تقترب الحرب في قطاع غزة من هدنة ثالثة بعد مفاوضات متعسرة دامت لأشهر، معززة بتفاؤل الإدارة الأميركية التي تتحدث عن أنه بات قوسين أو أدنى أن يكون ذلك الأسبوع، وسط ترقب لمدى استجابة واشنطن لمطلب «حماس» بالذهاب لاتفاق دائم ينهي الحرب المستمرة منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
التفاؤل الذي تروج له الإدارة الأميركية، سبق أن كان مطروحاً في اتفاق يناير (كانون الثاني) الماضي، الذي سرعان ما انهار مع عودة إسرائيل للحرب مجدداً دون خوض المرحلة الثانية التي كانت معنية بإنهاء الحرب.
ويعتقد خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن «الهدنة الثالثة ستكون متأرجحة بين احتمال أن تنهار مجدداً مع انقلاب من نتنياهو عليها حال لم تستجب (حماس) للشروط الأميركية الإسرائيلية، لا سيما بنزع السلاح، أو تذهب لاتفاق دائم برغبة أميركية وضغوط كبيرة وتنازلات تقدمها الحركة الفلسطينية أيضاً».
وأتاحت هدنة أولى لأسبوع في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 وهدنة ثانية لنحو شهرين في مطلع 2025، تم التوصل إليهما عبر وساطة قطرية وأميركية ومصرية، الإفراج عن عدد من الرهائن المحتجزين في قطاع غزة مقابل إطلاق سراح فلسطينيين من السجون الإسرائيلية.
ومع عدم التوصل إلى اتفاق للمرحلة التالية بعد الهدنة الثانية، استأنفت إسرائيل هجماتها على قطاع غزة في منتصف مارس (آذار)، وكثفت عملياتها العسكرية في 17 مايو (أيار)، قائلة إن الهدف هو القضاء على حركة «حماس» التي تتولى السلطة في القطاع منذ 2007 ونزع سلاحها وطرد قياداتها.
وعلى مستوى المفاوضات الجديدة بالدوحة، انتهت جلسة ثانية منها «دون تحقيق اختراق، لكن المفاوضات سوف تستمر»، وفق ما أفاد مسؤول فلسطيني مطلع على المحادثات لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، وهذا تكرار لما حدث، الأحد، حسب ما ذكره مسؤولان فلسطينيان مطلعان لـ«رويترز».
فيما نقلت «هيئة البث الإسرائيلية»، عن مصدر مطلع على تفاصيل مفاوضات صفقة الرهائن، أنه لا يوجد طريق مسدود، وفريق التفاوض على تواصل مستمر مع الوسطاء حتى هذه اللحظات.
ووصل وفد إسرائيلي إلى العاصمة القطرية الدوحة، الأحد، يضم منسق شؤون الأسرى والمفقودين، غال هيرش، والمستشار السياسي لرئيس الحكومة الإسرائيلية، أوفير فالك، ومسؤولين آخرين من الجيش الإسرائيلي والموساد وجهاز الأمن العام (الشاباك)، بحسب قناة «آي نيوز 24» الإسرائيلية، التي نقلت عن مصدر إسرائيلي قوله: «إسرائيل تعتقد أن رد (حماس) يسمح بإبرام صفقة، ولهذا السبب قررت إرسال وفد».
وكان نتنياهو صرح، الأحد، لدى مغادرته متوجهاً إلى الولايات المتحدة بأن إسرائيل تعمل على التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة «وفقاً لشروط وافقت عليها». وأشار إلى أنه أرسل وفد التفاوض إلى الدوحة «بتعليمات واضحة» حول الاتفاق، مؤكداً عزمه إعادة جميع المحتجزين في غزة، وضمان ألا يمثل القطاع أي خطر على إسرائيل.
وأكد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في تصريحات الأحد، أن هناك «فرصة جيدة» للتوصل إلى اتفاق بشأن هدنة في غزة «خلال هذا الأسبوع»، وذلك قبل اجتماعه في واشنطن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير رخا أحمد حسن، يرى أن المفاوضات حال تجاوزت تبايناتها الحالية يمكن أن نشهد هدنة قريبة، وحال فشلت المفاوضات خلالها بشأن الاتفاق الدائم سنكرر سيناريو اتفاق يناير مرة أخرى، وتقدم إسرائيل مجدداً على استكمال حربها بالقطاع، مشيراً إلى أن هناك تباينات بين الطرفين بسبب عدم وضوح كيفية إتمام مسار الانسحاب، أو توزيع المساعدات بحضور أممي وبلا قيود.
بينما يرى المحلل السياسي الفلسطيني الدكتور عبد المهدي مطاوع أن «ما يثار لن يكون سبباً في أزمة، فـ(حماس) وإسرائيل بحاجة لاستراحة، وهناك اتفاق منهما على الخطوط الأساسية للمقترح المطروح، ولكن الأهم هو ما بعد الـ60 يوماً»، معتقداً أنه في ضوء محاولة نتنياهو لتحقيق مكاسب سياسية سيذهب الجميع لهدنة هشة كالتي سبقت في يناير وتنهار، ما لم تقدم «حماس» المطلوب منها، وهو عدم وجودها بالحكم ونزع سلاحها.
وذكرت «هيئة البث الإسرائيلية»، الاثنين، نقلاً عن مصدر فلسطيني أن التعديلات التي قدمتها حركة «حماس» لا يُفترض أن تشكل عقبة أمام التوصل إلى اتفاق، موضحاً أن «ترمب مستعد لضمان عدم عودة إسرائيل للقتال بعد انتهاء الـ60 يوماً من وقف إطلاق النار، إذا رأى ذلك مناسباً، وهناك التزام من الإدارة الأميركية بأن مسألة إدخال المساعدات إلى قطاع غزة لن تشكل عقبة أمام التوصل إلى اتفاق».
وتشمل التغييرات التي تطالب بها «حماس»، بحسب مصادر فلسطينية تحدثت سابقاً لـ«الشرق الأوسط»، انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، والضمانات التي تسعى إليها لوقف الأعمال القتالية بعد ستين يوماً، واستعادة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعترف بها المسؤولية عن توزيع المساعدات الإنسانية.
وأوضح السفير رخا أحمد حسن، أن تلك التعديلات التي تطالب بها «حماس» ضمانة لاستمرار الاتفاق ولا تشكل عقبة إذا كان هناك إرادة حقيقية لإبرام الاتفاق والذهاب لوقف حقيقي للحرب، مشيراً إلى أن مطالب الحركة الفلسطينية ليست مستحيلة ويمكن التفاهم بشأنها.
ويرى أن كل الأمور حتى الآن ترجح تكرار سيناريو يناير في ظل التباينات ومخططات نتنياهو السياسية، إلا إذا قام ترمب بالضغط بشكل كبير على إسرائيل لتسوية أزمات الشرق الأوسط، وهنا يمكن أن نقول إن وقف الحرب أمر ممكن، مستدركاً: «ولكن إذا لم تكن هناك نيات أميركية لإتمام ذلك فنحن إزاء اتفاق سيتم ولكن سيكون هشاً للغاية».
ويرى مطاوع أن الذهاب لوقف الحرب بضمانات أميركية، كما يثار، أمر يتوقف على إدراك «حماس» أن ثمة شروطاً إسرائيلية وأميركية مطروحة، وأنها يجب أن تستجيب ولا تشتري الوقت وتناور لضمان وجودها في اليوم التالي للحرب.
ويتوقع مطاوع في ضوء المواقف المطروحة أن تكون الهدنة المقبلة متأرجحة بين أن تكرر ما حدث في يناير من انهيار، أو تتفهم «حماس» المتطلبات التي تحول دون استمرار الحرب وتعطيل الإعمار، وإجبار الفلسطينيين على التهجير، ونرى وقفاً للحرب بضغط أميركي.
“);
googletag.cmd.push(function() { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); });
}