روما- أعلن وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي أنطونيو تاجاني أنه طلب من قادة المنظمات الدولية الإنسانية عقد اجتماع مع الحكومة الإيطالية والانطلاق في مبادرة “غذاء لأجل غزة”، وقال في مؤتمر صحفي بقصر فارنيسينا “هدف المبادرة هو التنسيق بين هذه المنظمات المهمة ومقراتها هنا في روما مع حكومتنا التي تترأس مجموعة السبع، وباعتبار بلدنا جزءا من اللجنة الرباعية وعضوا بالاتحاد الأوروبي”.
وتحدث الوزير إلى وسائل الإعلام وحدثهم عن المبادرة الإيطالية بعد اجتماعه مع كل من مدير منظمة الأغذية والزراعة (فاو) شو دونيو، والمديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي سيندي ماكين، وخافيير كاستيلانوس نائب الأمين العام للاتحاد الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر.
دور الميسّر
أشار وزير الشؤون الخارجية إلى أن الهدف من لقاء قادة المنظمات الدولية هو “إنشاء مبادرة تتيح لنا القيام بالمزيد في مواجهة الوضع الإنساني المأساوي”، موضحا “لقد قررنا إنشاء طاولة تنسيق فنية عملية، ومفتوحة لجميع الجهات الفاعلة التي ترغب في تقديم مساهمتها على المستوى المحلي والدولي، وسنضع أحسن ما يمكن أن يقدمه النظام الإيطالي رهن الإشارة”.
وذكر الوزير تاجاني أن “الغاية الكبرى من هذه المبادرة هو لعب دور المُيسر، وتقليص الحواجز لأجل نقل أكبر قدر من المساعدات إلى غزة، والتواصل أيضا مع كافة المعنيين بالأمر، أي إسرائيل والدول العربية، خاصة التي لها اتصال مع حركة حماس”.
وأكد تاجاني أن بلاده تسهم بحوالي 20 مليون يورو في هذه المبادرة، وأن “إيطاليا مستعدة لاستثمارات أخرى من أجل المدنيين”، مضيفا أنه يراهن على رئاسة بلده لمجموعة السبع، من أجل القيام بوساطة وتسهيل ولوج المساعدات إلى قطاع غزة.
وأوضح تاجاني أن “التعاون مع المنظمات الأخرى التابعة للأمم المتحدة كبديل عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” يبقى ساريا إلى غاية عدم ارتباط موظفيها بأعمال إرهابية، أو رفض إسرائيل التعامل معها، وسنرى إذا كان هناك تغيير في الوضع، لكن إلى الآن لا توجد إشارة بذلك”، وأضاف أن مبادرة “الغذاء لأجل غزة” سيتم التنسيق بشأنها مع المنظمات المعنية كل أسبوع، وسيكون هناك لقاء على مستوى القيادة كل نصف شهر.
وأعلن الوزير أن للمبادرة هدفين، أولهما على المدى القصير ويتمثل بزيادة المساعدات الغذائية والصحية، والثاني التركيز في المدى الطويل على جهود إعادة البناء الإنساني والاجتماعي للقطاع، ويتأسس ذلك على مفهوم الشراكة الذي عبر عنه بوضوح بقوله “تريد إيطاليا أن يكون لها دور ملموس في دعم السكان المدنيين الفلسطينيين، ولكن الطريقة الوحيدة للقيام بذلك هي العمل معا، وليس المضي قدما منفردين”.
ويسعى الاجتماع للتأسيس لطاولة دائمة، بتنسيق على المستوى السياسي من قبل الوزير، لمعالجة إعادة إعمار القطاع لاحقا، مع الإشارة بشكل خاص إلى إصلاح الأراضي بدءا من إزالة الألغام واستصلاح الأراضي الزراعية، وتوفير الخدمات الصحية والغذائية الأساسية للسكان، وكذلك الاستفادة من الخبرات والمساهمات التكنولوجية لنظام سلسلة الإمداد الغذائي الإيطالي والشركاء الآخرين الذين يعتزمون الانضمام، ومنها السلطات المحلية والمستشفيات الإيطالية والجامعات ومنظمات المجتمع المدني.
موقف المنظمات
وأكد مدير (الفاو) أن المنظمة “مهتمة جدا”، وقال “ندعم هذه المبادرة إلى جانب المنظمات الأخرى التي حضرت الطاولة الكبرى، وأعلنا فيها عن انطلاق مبادرة الغذاء من أجل غزة، يجب أن نقوم بكل الوسائل المتاحة لأجل مساعدة المدنيين الذين يعانون في غزة، خاصة مع إعلان شهر رمضان”.
وأضاف دونيو “علينا أن ندعم الوزير تاجاني وهذا المجهود الخاص بهذه المجموعة من المنظمات، ويتوجب علينا أن نشكر المساهمة الإيطالية، فيما نحن ملتزمون بمساهمة مادية قدرها 7 ملايين يورو، ويتعين علينا أن نوفر المواد الغذائية والماء، خاصة للأطفال الذين هم في محنة كبيرة”.
كما أكد برنامج الأغذية العالمي على لسان مديرته التنفيذية سيدني ماكين انخراطه في المبادرة الإيطالية، التي قالت إن “البرنامج جاهز لدعم هذه المبادرة، ونضع قدراتنا في مجال الأنشطة الإنسانية لأجل تطوير خطة، تسهم في تقوية دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة وإيصال الغذاء للأشخاص المحتاجين والذين يعانون من الجوع”.
وأضافت ماكين “نحن قلقون من الوضع الحاصل في غزة، وسنقوم بأفضل ما هو متاح لإيصال الغذاء إلى المناطق الواقعة شمال القطاع، نحن في حاجة إلى المعبر البري رفح وإلى الميناء لإيصال 300 شاحنة كل يوم”.
وأشارت إلى تيسير 8 رحلات لطائرات معبأة بـ170 طنا من المساعدات، من مستودعي الأمم المتحدة في برينيدزي، معبرة عن اعتزازها بدعم الحكومة الإيطالية وبالمبادرة، موجهة النداء للجميع “أيها السادة، أيتها السيدات، الوقت على وشك الانتهاء، والناس هناك على حافة المجاعة، ويجب ألا نتخلى عنهم”.
بدوره، قال نائب الأمين العام للاتحاد الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر “نحن سنقدم خطة دعم لأجل توزيع الغذاء في كل غزة، يجب أن نقوم معا بأفضل ما يمكن لأجل المدنيين الذين يصرخون بسبب الجوع”.
وأضاف “هذه الأزمة تتطلب منا جوابا جماعيا، لذا فإن هذه المبادرة الخاصة بالغذاء لأجل غزة قيّمة، وستساعد على مواجهة تفاقم الوضع المزري في القطاع”.
وتابع كاستيلانوس “لابد من مضاعفة الجهود والتنسيق من خلال مساعدات غير مشروطة، حتى يتمكن الناس من الحصول عليها، سواء كانت خدماتية أو صحية أو غذائية”.
صدى المبادرة
وجدت مبادرة “الغداء من أجل غزة” صدى متفاوتا بين نشطاء مدنيين ومراقبين، وقال المحلل السياسي يحيى المطواط إن “من شأن هذه المبادرة أن تساعد على إنقاذ الحياة في غزة، وتضع إيطاليا في موقعها التاريخي الذي لعبته دائما من أجل إقرار السلام”، كما يرى أن المبادرة تسجل موقفا يحسب للخارجية الإيطالية، “لأن الأولوية الآن هي إنقاذ أرواح الفلسطينيين من المجاعة، أمام صمت قاتل للعالم والاكتفاء بلعب دور المتفرج” حسب قوله.
واعتبر الباحث في العلوم السياسية في جامعة بيروجا المهدي عربي أن “الدوافع الرئيسية للمبادرة ظهرت عبر الضغط الداخلي، من خلال مظاهرتين لا مثيل لهما في مدينتي روما وميلانو، من أجل إيقاف الإبادة الجماعية في قطاع غزة، والتي حضر فيها الآلاف من المواطنين الإيطاليين والجاليات المقيمة، مما أدى إلى تنوير الرأي العام الداخلي، والبحث عن المغالطات حول القضية الفلسطينية”.
ويعتبر الباحث أن الدافع الثاني، الذي خلق جدلا واسعا ونقاشا سياسيا حادا بين اليسار واليمين، يتمثل بواقعة طلاب جامعة مدينة بيزا، والتي تدخلت فيها السلطات الأمنية بشكل مفرط من أجل قمع مسيرة تضامنية مع قطاع غزة، إضافة إلى التصدع الداخلي بين أحزاب الأغلبية واليسار المعارض حول قرار إيقاف الدعم للأونروا.