غزة- “أنا لست كاتبا، أنا مجرد شخص يستفزني الواقع فأكتب بسخرية لأنه لا ينبغي أن نأخذ هذا العالم على محمل الجد”، هكذا ينظر الشاب العشريني أحمد مرتجى لما تتعرض له غزة من عدوان إسرائيلي دموي ومدمر، للشهر الثالث على التوالي، تقابله “مواقف باهتة” من الكل شرقا وغربا في هذا الكون.

يقول أحمد للجزيرة نت إن الأحداث الدائرة من حوله تستفزه لأن يفعل شيئا، فالشعور بالعجز أمام كل ما يحدث قاتل ومؤلم، حتى وإن لم ينزف دما مثل القتل بحمم النيران المنهمرة على هذه البقعة الجغرافية الصغيرة جوا وبرا وبحرا.

نجا أحمد وأسرته من الموت قصفا مرات عدة، جراء غارات جوية إسرائيلية دمرت منزلهم ومسحت مربعات سكنية بأكملها عن وجه الأرض في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، ولاحقتهم في أماكن نزوح عدة لجؤوا إليها داخل المدينة، وفي كل مرة كانت الدقائق حاسمة للنجاة من موت محقق.

سباق مع الموت

درس أحمد (28 عاما) علم النفس في الجامعة الإسلامية بغزة، ولم يتزوج بعد ويعيش مع أسرته في حي الشجاعية، الذي برز اسمه في أخبار الحرب كأحد أكثر أحياء القطاع تعرضا للقصف والتدمير، وقد واجه فيه جيش الاحتلال -باعتراف قادته- مواجهة شرسة من المقاومة الفلسطينية.

نتيجة واحدة من الغارات العنيفة على هذا الحي، وجد أحمد نفسه تحت الركام وقد نجا بأعجوبة، ويقول “نجونا مرة أخرى، ربما النجاة الثالثة أو الرابعة لا أدري، ولكننا ما زلنا نتنفس، وفي كل مرة كنا نسبق الموت بخطوة”.

مع تعرض حي الشجاعية لغارات وأحزمة نارية تشاركت بها مقاتلات جوية مع المدفعية، نزح الشاب وعائلته مرات عدة وفي كل مرة تلاحقهم حمم النيران، ويسبقون انهيار المباني التي يقيمون فيها بالمغادرة بوقت قصير، حتى استقر بهم الحال في مقر يتبع للأمم المتحدة في غرب المدينة.

أكثر من 100 ألف نازح موجودون في هذا المقر ومحيطه، حسبما قدرهم أحمد، الذي لا يشعر بالأمان حتى مع وجود العَلم الأزرق يرفرف فوق المقر الأممي الخالي من إدارته وموظفيه منذ نزوحهم عن مدينة غزة وشمال القطاع إلى جنوبه في 13 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وعن سبب هذا الشعور، يستشهد مرتجى بالدقائق الخمس التي فصلت بينه وبين الموت، عندما انهمرت الصواريخ والقذائف على مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، تؤوي آلاف النازحين، ويوضح “غادرنا المدرسة على عجل، وقبل مرور 5 دقائق انهار المبنى الذي كنا نحتمي به بفعل استهداف إسرائيلي مباشر”.

“حفلة التفاهة”

كل هذه الأحداث كانت دافعا له للكتابة وتوثيق يوميات الحرب، ولكنها لم تنل من أسلوبه الساخر، ويضيف “هكذا هي حياتي قبل الحرب، أنظر للأشياء من حولي بسخرية، فالحياة لا تستحق أكثر من ذلك”.

ويستشهد برواية “حفلة التفاهة” للروائي العالمي ميلان كونديرا، التي يقول فيها “لا ينبغي أن نأخذ هذا العالم على محمل الجد”.

ويتساءل أحمد “هل ما يحدث معنا حقيقي؟!

شاركها.
Exit mobile version