الدوحة – قنا
واصل المشاركون في منتدى القطاع الخاص ضمن أعمال مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، في دورته الحادية عشرة، والتي تستضيفها الدوحة خلال الفترة من 15 إلى 19 ديسمبر الجاري، مناقشة الأبعاد المتعددة لنزاهة الأعمال وتداعيات الذكاء الاصطناعي، وسبل تعزيز الجهود الجماعية لمكافحة الفساد.
وفي هذا السياق، أكدت السيدة ألكسندرا بوبليكوفا من البرنامج العالمي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب التابع لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أن الجرائم المالية تشهد تطورا متسارعا وتعقيدا متزايدا، ما جعل الأساليب التقليدية للكشف والإنذار المبكر أقل فاعلية.
وأشارت بوبليكوفا إلى أن المؤسسات المالية والشركات، إلى جانب وحدات الاستخبارات المالية، باتت مطالبة بالتكيف مع هذه التحديات المتنامية من خلال تبني تحليلات البيانات المتقدمة، وتقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، باعتبارها أدوات أساسية لكشف التدفقات المالية غير المشروعة ومنعها، وبناء منظومة مستدامة لمكافحتها مستقبلا.
وأوضحت أن الذكاء الاصطناعي يتيح تحليل كميات هائلة من البيانات، وإنشاء مؤشرات ديناميكية للمخاطر، والكشف عن الأنماط غير الاعتيادية، بما يمكن الجهات المعنية من تحديد الأنشطة المشبوهة المرتبطة بغسل الأموال، والفساد وتمويل الإرهاب بشكل استباقي وأكثر كفاءة، لافتة إلى أن تطبيق برامج التحول الرقمي وتحليلات البيانات المتقدمة يواجه تحديات عدة، تشمل إعداد البيانات وتنقيتها وحمايتها وضمان تفسير نتائج النماذج الذكية بدقة، والحد من التحيزات المحتملة في أنظمة الذكاء الاصطناعي.
وأضافت أنه سيتم تناول المخاطر المرتبطة بإساءة استخدام الذكاء الاصطناعي من قبل المجرمين، مثل تزوير الوثائق وتنفيذ هجمات تصيد احتيالي آلية، وإنشاء معاملات معقدة ضمن مخططات غسل الأموال، مؤكدة أن التركيز الأساسي سينصب على الحلول العملية وكيفية تسخير هذه التقنيات لدعم جهود الكشف والمنع.
من جهته قدم السيد يان ماكدوجال رئيس مؤسسة “نكسيس نكسيس” لسيادة القانون، وأستاذ سيادة القانون وحرية التعبير في العصر الرقمي والذكاء الاصطناعي في جامعة مدريد، رؤية شاملة حول دور القطاع الخاص في توظيف الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا لتعزيز سيادة القانون ومكافحة التدفقات المالية غير المشروعة.
وشدد ماكدوجال على أهمية الانطلاق من المبادئ الأساسية عند مناقشة الذكاء الاصطناعي، مؤكدا أن التكنولوجيا رغم تقدمها الكبير لا تزال أداة لها حدودها وقيودها التي يجب فهمها بوضوح، وأن العالم يقف اليوم عند مفترق طرق بين الابتكار التكنولوجي من جهة، وجهود مكافحة الفساد وتعزيز سيادة القانون من جهة أخرى.
وأشار السيد يان ماكدوجال رئيس مؤسسة “نكسيس نكسيس” لسيادة القانون وأستاذ سيادة القانون وحرية التعبير في العصر الرقمي والذكاء الاصطناعي في جامعة مدريد إلى أن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة غير مسبوقة وتهديدا محتملا في الوقت ذاته، معتبرا أنه من أكثر التطورات إيجابية إذا ما استخدم بصورة مسؤولة لدعم سيادة القانون.
وبين أن التقنيات أحدثت نقلة نوعية في رصد الأنماط داخل مجموعات البيانات الضخمة، ما مكن المؤسسات المالية والهيئات الرقابية من اكتشاف المعاملات المشبوهة بسرعة ودقة.
وفي المقابل، حذر ماكدوجال من أن التقنيات ذاتها تستخدم أيضا لتطوير أساليب متقدمة للتهرب المالي، واصفا المشهد الحالي بأنه “سباق تسلح تكنولوجي” بين الجهات المكلفة بإنفاذ القانون والجهات الإجرامية، مؤكدا أن حجم الموارد المطلوبة لتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة هائل، ويتجاوز قدرات العديد من الدول.
وتابع: “إن هذا الواقع يجعل من التعاون الدولي عنصرا حاسما، لا سيما للدول النامية والمناطق ذات الموارد المحدودة، التي لا تستطيع منفردة مواكبة حجم الاستثمارات المطلوبة في هذا المجال”، داعيا إلى مقاربة متوازنة في تنظيم الذكاء الاصطناعي، لكن دون التسرع في سن تشريعات جديدة لا تدرك طبيعة هذه التكنولوجيا وتطبيقاتها.
بدوره أوضح السيد آندي موتيبي رئيس وحدة التحقيقات الخاصة في جنوب إفريقيا، الجهة المختصة باسترداد الأصول المنهوبة من مؤسسات الدولة وإحالة المتورطين إلى المحاكمة واتخاذ الإجراءات التأديبية بحقهم، أن الذكاء الاصطناعي بات يشكل عنصرا محوريا في نهج جنوب إفريقيا لمكافحة التدفقات المالية غير المشروعة، قائلا إن هذا النهج يقوم بالأساس على التعاون المشترك بين الوكالات الحكومية، مشيرا إلى أن التدفقات غير المشروعة تنشأ في عدة قطاعات من بينها الضرائب والجمارك والخدمات المالية، إضافة إلى سجلات الشركات، لا سيما ما يتعلق بمراقبة الملكية المستفيدة.
وبيّن أن مصلحة الضرائب في جنوب إفريقيا طورت واستخدمت على نطاق واسع تقنيات متقدمة قائمة على الذكاء الاصطناعي، قادرة على تتبع الدخل ونمذجة الاتجاهات المالية بشكل تنبئي، ما يمكنها من رصد حالات عدم الإفصاح أو نقص الإفصاح الضريبي، ووضع إشارات تحذيرية فورية على المعاملات المشبوهة.
وأضاف أن هذه التحليلات التنبؤية تتيح للجهات المعنية التواصل مع الأفراد أو الشركات المعنية، وتتبع مسار الدخل، بما في ذلك التحقق مما إذا كانت الأموال قد غادرت البلاد.
وفيما يتعلق بقطاع الخدمات المالية، أشار موتيبي إلى الدور المحوري الذي يؤديه مركز الاستخبارات المالية، باعتباره جهة تنظيمية تشرف على القطاع المالي، وتعمل بالتنسيق مع مؤسسات أخرى، من بينها البنوك، في حين يقوم المركز برصد المعاملات المشبوهة التي تبلغ عنها المؤسسات المالية، مستعينا بأنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على تحليل كميات ضخمة من البيانات بسرعة وكفاءة.
وأوضح أن هذه الأنظمة تقوم بمعالجة التقارير الواردة، مستخدمة تقنيات التعلم الآلي لتحديد الأنشطة المشبوهة، قبل إحالتها إلى جهات إنفاذ القانون المختصة، وعلى رأسها وحدة التحقيقات الخاصة التي تتولى بدورها إجراء التحقيقات التفصيلية اللازمة.
وأكد في ختام مداخلته على أن توظيف الذكاء الاصطناعي، إلى جانب التعاون المؤسسي الوثيق، أسهم بشكل ملموس في تعزيز القدرات على كشف التدفقات المالية غير المشروعة، وتسريع عمليات التحقيق واسترداد الأصول.
