرين.
- تدفق مساعدات يومية لا تقل عن 500 شاحنة.
- جاهزية قوة عربية بغطاء سياسي لإدارة المرحلة الانتقالية.
- تصاعد الضغط الشعبي داخل إسرائيل لإنهاء الحرب.
سيناريوهات محتملة لـ #غزة بعد الحرب#الجزيرة_مباشر pic.twitter.com/rDABHYCKnC
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) May 26, 2024
شبكة معقدة
ويخلص الباحث إلى أنه لا يوجد مسار مضمون لوقف الحرب، بل شبكة معقدة من الاحتمالات، تتراوح بين هدنة هشّة قد تنفجر في أية لحظة، وتسوية سياسية أكثر ثباتا لكنها بعيدة المنال.
ومع ذلك، يبقى وقف إطلاق النار المرحلي الخاضع للرقابة الدولية هو السيناريو الأكثر ترجيحا، -بحسب الدراسة- باعتباره الأقل كلفة إنسانيا والأكثر قابلية للتطبيق في المدى القريب، حتى لو كان مهددا بالانتكاس في غياب حل سياسي شامل ومستدام.