مراسلو الجزيرة نت
موسكو- رغم انشغالها بالحرب المتواصلة في أوكرانيا، تتابع روسيا تطورات المواجهات الدائرة بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي في ظل تواصل عملية “طوفان الأقصى” التي أثرت بشكل واضح في زخم تغطية الحرب على أوكرانيا في وسائل الإعلام الروسية.
واتسمت ردود فعل المسؤولين الروس بالحذر والترقب والدعوة لضبط النفس. وقال ميخائيل بوغدانوف الممثل الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين للشرق الأوسط وأفريقيا، إن موسكو على اتصال مع إسرائيل وفلسطين والدول العربية في ما يتعلق بتفاقم الوضع.
وأضاف بوغدانوف أن “العمل جار لفهم ما يحدث ولماذا وما العواقب التي ستترتب على ذلك”. وقال إن “تصعيد الصراع كان بمثابة مفاجأة لموسكو، وإنها لو كانت تتوقعه لما سمحت به”.
حالة ترقب
وتشير تصريحات المتحدث الصحفي باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، إلى أنه من السابق لأوانه القول ما إذا كان التصعيد الحالي سيؤثر في العلاقات بين روسيا وحماس، موضحا أنه “يجب أن يخرج الوضع من مرحلة الحرب الساخنة أولا”.
ونفى بيسكوف فرضية وجود مصلحة روسية من التصعيد الجاري من زاوية تراجع الدعم العسكري والمالي والتكنولوجي الغربي لأوكرانيا وتوجيهه إلى إسرائيل، وقال إنه “في كل الأحوال سيدخل هذا الدعم منحى تنازليا، وإنه سيحدث لا محالة”.
وكان بيسكوف قد أفاد في وقت سابق بأن جدول الرئيس الروسي لا يتضمن اتصالات مع القيادتين الإسرائيلية والفلسطينية.
وذكرت صحيفة “فيدومستي” أن نواب مجلس الدوما (البرلمان الروسي) الذين قابلتهم، بينهم أعضاء لجنة الشؤون الدولية، رفضوا التعليق على الصراع العسكري الجاري، ولم يجيبوا عن سؤال ما إذا كان المجلس سيتبنى أي بيان أو قرار بشأن هذه المسألة.
تعطيل مشاريع واشنطن
من جهته، يرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط أندريه أونتيكوف، أن الموقف الروسي من الأحداث الجارية سيكون تدريجيا، وسيتوقف على احتمال توسع رقعة المواجهات، وفيما إذا كانت جهات أخرى ستتدخل بشكل مباشر واحتمال اشتعال جبهات إضافية، معتبرا أن حالة الغليان في المنطقة ما زالت في بدايتها.
ويعتبر أونتيكوف أنه في كل الأحوال، ستؤدي عملية “طوفان الأقصى” إلى وضع “يصبح فيه من المستحيل تطبيع العلاقات الجاري الحديث عنه الآن بين السعودية وإسرائيل، وأن هجوم حماس المفاجئ لن يتعارض فقط مع مفاوضات تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية، بل سيضعف إلى حد كبير من الثقة المتبادلة”.
وأضاف أونتيكوف أن ما يحصل يشكل بداية خسارة كبيرة لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط التي تقوم على جعل إسرائيل أقرب إلى الدول العربية المنتجة للنفط من خلال إبرام الاتفاقيات الإبراهيمية، متوقعا خطورة على خطط الرئيس الأميركي جو بايدن بإنشاء شبكة نقل واسعة النطاق في المنطقة تشمل الهند والسعودية والإمارات.
فشل مفاجئ
بموازاة ذلك، انصبت تعليقات عدد من المراقبين الروس المعنيين بشؤون الشرق الأوسط على الحديث عن أسباب الهجوم المفاجئ للفصائل الفلسطينية من حيث التوقيت والحجم، وما اعتبره هؤلاء فشلا عسكريا واستخباراتيا إسرائيليا سيترك آثارا دراماتيكية على الأوضاع في المنطقة والعالم بشكل عام.
وحسب محلل الشؤون الإستراتيجية سيرغي بيرسانوف، فإن السبب الأساسي لاندلاع المواجهات العنيفة بين الفلسطينيين والإسرائيليين يعود إلى إهمال القضية الفلسطينية بل نسيانها، معتبرا أن حماس -التي لا تراهن أساسا على دور دولي لحل مشكلة الشعب الفلسطيني- أعادت تذكير العالم بأن تجاهل القضية الفلسطينية لا يعني انتهاءها.
وأضاف أن “هذا التجاهل الدولي كان قائما حتى قبل الصراع الأوكراني وجائحة كوفيد-19 والاضطرابات الاقتصادية اللاحقة، لكن ذلك ترافق حتى بعدم الاهتمام للجانب الإنساني من الصراع وقتل مدنيين فلسطينيين خلال عمليات الجيش الإسرائيلي ضد قادة حماس وغيرها من الفصائل، وهو ما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أيضا كأحد أسباب الحرب الحالية”.
وأوضح بيرسانوف أن أحد أهم أسباب فشل المخابرات الإسرائيلية في معرفة النوايا يكمن في الشغف بالذكاء الاصطناعي الذي مكّن حماس من السيطرة على تدفق المعلومات التي تجمعها إسرائيل، متابعا أن الخطأ الفادح الذي ارتكبته الحكومة الإسرائيلية كان “التباهي العلني” بما رأت فيه لجما للفصائل وتحييدها عن مسار الصراع واقتصار العمليات على الأفراد.
وأكد أن أداء استخبارات حماس كان هو الأفضل، إذ قامت بعمل جيد في غسل أدمغة الإسرائيليين الذين كانوا نياما عند بدء الهجوم. وعلاوة على ذلك، لم يتمكن نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي “القبة الحديدية” من مواجهة الهجمات الصاروخية من قطاع غزة؛ لأنه غير مصمم لاعتراض عدد كبير من القذائف.
ويضيف “ببساطة، فإن تل أبيب لم تصدق أن الفلسطينيين سيجرؤون على تنفيذ عملية برية واسعة النطاق، ومن هنا كانت هزائم إسرائيل في الساعات الأولى”.