الدوحة – قنا
يخلد العالم في السابع والعشرين من أكتوبر كل عام اليوم العالمي للتراث السمعي البصري، إحياء لذكرى اعتماد المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ” اليونسكو” في دورته الحادية والعشرين عام 1980، التوصية بشأن حماية الصور المتحركة وصونها.
واتخذت احتفالية هذا العام شعار “نافذتك على العالم”.
وقالت السيدة كارين تشان، رئيس المجلس التنسيقي لجمعيات الأرشيف السمعي البصري “CCAAA” في كلمة لها بالمناسبة، إن عام 2025 يعد عاما مميزا، إذ تحيي الأرشيفات السمعية البصرية حول العالم الذكرى العشرين لهذا اليوم؛ بهدف إذكاء الوعي بأهمية حماية المواد السمعية والبصرية، وضمان توافرها وإتاحتها على المدى الطويل.
وأوضحت أن التراث الوثائقي السمعي والبصري يفتح نافذة على العالم من خلال أجيال من القصص الفريدة، إذ يكشف هذا التراث عن براعة الروح البشرية ورؤيتها، والدروس المستفادة من تنوع الثقافات، والتي تلهم وتبدع في عالم يعاني من العزلة وآلام الحرب.
وأكدت كارين أن الصور المتحركة والتسجيلات الصوتية والشفهية تعد أدوات فعالة لسد الفجوات، وغرس التعاطف والرحمة والتشجيع الذي تشتد الحاجة إليه، داعية في الوقت نفسه إلى استثمار الجهود وإنفاق الوقت والخبرة لحفظ هذا الإرث السمعي البصري الاستثنائي للأجيال القادمة.
ويقدم اليوم العالمي للتراث السمعي البصري الفرصة لرفع مستوى الوعي بشأن الحاجة إلى اتخاذ تدابير عاجلة، والإقرار بأهمية الوثائق والمواد السمعية البصرية؛ إذ تحمل محفوظات التراث السمعي البصري في طياتها حكايات عن أشكال حياة الأشخاص وثقافاتهم في جميع أنحاء العالم، كما تمثل تراثا ثمينا يؤكد ذاكرتنا الجماعية، وكذلك مصدرا قيما للمعارف باعتبار أن هذه المحفوظات تجسد التنوع الثقافي والاجتماعي واللغوي في المجتمعات.
وتساعد محفوظات التراث السمعي البصري على النضوج وفهم العالم الذي نتشاركه جميعا، وبالتالي فإن الحفاظ على هذا التراث وضمان أن يبقى في متناول الجمهور والأجيال القادمة هدفا مهما لجميع المؤسسات المعنية بالذاكرة، بالإضافة إلى عامة الجمهور.
من جهتها، تبذل المؤسسات الرسمية والخاصة في الدولة، بالإضافة إلى الأفراد، جهودا حثيثة في صون هذا النوع من التراث، وحفظه للأجيال القادمة.
وفي هذا الصدد شدد السيد خليفة أحمد العبيدلي، مدير مهرجان قطر للصورة ” تصوير”، التابع لمتاحف قطر، في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية ” قنا” على أهمية حفظ التراث السمعي والبصري في المجتمع، مشيرا إلى أنه سخر جهده ووقته من أجل هذا الأمر منذ ثمانينيات القرن الماضي، وذلك باستخدام الكاميرا الفيلمية (نيجاتيف)، بتصوير الأماكن العامة والأحداث في البلد، فضلا عن الاشتغال في مشروع متاحف مشيرب عام 2009، رفقة مع مجموعة من الباحثين في قطر، بتسجيل التاريخ الشفاهي من أفواه كبار القدر، والذين تولوا مهاما ومناصب في البلد وأثروا المجتمع، حيث تم حفظ وصون التراث والتقاليد بوسائط سمعية بصرية.
وبخصوص ما إذا كان للحفاظ على التراث السمعي والبصري دور في زيادة الوعي العام بأهمية التراث الوثائقي لدى عامة الناس، أكد خليفة العبيدلي أن صون التراث يسهم في حفظ التراث، ويوثق للتغيرات التي تطرأ على المجتمع من عادات وتقاليد من منطقة إلى أخرى، ومن عائلة إلى عائلة، ومن فريج إلى فريج، لافتا في الوقت نفسه إلى أن حفظ التراث بمثابة “وثيقة” و”مرجع” في عالم سريع التغير والتطور.
ونوه إلى أن الحفظ يكون بشتى الطرق، حيث في السابق كان هذا التوثيق يتم عن طريق المايكروفيلم، وفي وقتنا الحالي دخلنا إلى عصر الرقمنة ” الديجيتال”.
إلى ذلك، أكد مدير مهرجان ” تصوير” أن حفظ التراث هو مسؤولية فردية وجماعية في الآن ذاته، لأن كل فرد في المجتمع لديه في البيت والداه وجده وجدته، وهم بمثابة كنز ومخزون كبير من الإرث والخبرة، داعيا إلى تسجيل وتوثيق ذكرياتهم من أجل نقلها للأجيال اللاحقة.
كما أشاد بما تقوم به دار الوثائق القطرية من جهود جبارة في مجال حفظ وصون التراث إلى جانب المتاحف والمكتبات.
وأثناء حديثه عن الفرق بين التوثيق في مجال التصوير بالنيجاتيف والآلات الرقمية، قال خليفة أحمد العبيدلي مدير مهرجان قطر للتصوير ” صورة” : “أنا أعمل في مجال المتاحف.. وهذه المتاحف لديها مجموعة من المقتنيات ” نيجاتيف” على زجاج، وعمرها يتجاوز الـ 100 عام وأكثر، ويمكن تحويلها إلى صور مع أروع النتائج وبجودة عالية.. وأنا أؤمن بأن التوثيق مبني على حاجة ملموسة، وهو ما يجعلني مستمرا في استخدام النيجاتيف، ويعطي ضمانا لانتقال هذا الإرث للأجيال القادمة. كما أن التوثيق الرقمي يعطي نتائج مبهرة وجبارة. لكن على المستوى الفردي قد تتعرض المواد الرقمية للضياع إما بسبب الأعطال والأعطاب التي تصيب الوسائط التي يتم من خلالها حفظ هذا التراث، أو ذاكرة الحواسيب، وهذا يعتبر خسارة لا يمكن تعويضها، ولهذا أحسّ أن النيجاتيف يستمر طويلا ويمكن اللجوء إليه في أي وقت. من جهة أخرى، فإن التصوير الرقمي، لا يتركك دراسة المكان والموضوع بتأن من أجل الخروج بنتائج أفضل وسرد قصصي أفضل”.
وكشف خليفة أحمد العبيدلي أنه يعكف في الأيام المقبلة على العمل على مشروع مهم يخص جمع الأرشيف المحلي، خصوصا من بعض الأستوديوهات وبعض المحلات التي أغلقت وتخلت عن أرشيفها الذي يعود إلى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، حيث سيتم حصره وتصنيفه، والاستفادة من الصور العامة التي تؤرخ لحقبة مهمة في تاريخ بلدنا.
بدوره، أكد السيد خالد جمال العجمي، باحث في التراث القطري، وصاحب متحف خاص في تصريح مماثل لـ” قنا”، على أهمية المتاحف الخاصة في حفظ وصون الذاكرة السمعية البصرية، مشيرا إلى أن هوايته المتحفية التي بدأ خطوته الأولى فيها عام 2008 أثمرت حتى الآن جمع أكثر من 2000 قطعة أصلية تحكي تاريخ وتراث الآباء والأجداد.
ومن ضمن هذه المقتنيات في متحف العجمي يوجد ركن خاص بمقتنيات تهم التراث السمعي البصري.
وقال خالد العجمي إن الصوت يعد جزءا من الذاكرة، والجراموفونات، وأجهزة التسجيل تحكي تاريخ الطرب والأيام الجميلة منذ القرن التاسع عشر، لافتا إلى أن لديه أجهزة تشغيل أسطوانات بجميع السرعات تعود بعضها إلى عام 1890 و1898 و1922 و1900، وأسطوانات نادرة لفنانين خليجيين وعراقيين وعرب.
وشدد على أن عددا من أجهزة الراديو والريلات وأجهزة تشغيل البكرات والكارترج، تحتاج إلى محافظة وعناية كبيرة جدا، خصوصا أسطوانات الحجر بسرعة 78؛ نظرا لكونها مصنوعة من مادة حساسة جدا؛ لأنها إذا وُضعت في مكان درجة حرارته مرتفعة أو تحت الشمس، فإنه يمكن أن تتعرض للذوبان، أو تتآكل إذا تم وضع بعضها فوق بعض.
وأضاف: أفتخر أن لديّ 12 أسطوانة لشركات قطرية، تم تسجيلها في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي، و3 أسطوانات بسرعة 33 تم تسجيلها لوزارة الإعلام بدولة قطر في بداية الثمانينيات.
تجدر الإشارة إلى أن اليوم العالمي للتراث السمعي والبصري يتماشى مع المهام الدستورية لليونسكو فيما يتعلق بتعزيز “حرية تداول الأفكار من خلال الكلمة والصورة”، باعتبارها تمثل تراثنا وذاكرتنا المشتركين، ومن هذا المنطلق، فإن اليوم العالمي يسلط الضوء على دور التراث في بناء حصون السلام بعقول البشر.