كانت لافتة منذ الأيام الأولى لسقوط الرئيس المخلوع بشار الأسد في سوريا، تلك الطوابير الطويلة من السيارات المزدحمة على المعابر الحدودية، والأفواج الغفيرة من السوريين العائدين يسوقهم الحنين إلى وطن حُرموا منه سنين طويلة.
عند مرورنا به، لم يكن معبر نصيب الحدودي السوري مع الأردن كما تكون الحدود عادة. آثار الخراب تحاصر عيون الوافدين، ورفات النظام البائد لم يوارها التراب بعد، ومن بين معالم الدمار تنبت براعم خضراء باسمة، تحييك ببشاشة تسحر الألباب، وتناولك جواز سفرك بعد التدقيق فيه، مرحبة بك في “وطنك”.
“وطنك” هذا الذي كنت قبل الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي لا تدخله إلا وقلبك يخفق من الرعب، خشية أن تكشف سجلات الحدود أنك مطلوب لأحد فروع النظام الأمنية. هذه المرّة، نظر إلينا الضابط وتساءل وهو يضحك: ماذا فعلتما حتى تطلبكما كل هذه الفروع الأمنية؟ فتبادلنا الضحكات وقلنا له: كنا صحفيين فقط!.
المسافرون وعناصر الأمن والموظفون، جميعهم يتبادلون التهاني والتبريكات وقصص الغربة الطويلة، ويلتقطون الصور ويتجاذبون أطراف الحديث كأنهم أصدقاء التقوا بعد غياب طويل، وفي الأرجاء علامات ترميم لبعض المباني، وصبغ لبعض الجدران، وصهريج ماء يغسل الطريق، وعمال ينظفون هنا وهناك. الحركة سلسة لا يعوقها شيء، ولا ينظّمها شيء أيضا، لكنّ البهجة تغمر الجميع.
طلبنا من أحد الضباط أن نلتقي مدير المعبر لنجري معه حوارا، فرحّب بذلك، وما هي إلا بضع دقائق حتى جلسنا إلى طالب الدكتوراه في القانون الدولي خالد محمد البراد، مدير معبر نصيب الحدودي الذي كان ببشاشة من قبله ولطفه، فحدّثنا عن المعبر وجهود تحسين العمل فيه، ووضّح لنا القواعد والإجراءات التي تهمّ الراغبين في دخول سوريا، وسلّط الضوء على بعض التفاصيل الجمركية.
فبيّن البراد أن نحو 700 موظف يعملون الآن في معبر نصيب، ما بين أمانة الجمارك، وإدارة الهجرة والجوازات، والقائمين على الأمن والسلامة، وأن متوسط العائدين إلى سوريا من هذا المعبر يبلغ نحو 3 آلاف عابر يوميا، وأنهم يعملون على تجهيز نظام عبور واحد لجميع المعابر الحدودية والموانئ البحرية، وأن من المتوقع قريبا إصدار نشرة جمركية موحدة لجميع المعابر البرية والبحرية، تراعي السياسة الاقتصادية، وغير ذلك مما ذكره في الحوار الآتي:
-
ما الجهود التي بذلتموها لإدارة معبر نصيب الحدودي؟
خلال الأيام القليلة الماضية، بدأنا العمل في معبر نصيب الحدودي بداية كان الاتجاه الأول والتركيز الأساس على تجهيز البنية التحتية اللائقة لخدمة أهلنا القادمين إلى سوريا، وذلك لأن البنية التحتية كانت غير مجهزة، بل كانت عبارة عن هياكل معدة فقط لابتزاز الناس واستغلالهم، فالصالات والطرق غير مجهزة، حتى الأماكن التي يفترض بها تقديم خدمة لأهلنا كانت لا تصلح قط.
لذلك من البداية، كان التوجيه من السيد المدير العام للهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية بتجهيز البنية التحتية لتقديم أفضل خدمة لأهلنا، لأن الأصل بهذه المراكز الحدودية والمرافق أن تقدم خدمة لائقة بأهلنا وتشعرهم بانتمائهم لهذا الوطن.
كان فتح الحدود متدرجا. البداية كانت بالحركة التجارية بين الطرفين، سواء بدخول الشحنات إلى سوريا لتغذية السوق الاستهلاكية أو حتى للعبور عبر سوريا، ثم انتقلنا للمرحلة الأخرى المتعلقة بالمسافرين.
وقد احتجنا لإنجاز ذلك العمل عبر مراحل متدرجة، والسبب هو ثقافة العصابة الكيبتاغونية التي كانت موجودة وأغرقت البلد الشقيق الجار بالكيبتاغون وأنواع أخرى من التصدير، سواء تصدير الإرهاب أو السلاح أو ما إلى ذلك. لكن الحمد لله، كان هناك تعاون وثيق جدا وتجاوب من السلطات الأردنية، ورأينا هذا الأمر من خلال عدة إجراءات، انتهت إلى السماح بوصول أهلنا أصحاب الإقامات في دول الخليج إلى سوريا عبر الأردن وعودتهم كذلك.
ونحن دائمًا نحاول أن نؤكد على أن البلد بحاجة جميع أبنائها في هذه المرحلة وبهذه اللحظات. البلد بحاجة أبنائها، بحاجة كفاءتهم العلمية، بحاجة إضافتهم. ودائما كما نؤكد، اشتاقت لكم البلد. البلد خلال الفترة الماضية كانت تحس بغربة، والبلد بحاجة جميع أبنائها في هذه اللحظات.
-
هل هناك إجراءات مطلوبة من السوريين الراغبين في العودة إلى سوريا؟
الإجراءات هنا بسيطة جدا، لا يوجد أي إجراء أو طلب لعبور أهلنا إلى داخل سوريا. أما الراغبون بالاتجاه من سوريا إلى الأردن، فهناك بعض الشروط المطلوبة، كأن يكون المسافر حاملا لوثيقة إقامة في إحدى دول الخليج حتى يسمح له بالعبور ترانزيت عبر الأردن، أو أن يكون حاملا لجواز سفر أجنبي.
عندما يدخل أهلنا السوريون إلى البلد، فهم يدخلون إلى بيتهم. ولا يحتاج الإنسان لأي إجراء أو لأي شرط لدخول بيته، فهو مرحّب به في بيته دائما، ووجودنا هنا فقط لتقديم أفضل خدمة.
-
ماذا عن السجلات الأمنية وقوائم المطلوبين للنظام السابق؟
بالنسبة للسجلات والقيود الأمنية المسجلة على الأفراد أثناء مرورهم في معبر نصيب الحدودي، فإن كل القيود أو المراجعات المفروضة لدواع سياسية أو أمنية، تعتبر ملغاة وساقطة في الأساس، وليس لها أي اعتبار، لكن يتم النظر فيها من جانب استرشادي خشية أن يكون بعض الأفراد مرتبطين بقضايا جنائية أو أمور متعلقة بحقوق الغير فقط.
-
حدثنا عن المعبر والعاملين فيه وقدرته التشغيلية في هذه الأيام.
حتى تاريخ اللحظة، لدينا نحو 700 موظف في معبر نصيب، ما بين العاملين في أمانة الجمارك، وإدارة الهجرة والجوازات، والعاملين القائمين على الأمن والسلامة.
بشكل يومي، يمرّ بالمعبر قرابة 3 آلاف إلى 3500 عائد إلى سوريا، ويمكن أن نقول إن متوسط العائدين يوميا نحو 3 آلاف عابر من معبر نصيب.
-
هل من قواعد أو اشتراطات على عبور المنظمات الإنسانية والإغاثية؟ وما مدى الأمان في الوصول من الحدود إلى المدن السورية؟
بالنسبة لعبور الطواقم والمنظمات الإنسانية، فلا يوجد أي اشتراطات لذلك، وهناك تسهيل كامل جدا لعبورهم.
والوضع الأمني جيد جدا بفضل الله عز وجل، ولا يوجد أي هاجس أو خطر. والحمد لله رب العالمين، القوات الأمنية ووزارة الداخلية أخذت دورها من اليوم الأول بعد التحرير، لذلك فالأمور منضبطة إلى حد كبير جدا.
-
كيف تتعاملون مع الرسوم الجمركية، وهل يتوقع إجراء تغييرات فيها قريبا؟
تم إسقاط 17 رسما جمركيا إضافيا غير متعلق بالرسوم الأساسية. فعلى سبيل المثال، كان هناك رسم اسمه “رسم الضميمة”، مفروض على سلع مختلفة مثل ألواح الطاقة الشمسية، وكان يبلغ 92% من قيمة الرسم الأساسي. الآن تم إسقاطه بشكل مباشر لينعكس الأمر على السوق الداخلي، بالإضافة إلى رسوم أخرى تم إسقاطها مباشرة.
وستوضع قريبا -خلال أسبوع إن شاء الله- نشرة جمركية موحدة عبر المعابر البرية والبحرية، تراعي السياسة الاقتصادية.
نحن الآن نقوم على تجهيز نظام عبور واحد لجميع المعابر الحدودية والموانئ البحرية، وهذا يتم العمل عليه في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية، بإشراف السيد المدير العام شخصيا بالإضافة إلى مجلس الإدارة. وفي القريب العاجل إن شاء الله، ستكون هناك إجراءات واحدة للعبور من جميع المنافذ البرية والموانئ البحرية والمطارات.
كذلك الأمر بالنسبة للرسوم الجمركية التي ستكون موحدة من جميع المنافذ، ولن تكون الرسوم نفس الرسوم الموضوعة في العهد السابق البائد، بل ستكون رسوما جيدة تراعي احتياجات المواطن وقدرته وحاجات الاستهلاك في السوق الداخلي، وتراعي في نفس الوقت الصناعات المحلية.
-
هل تحبون أن تضيفوا شيئا؟
كرسالة أخيرة عن طريقكم، أحبّ أن أتوجه إلى جميع أبناء البلد المغتربين في شتى دول العالم: البلاد الآن بأمس الحاجة لكم، بأمس الحاجة لكفاءاتكم، وقد اشتاقت لكم.