القاهرة- في أجواء تنظيمية أقل ضجيجا مما كان عليه الحال في عقود سابقة، انعقدت أمس السبت انتخابات المجلس الأعلى للطرق الصوفية في مصر، وهو الكيان الأعلى المنظم لشؤون التصوف في البلاد، وسط مشاركة نشطة من مشايخ الطرق الصوفية، وبإشراف حكومي وقضائي رسمي.
وقد أجريت الانتخابات في مقر المشيخة العامة بحي الدراسة في القاهرة، لتجديد عضوية 10 أعضاء من أصل 70 يشكلون المجلس الأعلى، حيث شهدت العملية مشاركة 63 شيخ طريقة، وفق ما أكده المتحدث باسم المشيخة العامة، الإعلامي أحمد قنديل، في تصريحات خاصة للجزيرة نت.
وأوضح قنديل أن التصويت تم بشفافية داخل قاعة مخصصة، من خلال أوراق انتخابية حملت أسماء 14 مرشحا، اختار المشاركون منهم 10 فقط، في عملية اقتراع أجريت عبر صندوق زجاجي مكشوف، وتم فرز الأصوات مباشرة بعد الانتهاء من التصويت دون تأخير.
أسماء الفائزين
وقد أسفرت النتائج عن فوز الأعضاء التالية أسماؤهم بعضوية المجلس الأعلى:
- الشيخ سالم الجازولي (بحصوله على 58 صوتا).
- الشيخ علي جمعة (بحصوله على 56 صوتا).
- الشيخ علاء أبو العزائم (بحصوله على 56 صوتا).
- الشيخ أحمد الصاوي (بحصوله على 53 صوتا).
- الشيخ جمال الدسوقي (بحصوله على 49 صوتا).
- الشيخ سعيد الشناوي (بحصوله على 47 صوتا).
- الشيخ الحسين سلامة (بحصوله على 43 صوتا).
- الشيخ عبد الخالق الشبراوي (بحصوله على 41 صوتا).
- الشيخ عبد الله المحجوب (بحصوله على 39 صوتا).
- الشيخ محمود مالك علوان (بحصوله على 37 صوتا).
«الطرق الصوفية» تعلن نتائج انتخابات المجلس الأعلى واختيار 10 أعضاء جددhttps://t.co/KEnEsLdD9C
— المصري اليوم (@AlMasryAlYoum) June 28, 2025
نظام الانتخابات
من جانبه، أشار الشيخ جابر قاسم، وكيل المشيخة في محافظة الإسكندرية، إلى أن هذه الانتخابات تعقد مرة كل 3 سنوات، بموجب اللوائح المعمول بها في المشيخة العامة للطرق الصوفية.
وبيّن أن العشرة الأوائل من حيث عدد الأصوات هم من يحصدون مقاعد المجلس الأعلى، كما هو الحال مع الشيخ الجازولي، الذي تصدر قائمة الفائزين هذا العام.
لكن قاسم لفت إلى أن هذه الانتخابات باتت في السنوات الأخيرة أقرب إلى الروتين منها إلى التنافس الحقيقي، قائلا إن “العملية الانتخابية صارت أداء للواجب أكثر من كونها فرصة للتجديد والتطوير”، مشيرا إلى غياب الدعم المالي وضعف التفاعل الشعبي، خاصة بالمقارنة مع العقود الماضية التي شهدت زخما أكبر.
وتعد الطرق الصوفية أحد أقدم المكونات الدينية والاجتماعية في مصر، إذ تعود جذورها إلى القرنين الثالث والرابع الهجريين، وقد تطورت عبر العصور لتشكل اليوم بنية تنظيمية واضحة تضم نحو 77 طريقة معترفا بها رسميا.
وتنتشر الطرق الصوفية في مختلف مناطق مصر، لكنها تكتسب خصوصية قوية في الصعيد والريف، إذ تعرف بإحياء المناسبات الدينية والموالد الكبرى مثل مولد الإمام الحسين، والسيد البدوي، والسيدة زينب، من خلال مواكب ذكر وأناشيد روحية ورايات تقليدية تشارك فيها جموع المريدين.
وتخضع الطرق الصوفية لإشراف المشيخة العامة للطرق الصوفية، التي تأسست في بدايات القرن الـ20، وتضم المجلس الأعلى المنتخب من شيوخ الطرق المعتمدة، وتربطها علاقات مؤسسية بكل من الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف.
بيد أن هذا الإطار الرسمي لم يمنع من بروز عدد من التحديات أمام الطرق الصوفية، سواء على صعيد علاقاتها مع مؤسسات الدولة، أو على صعيد الدور الاجتماعي والخيري الذي كانت تلعبه تاريخيا.

تضييق وقيود
وفي هذا السياق، تحدث الشيخ جابر قاسم عما وصفه بـ”الضغوط” التي تواجهها بعض الطرق، مشيرا إلى التضييق على إقامة الاحتفالات الدينية، وحرمان بعض الطرق من استخدام أوقاف كانت مخصصة لمناسباتها.
واستشهد قاسم بحالات بعينها، مثل سحب أرض “سيفا” التي كانت تستخدم في احتفالات ومناسبات صوفية، وتأجيل مولد أبي العباس في الإسكندرية، ورفض وزارة الأوقاف إقامة احتفالات داخل مسجد كرموز، الذي يعد من المقامات التاريخية في المدينة الساحلية.
ورغم هذه التحديات، أعرب قاسم عن أمله في عودة التنسيق مع مؤسسات الدولة، مؤكدا أن ثمة فترات شهدت تعاونا ناجحا في تنظيم مسيرات واحتفالات شعبية صوفية، مشيرا في الوقت ذاته إلى الأثر الدولي للطرق الصوفية المصرية، إذ يتواصل مع طلاب ومريدين من دول آسيوية مثل إندونيسيا وماليزيا، تلقوا تعاليمهم الصوفية على يديه.

تصوف بلا استقطاب
ويجمع مشايخ الطرق الصوفية في مصر على أهمية الحفاظ على جوهر التصوف كمنهج روحي يُعلي من شأن المحبة والتسامح والسكينة، بعيدا عن التجاذبات السياسية أو الاستقطابات الفكرية، وهم يرون أن التصوف في جوهره يقدم نموذجا دينيا متزنا، يتوافق مع التقاليد الإسلامية الراسخة في مصر.
يبلغ عدد الطرق الصوفية في مصر نحو 77 طريقة، تنتمي جميعها إلى 7 طرق رئيسية تشكل المرجعيات الروحية والتنظيمية لمعظم المريدين، وتتصدر المشهد المصري طرق ذات حضور تاريخي وثقافي بارز، مثل:
- الطريقة الشاذلية: تنسب إلى الشيخ أبي الحسن الشاذلي، وتعد من أكثر الطرق انتشارا وتأثيرا في الفكر الصوفي المصري والمغاربي.
- الطريقة الرفاعية: مشهورة بطقوسها الرمزية وحضورها القوي في صعيد مصر، وتعزى إلى الإمام أحمد الرفاعي.
- الطريقة البدوية: ذات جذور شعبية واسعة، تتخذ من مدينة طنطا مركزا روحيا حول مقام السيد أحمد البدوي.
- الطريقة الدسوقية: تنسب للعارف بالله إبراهيم الدسوقي، وتتمركز في مدينة دسوق بمحافظة كفر الشيخ.
- الطريقة القادرية (الجيلانية): تُعزى إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني، وتنتشر في بعض المحافظات الحدودية.
- الطريقة العزمية: تعد من الطرق الحديثة نسبيا، وتتسم بخطاب ديني عقلاني وتنشط إعلاميا وسياسيا.
- الطريقة الخلوتية: تُعنى بالجوانب الروحية والتأملية في التصوف، وتمتد في مناطق الوجه القبلي.
وتختلف الطرق في طقوسها وأذكارها وموالدها، لكنها تشترك في التوجه نحو الزهد، والتسامح، والتربية الروحية المرتكزة على السكينة الداخلية.
مع تجدد عضوية المجلس الأعلى للطرق الصوفية، تتطلع الأوساط الصوفية إلى مرحلة أكثر فاعلية تعيد لهذا المكون الديني والاجتماعي دوره الحيوي في تعزيز الخطاب الروحي المعتدل، وفي سد الفجوة التي خلفها غياب بعض المؤسسات الدينية عن الساحة العامة.
ويرى مراقبون أن الطموح يبقى مرهونا بتعزيز الدعم المؤسسي، واستعادة الزخم الشعبي الذي لطالما شكل ركيزة لحيوية الطرق الصوفية في مصر، خاصة في الريف والمجتمعات الطرفية التي لطالما وجدت في التصوف ملاذا روحيا واجتماعيا متجذرا.