القدس المحتلة- أثار منشور للرئيس الأميركي دونالد ترامب على منصته “تروث سوشيال” دعا فيه إلى “إلغاء محاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أو منحه عفوا فوريا” عاصفة سياسية وقضائية في إسرائيل، وفتح بابا واسعا أمام قراءات وتحليلات ترى في هذا التدخل الأميركي غير المسبوق مؤشرا على تشابك الملفات القضائية والسياسية والأمنية في المنطقة.

المنشور الذي وصف بأنه “استثنائي” هاجم فيه ترامب القضاء الإسرائيلي، واعتبر محاكمة نتنياهو ذات دوافع سياسية، واصفا إياها بـ”صيد ساحرات” ضد “رجل الحرب القوي”، الذي “أنقذ إسرائيل من الخطر النووي الإيراني” بحسب تعبيره.

وذهب ترامب إلى أبعد من ذلك، مقترحا “إلغاء المحاكمة” أو “منح عفو فوري” لنتنياهو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة، مشيرا إلى ما أسماه “انتصارا تاريخيا” على إيران، وداعيا إلى تدخل أميركي “لإنقاذ بيبي”.

بدوره جاء رد نتنياهو سريعا، إذ شكر ترامب على دعمه وشارك منشوره، مؤكدا استمرار التعاون بينهما لهزيمة “الأعداء المشتركين” وتحرير المحتجزين، وتوسيع دائرة السلام، ليثير هذا التفاعل الحميم تساؤلات عميقة داخل الساحة السياسية الإسرائيلية حول توقيت دعوة ترامب وأهدافها الحقيقية.

ما أهداف وخلفيات دعوة ترمب لإلغاء محاكمة نتنياهو في قضايا الفساد؟

انقسام إسرائيلي

انقسمت القراءات الإسرائيلية حول دلالات هذه الدعوة، فقد اعتبرها بعض حلفاء نتنياهو اليمينيين، مثل رئيس لجنة الدستور سيمحا روتمان، تعبيرا عن “حقيقة عميقة” تكشف عيوب القضاء الإسرائيلي، مع إقرار بأن التدخل الأجنبي في مسار قضائي إسرائيلي أمر غير مقبول.

وبدلا من ذلك، دعا روتمان الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، إلى منح نتنياهو “عفوا داخليا”، مما يعكس رغبة في تسويق مخرج سياسي قانوني داخلي لتخفيف أزمة نتنياهو القضائية.

في المقابل، هاجمت المعارضة الإسرائيلية تصريحات ترامب بشدة، وأقر رئيس حزب “هناك مستقبل” يائير لبيد بوجود “عرفان إسرائيلي بالجميل” لترامب، لكنه شدد على رفض أي تدخل أجنبي في القضاء الإسرائيلي، ملمحا إلى أن ترامب ربما يحاول تقديم “هدية سياسية” لنتنياهو مقابل الضغط عليه لإنهاء الحرب في غزة.

ورأت تحليلات إسرائيلية عديدة في دعوة ترامب محاولة لإعادة صياغة أولويات نتنياهو الداخلية والخارجية، على وقع أزمة قضائية ثقيلة تهدد مستقبله السياسي، في ظل استمرار المحكمة برفض طلباته المتكررة لتأجيل الجلسات بحجة الانشغال بالحرب على إيران وتطورات أمنية أخرى.

ويرى بعض المحللين أن ترامب لا يتحرك فقط بدافع الصداقة الشخصية، بل في إطار تصور أوسع لصفقة إقليمية محتملة، تتضمن وقف إطلاق النار في غزة، وعودة المحتجزين الإسرائيليين، وتوسيع مسار التطبيع في الشرق الأوسط، حيث قد يصبح كل ذلك سهلا إذا كان نتنياهو متحررا من “هاجس السجن”.

وبدا واضحا -بحسب قراءات بعض المحللين- أن منشور ترامب لم يكن مجرد لفتة شخصية، بل صار مادة اشتباك سياسي داخلي في إسرائيل، كشف هشاشة العلاقة بين القضاء والسياسة، وأعاد التذكير بأن الأزمات الشخصية لنتنياهو الذي يصفه البعض بـ”ملك إسرائيل”، قد تتحول إلى عنصر تفاوض إقليمي في صراعات المنطقة.

نتنياهو يواجه عدة تهم بالفساد ومطلوب للجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة (الفرنسية)

تساؤلات خطيرة

وتحت عنوان “آلة نتنياهو الدعائية والسياسية خلف دعوة ترامب لإلغاء محاكمته”، كتب المحلل السياسي بن كسبيت مقالا في صحيفة “معاريف”، أكد فيه أنه “يصعب على أي مراقب في إسرائيل أن يصدق أن دعوة ترامب لإلغاء محاكمة نتنياهو كانت مبادرة عفوية”.

ولفت المحلل السياسي إلى أن أغلب التقديرات تشير إلى تنسيق مسبق بين الرجلين، بدأ منذ زيارة نتنياهو الأخيرة لواشنطن، حيث ناقشا علنا “الدولة العميقة” التي تطاردهما.

وأوضح أن فريق نتنياهو كان ينتظر هذا التصريح بفارغ الصبر، وأن حملة إسقاط المحاكمة كانت قد انطلقت فعلا حتى قبل نشره، “كل شيء جرى تنسيقه بدقة حتى آخر فاصلة” تقول هذه المصادر.

أما بالنسبة لمنتقدي نتنياهو، فيقول المحلل السياسي “هذه خطوة مدروسة ضمن خطة أوسع، تتضمن استغلال التوترات الأمنية والحرب في غزة لفتح قنوات تفاوض إقليمية، وتحويل نتنياهو نفسه إلى زعيم لا يمكن للقضاء المساس به”.

وأشار إلى أن هذه التحركات تثير تساؤلات خطيرة حول استقلال القضاء الإسرائيلي، وإمكانية توظيف الدعم الأميركي للتأثير في محاكمة جارية.

ويرى بن كسبيت أن نتنياهو يستغل اللحظة، مدفوعا بقناعة أنه “يلعب في الوقت بدل الضائع”، ومستعد لاستخدام كل الوسائل لتأجيل أو إلغاء محاكمته، حتى لو كان الثمن تدخلا خارجيا في شؤون إسرائيل الداخلية.

انتخابات مبكرة

يرى محلل الشؤون الحزبية في صحيفة “هآرتس” يوسي فيرتر، أن نتنياهو عمل طويلا على تأهيل ترامب كداعم مطلق، في خطة مدروسة لتسييس القضاء وكسب دعم خارجي لتبييض ملفه القضائي.

ويقول فيرتر “في الخلفية تتكشف مفارقة قاسية، أن الحرب مع إيران -التي انتهت خلال 12 يوما بضربة مركزة ومنسقة- أبرزت عبثية الحرب المفتوحة والطويلة في غزة”، وأضاف أن “النجاح العملياتي في إيران يكشف عجز الجيش في غزة، حيث يواصل القتال وسط خسائر مدنية وعسكرية”.

ويرى فيرتر أن “حرب غزة تدار لأسباب سياسية وشخصية بحتة، وقرار إنهائها أو حماية الجنود وإنقاذ المحتجزين ليس قرارا عسكريا بل أخلاقيا، وهي كلمة غريبة على نتنياهو، تماما مثل فكرة ترك السلطة في رئاسة الوزراء طوعا”.

وأوضح محلل الشؤون الحزبية أن نتنياهو، الذي يرتعد من تهديدات الوزيرين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، كان بحاجة لدعم ترامب، “كونه لا يجرؤ على اتخاذ قرارات إستراتيجية لإنهاء الحرب أو التوصل لاتفاق لإعادة المحتجزين” حسب وصفه.

وأشار إلى أن نتنياهو يروج لاحتمال انتخابات مبكرة، في محاولة لتجميد المشهد السياسي وإعادة ترتيب أوراقه، ويراهن على إنجاز في الحرب على إيران لتحسين صورته، بينما تهدد أزماته الداخلية والفشل في غزة والمحكمة بتهم فساد بإنهاء مسيرته، قائلا إن “نتنياهو يلجأ إلى إستراتيجيته المعهودة، تأجيل القرارات وانتظار فرصة تنقذه”.

شاركها.
Exit mobile version