يبرز الذكاء الاصطناعي التوليدي بوصفه ابتكاراً تكنولوجياً تحويلياً في القرن الحادي والعشرين. ومن المؤكد أنه سيعيد تشكيل الاقتصادات والمجتمعات، ويغير ديناميكيات القوة العالمية، كما كتب راهول بانداي(*).
براءات اختراع الذكاء الاصطناعي التوليدي
نشرت المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO) «تقرير المشهد البراءات – الذكاء الاصطناعي التوليدي (GenAI)» بوصفه أول تقرير لها على الإطلاق يتتبع طلبات براءات الاختراع في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي.
إن نتائج التقرير ليست جديدة تماماً، حيث يتوفر العديد من التقارير من وجهات نظر مختلفة للجمهور. والخلاصة الرئيسية من كل هذه المصادر هي أن الشركات الصينية والمؤسسات الأكاديمية (وخاصة الأكاديمية الصينية للعلوم CAS) والشركات الناشئة الأخرى، تستثمر موارد مالية كبيرة في إنتاج أبحاث وبراءات اختراع عالية الجودة تتعلق بالذكاء الاصطناعي.
كشف تقرير المنظمة العالمية للملكية الفكرية عن أنه بين عامي 2014 و2023، تم تقديم أكثر من 54000 عائلة براءة اختراع تشمل الذكاء التوليدي، مع زيادة ملحوظة بمقدار ثمانية أضعاف في طلبات براءات الاختراع منذ عام 2017.
وقد غذت الاختراقات في التعلم العميق هذه التطورات، وخاصة الزيادة في نماذج اللغة الكبيرة (LLMs)، والشبكات التنافسية التوليدية (GANs)، والمنافسة العالمية بين الدول والشركات لاستغلال إمكانات تقنيات الذكاء التوليدي بشكل كامل.
معركة تكنولوجية من أجل التفوق الجيوسياسي
من منظور المنافسة التكنولوجية العالمية، فإن ثورة GenAI، التي تقودها دول مثل الصين والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، ليست مجرد مسألة ابتكار ونمو اقتصادي… إنها معركة من أجل التفوق الجيوسياسي.
ومع استثمار الدول والشركات لموارد كبيرة لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، فإن التأثير يمتد إلى ما هو أبعد من الاقتصاد؛ إذ إن هذه التكنولوجيا على استعداد للتأثير على جوانب مختلفة من حياتنا، بما في ذلك القدرات العسكرية والأمن القومي والتجارة العالمية والعلاقات الدولية.
هيمنة الصين الكاسحة
وأكد تقرير المنظمة العالمية للملكية الفكرية النمو المذهل في الاختراعات المتعلقة بالذكاء التوليدي في عام 2023 وحده، أنه تم تسجيل أكثر من 25 في المائة من جميع براءات اختراع التي تمت دراستها في التقرير، وتقود الصين هذا التوجه. فقد جمعت البلاد 38000 براءة بين عامي 2014 و2023، متجاوزة بذلك الجهود المشتركة لجميع البلدان الأخرى. وتمتد هذه الهيمنة الساحقة إلى ما هو أبعد من شركات التكنولوجيا العملاقة، وتشمل مؤسسات بحثية مدعومة من الدولة مثل الأكاديمية الصينية للعلوم.
وعلى النقيض من ذلك، قدمت الولايات المتحدة، التي كانت رائدة تقليدياً في مجال الذكاء الاصطناعي، ما يزيد قليلاً على 6000 براءة اختراع خلال الفترة نفسها، وهي في المرتبة الثانية المهمة ولكن البعيدة.
وفي حين تظل الولايات المتحدة موطناً لبعض مؤسسات وشركات أبحاث الذكاء الاصطناعي الأكثر نفوذاً في العالم، بما في ذلك «غوغل» و«آي بي إم» و«مايكروسوفت»، فإن طلبات براءات الاختراع الجامحة في الصين تشير إلى التزام استراتيجي لتصبح الرائدة العالمية في ابتكار الذكاء الاصطناعي.
تطوير الذكاء التوليدي – مجهود تراكمي
كان تطوير الذكاء التوليدي جهداً تراكمياً على مدى عدة عقود؛ ففي حين تمتد جذور الذكاء الاصطناعي إلى منتصف القرن العشرين، فإن العقد الماضي فقط شهد تسارعاً حقيقياً في قدراته.
وكانت نماذج الذكاء الاصطناعي المبكرة، مثل روبوت المحادثة ELIZA الذي ابتكره جوزيف ويزنباوم في الستينات أو جهاز Perceptron في الخمسينات، مهدت الطريق للتقدم الحديث. ومع ذلك، فإن صعود التعلم العميق في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والاختراقات في الشبكات العصبية، مكّنا الآلات من التعلم وتوليد البيانات على نطاقات غير مسبوقة.
تمثل نماذج اللغة الكبيرة مثل «جي بي تي – 3» (GPT – 3) و«جي بي تي – 4» (GPT – 4) قفزة كبيرة إلى الأمام في قدرة الذكاء الاصطناعي على فهم وتوليد لغة تشبه اللغة البشرية. وأشعل نجاحها التجاري موجة من الاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم.
ثورة آلية اقتصادية صحية ترفيهية
يعمل الذكاء الاصطناعي التوليدي على إحداث ثورة في الاقتصادات عبر الصناعات، من الرعاية الصحية والترفيه إلى القيادة الذاتية والاتصالات. في الرعاية الصحية، فإنه يصمم جزيئات الأدوية ويوفر علاجات مخصصة، كما أنه يحسن خدمة العملاء، ويبسط إدارة المستندات ويؤتمت المهام في الأعمال.
إن التقدم التكنولوجي والاستثمارات التجارية الكبيرة يغذيان تطوير الذكاء التوليدي. وتقود التطويرات شركات رائدة مثل «أوبن إيه آي» و«غوغل» و«مايكروسوفت» و«ميتا»، مع تخصيص مليارات الدولارات.
أما الوجود المتزايد للصين، مع شركاتها مثل «تنسنت» Tencent و«بايدو» Baidu و«علي بابا» Alibaba ومؤسسات الدولة مثل الأكاديمية، فيغلق الفجوة في سباق التسلح بالذكاء الاصطناعي، ويعيد تشكيل ديناميكيات القوة العالمية.
4500 شركة صينية للذكاء الاصطناعي
تستضيف الصين نفسها أكثر من 4500 شركة ذكاء اصطناعي، كما ذكرت وكالة أنباء «شينخوا». يشير تقرير المنظمة العالمية للملكية الفكرية إلى جهد وطني متضافر لتأمين موقف قيادي.
بعيداً عن المنافسة بين الصين والولايات المتحدة، هناك لاعبون آخرون مثل كوريا الجنوبية واليابان والهند. والعديد من براءات الاختراع في مجال الذكاء الاصطناعي يتم تقديمها في كوريا الجنوبية واليابان، ما يسمح لهذه البلدان بتخصيص مكانة خاصة لها، وخاصة في الأجهزة والتطبيقات الخاصة بالصناعة.
إن سباق الذكاء الاصطناعي العالمي له آثار جيوسياسية بعيدة المدى؛ إذ إن قدرة الدول على التحكم والابتكار في الذكاء الاصطناعي ستؤثر بشكل كبير على مكانتها الاقتصادية والسياسية. ستؤثر تقنيات الذكاء الاصطناعي، وخاصة الذكاء الاصطناعي، على الأمن القومي والاستراتيجيات العسكرية وتطوير الأسلحة. إن السيطرة على أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تولّد محتوى رقمياً جديداً، مثل الأسلحة المستقلة، وقدرات المراقبة، أو البراعة السيبرانية، ستحدد ديناميكيات القوة العالمية.
مشكلة البلدان المتخلفة عن الركب
إن البلدان المتخلفة عن الركب تخاطر بعيوب اقتصادية كبيرة، بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعطل سوق العمل العالمية، ويؤتمت الوظائف التي تتطلب مهارات منخفضة وعالية. ستكتسب البلدان التي تدمج الذكاء الاصطناعي وتوفر فرص إعادة التدريب ميزة تنافسية، في حين ستواجه الدول التي تفشل في التكيف اضطرابات اقتصادية كبيرة.
باختصار، فإن النمو السريع للذكاء الاصطناعي التوليدي لديه القدرة على إعادة تشكيل الصناعات وهياكل القوة العالمية. ومع تنافس القوى الكبرى مثل الصين والولايات المتحدة على الهيمنة، فإن سباق تفوق الذكاء الاصطناعي سيؤثر بشكل كبير على العلاقات الدولية والاستراتيجيات الاقتصادية والمخاوف الأمنية. ومع تزايد دمج الذكاء الاصطناعي في المجتمع، قد يعتمد توازن القوى العالمي في النهاية على من يتحكم في أنظمة الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدماً.
* «ذا دبلومات»، خدمات «تريبيون ميديا».
“);
googletag.cmd.push(function() { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); });
}