الدوحة – قنا
يحتفي العالم في 14 نوفمبر من كل عام باليوم العالمي لمرض السكري؛ بهدف زيادة الوعي العالمي للتصدي لهذا المرض ولمضاعفاته، والتركيز على طرق الوقاية منه وكيفية إدارته والتعامل معه بعد الإصابة، ويتمحور موضوع اليوم العالمي للسكري هذا العام بتوجيه الدعوة على المستوى العالمي لقطاعات العمل المختلفة للمشاركة ودعم مبادرة “السكري في مكان العمل”.
وينظر إلى تصاعد مرض السكري عالميا على أنه يمثل تحديا تنمويا واجتماعيا أكثر من كونه أزمة صحية فردية، وتكشف التقارير الدولية عن أرقام صادمة عن مدى انتشار المرض، وعن نسبة الأفراد غير المشخصين، مع ارتفاع الكلفة الاقتصادية المرتبطة به.
ووفقا للاتحاد الدولي للسكري ومنظمة الصحة العالمية، فإنه يتعايش مع المرض نحو 800 مليون شخص من المُصابين في جميع أنحاء العالم، أي بما يزيد على أربعة أمثال عددهم منذ العام 1990، ومعظمهم من الفئة العمرية (20 ‑ 79 سنة) على مستوى العالم، بينما تقدر نسبة الأشخاص المصابين والذين لا يدركون أنهم مصابون بحوالي 43 %، ما يعرضهم لمضاعفات خطيرة رغم أن المرض قد يكون قابلا للإدارة المبكرة، وتشير التوقعات إلى أن ما يقرب من 81 % من المصابين بالسكري يعيشون في دول ذات دخل منخفض أو متوسط.
وحسب الاحصائيات، فقد تجاوز الإنفاق العالمي المرتبط بالسكري في العام الماضي حاجز تريليون دولار أمريكي.
ووفقا للبيانات الدولية، فإن التوزيع الجغرافي للمرض غير متكافئ، فالدول منخفضة ومتوسطة الدخل تواجه عبئا أكبر في عدد المصابين ونسبة غير المُعالجين، مثلما أن الكلفة الاقتصادية كارثية، وتشكل عبئا ثقيلا على أنظمة الصحة في تلك الدول، مما يعني أن داء السكري يتعدى كونه مشكلة صحية فحسب، وإنما يتعدى ذلك لمشكلة تؤرق اقتصادات العديد من الدول.
وحسب العديد من المختصين، فإن نمط الحياة المتغير يعد من الأسباب الرئيسية للإصابة، ويتمثل ذلك في (زيادة الوزن، وقلة الحركة، وتغير نمط النظام الغذائي)، ليتزامن ذلك مع ارتفاع الإصابات، ما يشير إلى أن المعركة مع المرض ليست طبية فحسب، بل تمثل ثقافة مجتمعية متكاملة ومعرفة علمية شاملة.
وحول الجهود التي تقوم بها الجمعية القطرية للسكري في كل عام لمساعدة مرضى السكري، قال الدكتور عبد الله الحمق المدير التنفيذي للجمعية القطرية للسكري، في تصريحات خاصة لوكالة الأنباء القطرية “قنا”، إن الجمعية تنظم أكثر من 50 فعالية توعوية في كل عام، تشمل ورش عمل، وندوات، وحملات فحص مبكر، ومخيمات للأطفال المصابين ولمن هم عرضة للإصابة، كما نعمل على تقديم الدعم المباشر لأكثر من 3,000 مريض سنويا عبر برامج تثقيفية، ودعم نفسي، وإرشادات تغذوية، بالإضافة لإطلاق حملات وطنية، مثل “اليوم العالمي للسكري” و”خطوات نحو الصحة” لرفع الوعي المجتمعي، فضلا عن التعاون مع المدارس والجامعات وجهات العمل المختلفة لنشر ثقافة الوقاية والتعايش السليم مع المرض.
ورأى الدكتور الحمق أن مستوى الوعي والمعرفة لمرض السكري ومضاعفاته المحتملة على المستوى المحلي بدولة قطر قد شهد تحسنا ملحوظا في الوعي، خاصة بين الشباب، لكن لا تزال هناك تحديات في مسألة الالتزام بالعلاج ونمط الحياة الصحي، أما على المستوى العالمي فيري الدكتور الحمق أن الوعي في تزايد، لكن مضاعفات السكري مثل أمراض القلب والكلى لا تزال منتشرة بسبب ضعف المتابعة أو التأخر في التشخيص.
وأوضح المدير التنفيذي للجمعية القطرية للسكري أن التطورات العلمية المستجدة المتبعة لطرق الوقاية من السكري تتمثل في ضرورة التركيز على نمط الحياة الصحي، والنشاط البدني، والتغذية المتوازنة، أما كيفية إدارته بعد الإصابة، فإن التطورات المتسارعة تشمل أجهزة مراقبة السكر المستمر (CGM)، وأدوية جديدة مثل مثبطات (SGLT2 وGLP-1) التي تحسن التحكم بالسكر وتقلل المضاعفات.
ويوصي المدير التنفيذي للجمعية القطرية للسكري المصابين بمرض السكري من النوع الأول بضرورة الانتظام في استخدام الإنسولين، والمراقبة المستمرة، والدعم النفسي، كما يوصي المصابين بالنوع الثاني من المرض بالعمل على تعديل نمط الحياة، وتناول الأدوية الفموية أو الحقن، مع المتابعة الدورية.
وأضاف أن الوصفة السليمة للتعايش مع المرض لمختلف الحالات تتمثل في التوازن بين الغذاء والنشاط البدني والعلاج، مع الدعم النفسي والاجتماعي المهم جدا خاصة للأطفال والمراهقين، والمتابعة الطبية المنتظمة لتعديل العلاج حسب الحالة، فضلا عن التثقيف الذاتي حول المرض ومضاعفاته.
وحول المضاعفات التي لها تأثير على وظائف الأعضاء للشخص المصاب وبالتالي على نشاطه وعطائه، أفاد الدكتور الحمق بأنها بالنسبة للقلب تتمثل في ارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب التاجية، وللكلى في تطور مرض الكلى المزمن، وللعين باعتلال الشبكية، والذي قد يؤدي إلى فقدان البصر، وللأعصاب باعتلال الأعصاب الطرفية، مما يؤثر على الحركة والإحساس، أما للجلد والجروح، فتتمثل في بطء التئام الجروح وزيادة خطر العدوى.
واختتم الدكتور عبد الله الحمق، المدير التنفيذي للجمعية القطرية للسكري، تصريحاته لـ”قنا”عن الجهود العلمية الطبية على المستوى العالمي، الرامية للتوصل لعلاج لمرض السكري، بالقول إنه حتى الآن لا يتوفر علاج نهائي معتمد يحقق الشفاء الكامل من السكري بنوعيه الأول أو الثاني، لكنه أوضح أن هناك أبحاثا واعدة في مجال الخلايا الجذعية وزرع جزر البنكرياس، وقد يسهم ذلك في تغيير مستقبل علاج المرض، واستدرك: لكن ذلك لا يزال في طور التجارب.
ومن الحلول والتوصيات المستخلصة من واقع تفشي المرض على المستوى الدولي، التركيز على التشخيص المبكر والنهوض بأنظمة الرعاية الأساسية، خصوصا في الدول النامية، وتطبيق حملات التوعية المجتمعية حول نمط الحياة الصحي والوقاية من النوع الثاني من السكري، بالإضافة لتطوير السياسات التي تدعم الوصول العادل إلى الأدوية والإنسولين وجميع وسائل الرعاية، فضلا عن مضاعفة الجهود الدولية لدعم البحوث والمحافظة على الصحة العامة كجزء من خطط التنمية، ومن الأهداف التي يسعى الأطباء المتخصصون لتحقيقها، رفع مستوى الوعي حول تأثير داء السكري في المجتمع، وتشجيع التشخيص المبكر، ودعم المتضررين، والتوعية بطرق الوقاية من داء السكري، أو تأخير ظهوره من خلال اتباع نظام غذائي صحي، مع ضرورة ممارسة النشاط البدني، وتعزيز دور الأسرة في التثقيف الصحي حول علاج داء السكري، والوقاية من مضاعفاته، بالإضافة لزيادة الوعي حول العلامات التحذيرية للإصابة به، فضلا عن توفير الأدوية والتقنيات والدعم والرعاية لجميع مرضى السكري الذين يحتاجون إليها.
وحسب المختصين، فإن الأرقام التي وصل إليها المرض في العالم اليوم، لم تكن متوقعة قبل عقود، مما يعني أن هذا الواقع يحث الجميع على التحرك، فالسكري لا ينتظر والمضاعفات ونتائجها لا تتأخر، وتوفر البيانات المتاحة عالميا دليل كاف وإنذار عاجل لضرورة تسريع العمل الوطني والدولي في هذا المجال.
