الدوحة – قنا
ندد المشاركون في مؤتمر الدوحة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية في نسخته الرابعة بقيام الاحتلال الإسرائيلي بتدمير المؤسسات الثقافية والمواقع التراثية في غزة بفلسطين.
جاء ذلك خلال افتتاح المؤتمر الذي نظمته اليوم مكتبة قطر الوطنية ويستمر أربعة أيام، تحت شعار الاستعداد للأزمات وحماية التراث الثقافي: من الوقاية إلى التعافي بمشاركة نخبة من الخبراء الدوليين وصناع السياسات والمسؤولين الحكوميين بهدف تعزيز الجاهزية المؤسسية وتعزيز جهود التعاون العالمي لحماية التراث الثقافي في أوقات الأزمات.
وقال سعادة الدكتور حمد بن عبدالعزيز الكواري، وزير الدولة ورئيس مكتبة قطر الوطنية، في كلمته الافتتاحية إن “مؤتمر الدوحة الرابع لمكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية ليس مجرد منصة للحوار، بل هو دعوة لتكثيف التعاون الإقليمي والدولي، وتوحيد الجهود بين المؤسسات والشركاء الدوليين، وتفعيل برامج عملية مثل برنامج حماية الذي أطلقته المكتبة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالتراث الثقافي وبناء قدرات المؤسسات في مواجهة التحديات التي تهدد هوية الشعوب وذاكرتها الجماعية، مؤكدا أن حماية التراث مسؤولية مشتركة وواجب أخلاقي وإنساني، تحفظ هوية الشعوب، وتدعم استقرار المجتمعات، وتبني جسور الحوار بين الحضارات”.
وندد رئيس مكتبة قطر الوطنية بممارسات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين وغزة قائلا: ينعقد المؤتمر اليوم في وقت نشهد فيه تدميرا ممنهجا للذاكرة الثقافية في غزة، حيث طالت القذائف المساجد والأسواق والمكتبات والمخطوطات النادرة، في كارثة ثقافية وإنسانية تستدعي استجابة عاجلة من المجتمع الدولي. ومن هنا، فإن استضافة مكتبة قطر الوطنية لهذا المؤتمر تعكس التزامها العميق بدورها الاستراتيجي في حماية التراث الثقافي وتنسيق الجهود والشراكات الإقليمية وتبادل الخبرات والابتكار في الحفظ الرقمي، وترسيخ مكانة قطر في احتضان التراث الإنساني والحضاري”.
وشدد سعادة الدكتور حمد الكواري، على أن جهود المكتبة تتوافق مع رؤية قطر الوطنية 2030، التي تجعل من التراث ركيزة أساسية ضمن أهداف التنمية المستدامة وبناء مجتمع معرفي قادر على مواجهة تحديات المستقبل.
وأوضح أن المؤتمر يشكل منصة إقليمية ودولية للحوار وتبادل الخبرات في مجال حماية التراث، ويهدف إلى صياغة خارطة طريق وطنية وإقليمية لحمايته وتعزيز الجهود المشتركة في هذا المجال.
وأكد رئيس مكتبة قطر الوطنية في تصريح لوكالة الأنباء القطرية قنا اهتمام المكتبة بتعزيز التراث الإنساني والتصدي لمحاولات طمسه خاصة في فلسطين وغزة باعتبارها إرثا إسلاميا في الوقت الذي تغض المؤسسات الثقافية الدولية الطرف عن هذه الممارسات المشينة.
وتابع سعادته أن مكتبة قطر الوطنية لديها برامج مهمة في هذا المجال، وأهمها برنامج حماية الذي أطلقته عام 2020، ويهدف إلى مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية وتعزيز قدرات المؤسسات والأفراد في المنطقة العربية ويعقد اليوم مؤتمره الرابع ويشارك فيه عدد من السفارات ومسؤولون عن التراث والآثار في عدد من الدول العربية والأجنبية، مشيدا في الوقت ذاته بتعاون الهيئة العامة للجمارك مع المكتبة الوطنية لتحقيق الأهداف المشتركة.
وأشار إلى أن حماية نجح منذ انطلاقه في تحقيق أهدافه، معتمدا على أربعة محاور رئيسية: التوعية، وبناء القدرات، والتعاون الإقليمي والدولي، والابتكار التقني.
ومن جهتها قالت هوسم تان، المدير التنفيذي لمكتبة قطر الوطنية في كلمة مماثلة : “يركز مؤتمرنا اليوم على اتخاذ إجراءات جماعية لحماية تراثنا الثقافي. وبتكاتف جهودنا معا، نرسم مسارا يصل بنا إلى مؤسسات أقوى وأكثر صمودا وأفضل استعدادا لمواجهة الأزمات”.
وأضافت: “تلتزم مكتبة قطر الوطنية برسالتها في صون التراث الثقافي للأجيال القادمة عبر تطبيق نهج شامل يجمع بين التخطيط المسبق وتنسيق السياسات والقوانين، والاستعداد للأزمات. وسنواصل جهودنا لضمان تزويد المكتبات والمتاحف والمؤسسات الثقافية بالخبرة والموارد اللازمة للاستجابة السريعة والفعالة في أوقات الأزمات”.
من جانبه، ذكر سعادة السيد باولو توسكي سفير إيطاليا لدى الدولة،في كلمة له بالمؤتمر قائلا: “تفخر إيطاليا بمشاركتها في مناقشات مؤتمر الدوحة الرابع حول سبل التصدي للاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية. فحماية التراث الثقافي ليست واجبا أخلاقيا فحسب، بل هي مسؤولية جماعية لصون ذاكرة البشرية وهويتها وإبداعها. ولطالما كانت إيطاليا في صدارة الجهود العالمية الرامية للحفاظ على الكنوز الثقافية ودعم المساعي الدولية لمكافحة تهريبها والاتجار غير المشروع بها”.
وأشار السفير الإيطالي لدى الدولة أيضا إلى أهمية الحفاظ على الهوية الثقافية في مناطق النزاعات لا سيما غزة، مؤكدا موقف إيطاليا الرافض للعنف المستمر في غزة والضفة الغربية، ومشيدا بالتزام قطر الدائم بالدبلوماسية والوساطة وحماية التراث الثقافي، وبدورها المركزي في تعزيز التعاون الدولي وحماية الإرث الثقافي.
وأوضح سعادته: “تتمحور مساهمة إيطاليا في المؤتمر في تبادل الخبرات حول صون مواد التراث الثقافي والآثار، مع إبراز الدور المحوري الذي تضطلع به المتاحف والمؤسسات الثقافية وهواة الجمع في حفظ القطع الأثرية التاريخية وحمايتها.
وفي مداخلته اكد سعادة السيد أرنو بيشو، سفير فرنسا لدى الدولة، التزام بلاده الراسخ وتصميمها على مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية، مشيرا إلى حرص بلاده على توطيد أواصر التعاون مع قطر وتعزيزها على جميع الأصعدة الحكومية والإدارية وفي إدارة المتاحف في كلا البلدين، بهدف تضافر الجهود لمكافحة هذا الخطر الهائل الذي يهدد تراث الإنسانية جمعاء.
بدورها، قالت السيدة ستيفاني ألتمان-وينانز القائم بالأعمال لدى سفارة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الدولة: “إن حماية التراث الثقافي لا تقتصر على الحفاظ على الماضي فحسب، بل تتعلق بالحفاظ على الهوية والمرونة والروابط المشتركة بين الدول”.
وأضافت “تفخر الولايات المتحدة بدورها الريادي في الحفاظ على التراث الثقافي وحمايته. من خلال العمل معا عبر التخصصات والحدود، يمكننا مساعدتكم في ضمان حماية كنوز الشرق الأوسط وما وراءه للأجيال القادمة”.
ومن ناحيته، أكد سعادة السيد صلاح الدين زكي خالد، ممثل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو لدول الخليج العربي واليمن ومدير مكتبها في الدوحة، خلال افتتاح النسخة الرابعة من مؤتمر الدوحة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية، على أهمية التركيز هذا العام على الاستعداد للأزمات وحماية التراث الثقافي من الوقاية إلى التعافي.
وأشاد بدور مكتبة قطر الوطنية في استضافة المؤتمر للمرة الرابعة، مؤكدا التزامها القوي بالحفاظ على التراث الثقافي وتعزيز الحوار والدبلوماسية الثقافية والتعاون الدولي.
وذكر أن /اليونسكو/ تقود منذ عقود حماية التراث في حالات الطوارئ، مستعرضا الأطر القانونية التي أسستها المنظمة، مثل اتفاقية لاهاي 1954 وبروتوكولاتها، واتفاقية 1970 لمكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية، واتفاقية التراث العالمي 1972، وغيرها من الاتفاقيات المعنية بالتراث تحت الماء والتنوع الثقافي غير المادي ودور المتاحف، منوها بأن اليونسكو تعمل على تطوير المنظومة القانونية لمواكبة الأزمات المتجددة، من بينها آلية مراقبة جديدة تعتمد على صور الأقمار الصناعية لتتبع التراث المهدد، إلى جانب تطوير قوانين حديثة لمساعدة الدول على مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية، مؤكدا فيها على الدور الحيوي للحفاظ على التراث الثقافي وأهمية التعاون الدولي.
وجاءت أولى جلسات المؤتمر تحت عنوان أزمة ثقافية دراسة حالة حول الآثار المنهوبة وإمكانيات بناء القدرات في الشرق الأوسط /تحدث خلالها الدكتور كريستوس تسيروجيانيس رئيس قسم الأبحاث حول الآثار المنهوبة ،كرسي اليونسكو الجامعي في جامعة اونيون باليونان، وخصصت الجلسة الثانية للحديث عن المعايير الأخلاقية والمبادئ التوجيهية والأدوات التي وضعها المجلس الدولي للمتاحف للمؤسسات لحماية الممتلكات الثقافية وقدمتها السيدة صوفي ديليبيير، رئيس حماية التراث في المجلس الدولي للمتاحف، فيما تحدث السيد عبداللطيف الجسمي مدير إدارة حماية التراث الثقافي في متاحف قطر خلال الجلسة الثالثة عن /التراث الثقافي كأداة لتحقيق الاستقرار السياسي.
ويقام مؤتمر الدوحة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية، تحت مظلة برنامج حماية، إحدى مبادرات مكتبة قطر الوطنية لحفظ التراث الثقافي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبتنظيم مشترك بالتعاون مع مكتب اليونسكو الإقليمي لدول الخليج العربي واليمن والسفارات الفرنسية والإيطالية والأمريكية لدى الدولة.
وشهد افتتاح المؤتمر نقاشات مثمرة حول تقاطع حماية التراث مع الاستجابة للأزمات، حيث تناولت الجلسات الحوارية قضايا بالغة الأهمية مثل الاتجار غير المشروع بالآثار في الشرق الأوسط، ومسؤوليات المؤسسات بموجب مدونة أخلاقيات المجلس الدولي للمتاحف واتفاقية المعهد الدولي لتوحيد القانون الخاص (اليندروا)، ودور التراث الثقافي في تعزيز الاستقرار السياسي.
وعلى مدى أربعة أيام، يناقش المؤتمر من خلال برنامج زاخر بالجلسات، محاور رئيسية تشمل الأساليب المبتكرة لحماية التراث، وسبل التأهب للطوارئ، وتعزيز التعاون في مجال تطبيق القانون، بالإضافة إلى استراتيجيات التعافي في مرحلة ما بعد الأزمات.