يحتار المرء كيف يحدد معاني كلمة «شمس»، فهي تحمل الدفء والأمل والضوء والحرية وغيرها. ولكن المصور الفوتوغرافي الإيطالي، ماركو بالومبي، جمع فيها كل هذه الصفات في معرضه «شمس»، فأطلق عليه هذا الاسم تيمناً بلبنان المشرق والمضيء. يقول إنه هكذا تراءى له في عيون تلامذة مدارس زارهم في صفوفهم. ومتنقلاً بين مناطق لبنان ومن شماله إلى جنوبه اكتشف في ملامح الأولاد ضوءاً لا يخفت في عيونهم. مشروعه الفني يرتكز على جولات قام بها لمدارس تستفيد من مبادرات التعاون الإيطالي.

مجموعة من صور معرض ماركو بالومبي في متحف سرسق (الشرق الأوسط)

ويتضمّن معرض «شمس» في متحف سرسق أكثر من 50 صورة فوتوغرافية. وجميعها تتناول ملامح و«بورتريهات» لتلامذة تلك المدارس. قرأ في وجوههم كما يسرّ لـ«الشرق الأوسط» الصلابة والقوة. واستشفّ من سمات وجوههم أحلام المستقبل المشرقة. «طبعت ذاكرتي عيون هؤلاء الأولاد بشكل كبير. واكتشفت مدى صلابتهم وقوتهم وحبّهم للحياة. إنها تلمع بالنور والأمل ولا مجال لكسرها أو إحباطها».

مرّ ماركو بالومبي على مدارس في طرابلس وصور وصيدا وبيروت، توقف في ساحاتها وملاعبها، تواصل مع تلامذتها ولمس جمالية تنوع أطيافهم. فهم يمثّلون نموذجاً حيّاً عن لبنان المتنوع بطوائفه وبمجتمعاته. ويعلّق في سياق حديثه: «سبق أن زرت لبنان أكثر من مرة، وهذه الصور التي ترونها تعود إلى عام 2023 حتى اليوم. وفي زيارتي الأخيرة لهذا البلد استوقفني حماس الشباب، كما أعجبت ببنية المدرسة اللبنانية إلى حدّ كبير».

وفي مقارنة سريعة يجريها بالومبي بين مدارس إيطاليا ولبنان يخبرنا: «تلامذة المدارس في إيطاليا يتمتعون بالاكتفاء على أصعدة مختلفة. ولديهم كل ما يرغبون به من أدوات وقرطاسية وأجواء كي تحفّزهم على الدراسة. ولكن تلامذة لبنان لم أرهم يحملون سوى الكتاب فقط. وهو أمر رائع؛ لأنهم يركّزون على لبّ الهدف التعليمي. ومع ذلك رأيتهم مرتاحين وفرحين بما لديهم. والأهم هو أنهم يمثّلون حلم مستقبل لبنان الواعد. وهو أمر لمسته عن قرب سيما وأن عيونهم تلمع بالأمل».

وعن سبب إطلاقه اسم «شمس» على معرضه يقول لـ«الشرق الأوسط»: «لفتتني إحدى تلامذة المدارس في صيدا تحمل رسماً لكوكب الشمس، عنونته بالفرنسية (سولاي)، وقدّمته في رسم بسيط ومعبّر. كانت سعيدة لحملها هذا الكوكب على ورقة. والأهم هو أن نور الشمس الذي رسمته كان ينعكس على وجهها. فألهمتني لإطلاق هذه التسمية على معرضي».

يتألّف معرض «شمس» من مجموعة فوتوغرافية لتلامذة لبنانيين (الشرق الأوسط)

على مساحات شاسعة من صالة المعارض في متحف سرسق تتوزّع صور ماركو بالومبي. التقط في بعضها لغة دمار قاسية لم توفّر حتى المدارس. وفي غيرها نقل براءة تلميذ يشير إليه بصفته مصوراً أجنبياً. في حين حملت باقي الصور موضوعات متفرقة، بينها رسمة على حائط تجمع ما بين عبارة «للوطن» وعلم لبنان. وفي أخرى التقط نماذج لتلامذة ترك لعدسة كاميرته حرية التعبير عن محتواها. فهنا ولد يعمل على تطبيق بصري. وهناك مجموعة فتيات تلوّن أحلامهن على الورق.

وبينما صور معرض «شمس» تتصدّرها شخصيات منفردة، عزّز بعضها الثنائية، فالتقط صوراً لزميلتَيْن على مقاعد الدراسة. وكذلك لتلميذتَيْن تبتسمان بخجل وعيناهما على كاميرا بالومبي. ويتوقّف المصور الإيطالي أمام واحدة من الصور التي يحبّ: «إنها تبرز رسماً للعلم اللبناني وتبرز بوضوح هوية البلد الذي التقطت فيه هذه الصور. فأنا أنوي نقل هذا المعرض قريباً إلى إيطاليا. وهناك سيتعرّفون بسرعة إلى لبنان من خلال علمه».

بابلو إلى جانب الصورة التي يحب وتحمل العلم اللبناني (الشرق الأوسط)

تم تنظيم معرض «شمس» من قِبل مكتب الوكالة الإيطالية للتعاون والتنمية في بيروت، بمشاركة السفارة الإيطالية في لبنان. وتابع ماركو بالومبي على مدار عام كامل، بعثات رصد المشروعات الإيطالية. وزار المدارس ومراكز تعليم الكتابة والقراءة في جميع أنحاء لبنان. وسرد من خلال صوره الفوتوغرافية الوقع الإيجابي لهذه المبادرات على حياة الأطفال.

وتأتي صوره من ضمن مشروع أطلقته إيطاليا في لبنان عام 2023، وهدفه دعم نظام تعليم وتدريب مهني أكثر شمولاً وإدماجاً واستدامة في مجال التعليم. وهو يزيد من فرص الحصول على عمل محترف من خلال التدريب الجيد.

ويشير ماركو إلى أنه يختار شخصيات صوره تلقائياً ومن دون سابق تصميم. «عندما أدخل مكاناً ما يجذبني دفء ناسه. ربما نظرة أو ابتسامة أو حركة عفوية تلفتني فألتقطها بكاميرتي. فأنا لا أحب تصوير الأماكن الفارغة أو المقفلة. وأفضّل ممارسة التصوير في الشوارع التي تضج فيها الحياة».

والمعروف أن ماركو بالومبي اشتهر بتقاريره المصورة التي يروي فيها قصص الناس. عمل في مجال الريبورتاج المصور لتصاميم الأزياء والإعلانات التجارية. ونشرت أعماله في «لاريبوبليكا» و«لاستامبا» وصحف إيطالية أخرى. حاز على جائزة «بريميو أنيما» للتصوير الفوتوغرافي في عام 2023.

ويختم ماركو بالومبي لـ«الشرق الأوسط»: «سأتذكر لبنان دائماً مشرقاً بضحكات وابتسامات أولاده. إنه بلد رائع، ولا بد أن أقوم فيه بمشروعات تصويرية مستقبلية».

“);
googletag.cmd.push(function() { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); });
}

شاركها.
Exit mobile version