قطر وسوريا
دمشق – قنا
/ في ظل التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة، تبرز دولة قطر بوصفها لاعبا محوريا في مساعي دعم الاستقرار الإقليمي، عبر جهود دبلوماسية وإنسانية متواصلة تهدف إلى إعادة بناء العلاقات مع سوريا، وكسر العزلة السياسية والاقتصادية المفروضة على دمشق منذ أكثر من عقد.
وأكد عدد من الباحثين والمحللين السياسيين، أن لدولة قطر تحركات مدروسة تسعى من خلالها إلى تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا، وإطلاق مرحلة جديدة من التعاون العربي، تضع في أولوياتها التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار، مع الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها.
وأوضح عمر أدلبي الباحث في مركز /حرمون/ للدراسات المعاصرة، في حديث خاص مع وكالة الأنباء القطرية /قنا/ أن التحرك القطري لإقناع الشركاء الغربيين – بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة – بضرورة مراجعة نظام العقوبات المفروضة على سوريا، ليس جديدا، بل يعد امتدادا لموقف ثابت عبرت عنه القيادة القطرية منذ بداية الأزمة السورية، وهو دعم الشعب السوري وحقوقه المشروعة.
وأشار أدلبي إلى أن قطر لطالما استخدمت منابر دولية كالجمعية العامة للأمم المتحدة للمطالبة بمحاسبة من ارتكبوا الانتهاكات بحق السوريين، وهي اليوم ترى أن انتهاء النظام السابق يفتح المجال لمراجعة العقوبات المفروضة عليه، خصوصا تلك التي تعيق وصول المساعدات الإنسانية وتحول دون تعافي الدولة السورية الجديدة.
وأضاف أن قطر تلعب دورا رئيسيا في تأمين إعفاءات إنسانية من هذه العقوبات، لاسيما في مجالات حيوية، مثل الطاقة والنقل، مشيرا إلى أن ذلك ساهم في تحقيق إنجازات أولية، منها إعادة تشغيل مطار دمشق الدولي وتزويد البلاد بالكهرباء، وهي خطوات لم تكن لتتحقق دون الوساطة القطرية.
وفي السياق ذاته، ثمن الإعلامي السوري موسى العمر الدور القطري التاريخي في دعم الشعب السوري، مؤكدا أن الدوحة كانت الدولة الوحيدة التي لم تتخل عن السوريين خلال المراحل الأصعب من النزاع.
وأكد في حديثه لـ/قنا/ أن زيارة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، إلى دمشق تمثل علامة فارقة في مسار العلاقات السورية-القطرية، وتعكس رغبة حقيقية في طي صفحة الماضي وفتح باب التعاون العربي المشترك.
وأوضح العمر أن قطر تتصدر اليوم جهود دعم التنمية في سوريا، مع تركيز خاص على قطاع الكهرباء وإعادة تأهيل البنية التحتية، مشددا على أن ذلك يعكس التزام قطر الثابت بحق السوريين في العيش بكرامة واستقرار.
من جانبه، قال الدكتور زكريا ملاحفجي، الأمين العام للحركة الوطنية السورية لـ/قنا/، إن التحرك القطري في الملف السوري يستند إلى رؤية استراتيجية واضحة ترتكز على دعم السلام والاستقرار، مشيرا إلى أن الدوحة تنظر إلى سوريا باعتبارها عمقا استراتيجيا مهما.
وأضاف ملاحفجي أن المبادرات الدبلوماسية والاقتصادية القطرية تهدف إلى إعادة تنشيط العلاقات الثنائية، بما يسهم في دفع عجلة إعادة الإعمار وترسيخ التضامن العربي.
وأشاد بمواقف قطر الداعمة لسيادة بلاده ووحدة أراضيها، مؤكدا أن الدوحة تتعامل مع الملف السوري بمسؤولية عالية وحرص على تجاوز التحديات التي تحول دون تعافي البلاد.
بدوره، أكد الباحث السياسي السوري حسام طالب في حديثه لـ/قنا/، أن قطر كانت من أوائل الدول التي سارعت إلى تقديم المساعدات الإنسانية إلى سوريا، عبر تسيير جسر جوي إغاثي عقب سقوط النظام السابق.
وأشار إلى أن الزيارة التاريخية لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، إلى دمشق قد شكلت منعطفا في العلاقات الثنائية، وأسهمت في إطلاق تعاون استراتيجي في قطاع الطاقة.
ونوه طالب بالدور المحوري الذي تلعبه الدبلوماسية القطرية في تأمين إعفاءات جزئية من العقوبات الأمريكية والأوروبية، ما أتاح تشغيل مرافق حيوية كالمطار الدولي، معتبرا أن ثقة المجتمع الدولي في قطر تعد ركيزة مهمة في إعادة إدماج سوريا ضمن محيطها العربي والدولي.
وتجمع الآراء السياسية والبحثية على أن الدور القطري في سوريا يتجاوز الأطر التقليدية للمساعدات أو الوساطات الدبلوماسية، ليأخذ طابعا استراتيجيا يسعى إلى بناء واقع جديد من التعاون المستدام، وتثبيت مقومات الاستقرار الإقليمي، في ظل رؤية قطرية واضحة تعلي من شأن التضامن العربي، وتؤمن بأهمية دعم الشعوب في محنتها من أجل مستقبل أفضل.