مراسلو الجزيرة نت
طهران- بعد رحلة طويلة من الخلافات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن عثور الأخيرة على آثار لمواد نووية في مواقع غير معلنة، فاجأت طهران الرأي العام بتسويتها ملف أحد المواقع إلى جانب غلق قضية كشف جزيئات اليورانيوم المخصب بنسبة 83.7%. فكيف سينعكس ذلك على المفاوضات الرامية لإحياء الاتفاق النووي؟
وعقب زيارة سلطان عُمان هيثم بن طارق إلى طهران ولقائه المرشد الأعلى علي خامنئي، الاثنين الماضي، أكد مصدر إيراني مطلع -للجزيرة نت- التوصل إلى تفاهم جديد مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن موقع “آباده” بالقرب من مدينة شيراز (جنوب غرب) المعروف في تقارير الوكالة بموقع “مريوان”.
يأتي ذلك بعد نحو 3 أشهر من زيارة مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، العاصمة الإيرانية، في مارس/آذار الماضي، تمكن خلالها من تحريك المياه الراكدة في مفاوضات فيينا النووية والتي كانت قد بلغت طريقا مسدودا في سبتمبر/أيلول 2022.
إرادة سياسية
ومع ختام زيارة غروسي الأخيرة إلی طهران، أعلن الطرفان عن توصلهما إلى اتفاق لمواصلة التعاون بشأن النقاط الخلافية بما فيها معالجة قضايا الضمانات المتبقية والمواقع غير المعلنة (مريوان وتورقوز آباده وفارامين) التي تقول الوكالة الذرية إنها عثرت فيها على آثار لليورانيوم.
وكثيرا ما شكلت قضية المواقع الثلاثة غير المصرح عنها نقطة تباين أساسية خلال المباحثات النووية. ويرى مراقبون إيرانيون في الاتفاق الجديد خطوة بالاتجاه الصحيح، مستدركين أنها منقوصة حتى تسوية الملفين المتبقيين.
في غضون ذلك، يرجع مستشار الوفد الإيراني المفاوض، محمد مرندي، سبب الاتفاق الأخير مع الوكالة الذرية وتسوية ملف موقع “آباده” إلى ضوء أميركي أخضر، مضيفا أن الخلافات السياسية المتجذّرة بين الدول الغربية وإيران تلقي بظلالها على علاقة طهران والوكالة الذرية.
وفي حديثه للجزيرة نت، دعا مرندي إلى عدم الذهاب بعيدا في التعويل على حلحلة الخلافات مع الوكالة الذرية حتى يتم التوقيع على اتفاق يفضي إلى إنقاذ الاتفاق النووي، وقال “إن تسوية ملف “آباده” دليل على كذب المزاعم بشأن المواقع الإيرانية غير المعلنة، وإن نتائج التحقيقات فيها تثبت صحة موقف الجانب الإيراني”.
موافقة مبدئية
وأوضح مستشار الوفد الإيراني أنه عقب الوساطة الأوروبية في سبتمبر/أيلول الماضي، وافقت بلاده بالخطوط العريضة على الورقة الأوروبية النهائية، وقدمت ملاحظات عليها وصفها الجانب الأوروبي بأنها “منطقية”. إلا أن الجانب الأميركي اتخذ سياسة المماطلة بسبب الانتخابات النصفية للكونغرس ثم رفض كل التوافقات بسبب حساباته الخاطئة عقب “احتجاجات مهسا” التي اندلعت الخريف الماضي، على حد قوله.
ويرى أن الوقت لا يصب في مصلحة الغرب بالمفاوضات النووية، لأن البرنامج النووي يواصل مسيرة التطور من جهة، ومن جهة أخرى تعمل بلاده على تعزيز علاقاتها مع الأطراف غير الغربية، مؤكدا أن بلاده على استعداد لتنفيذ جميع بنود خطة العمل الشاملة المشتركة شريطة التزام جميع الأطراف الأخرى بها.
وخلص مرندي إلى أن القضايا المتبقية مع الوكالة الذرية والملفات الشائكة الأخرى مع الولايات المتحدة يمكن حلها خلال فترة وجيزة في حال توفرت إرادة سياسية لدى الجانب الغربي، على غرار حلحلة الخلافات مع الوكالة الذرية قبيل التوقيع على الاتفاق النووي عام 2015.
ويفضّل طيف من الإيرانيين التريث حتى الاجتماع العادي لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية المقرر الأسبوع المقبل، للتأكد من قدرة التقارب مع الوكالة الذرية على تذليل العقبات التي كثيرا ما عرقلت إحياء الاتفاق النووي.
يظهر في الصورة علي باقري كني.. كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي..
ترجّح بعض المصادر أن مسألة رفع العقوبات وإعادة الأموال المجمدة مقابل العودة لاتفاق نووي جديد قد تمت مناقشتها أيضا رغم التعتيم الإعلامي على ذلك.
باقري زار السلطنة قبل شهرين أيضا. pic.twitter.com/YwkKICEIit— مسقط ١٩٧٠ (@SaidAhmed1987) May 29, 2023
فرصة أخيرة
من جانبه، يعتبر أستاذ العلاقات الدولية المتخصص بالملف النووي الإيراني محسن جليلوند الإشارات الإيجابية في ملف طهران النووي نتيجة لزيارة سلطان عُمان الأخيرة إلى الجمهورية، مؤكدا أن حضور كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني جميع لقاءات ضيف البلاد يدل على ما يحمله الأخير في جعبته بشأن الملف النووي.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول الأكاديمي الإيراني إن بلاده أيقنت منذ الخريف الماضي بأن حل مشكلاتها المستعصية ممكن عبر المرونة في سياستها الخارجية، مما أدى إلى تطبيع علاقاتها مع السعودية، والعمل جار على تعزيز علاقاتها مع دول الجوار، كما أنها ترسل إشارات إيجابية بشأن ملفها النووي قوبلت بتفاعل إيجابي غربي.
ووصف جليلوند الوساطة العُمانية في الملف النووي بأنها قد تكون “فرصة طهران الأخيرة” لاستثمار الوقت ومنع إعلان وفاة الاتفاق النووي، موضحا أن الحظر التسليحي على إيران سينتهي حتى أكتوبر/تشرين الأول المقبل وفقا للاتفاق النووي، وأن طهران لا ترغب بتفويت هذه الفرصة.
وختم حديثه بأنه رغم الخلافات الكبيرة مع العواصم الغربية بشأن برنامج إيران الصاروخي وملف السجناء “والادعاءات” بشأن الدعم العسكري الإيراني لروسيا في حربها على أوكرانيا، فإن الجانبين الإيراني والأميركي يسعيان لحلحة القضايا العالقة بالملف النووي أولا بسبب حساسية المرحلة الراهنة، ولأن طهران تعمل على حلحلة ملفاتها الشائكة عبر سياسة المصالحة.