السفينة تغرق، لكن ذلك القارب الصغير يطفو وينجو بركابه. هذا هو حال سقوط أحد الأفلام الضخمة هذا الأسبوع في مقابل نجاح فيلم صغير.

الفيلم الكبير هو «آلة التحطيم»، (The Smashing Machine) من بطولة دواين جونسن وإيميلي بْلنت، الذي تحطّم بشدّة في عروضه وغرق في بحر من الفشل التجاري لم يكن متوقعاً له. الفيلم الصغير، نسبياً، هو «شوغيرل»، بطولة تايلور سويفت وعنها. هذا الفيلم الآتي من دون دعاية كبيرة، حلّ في المركز الأول بإيراد يتجاوز 50 مليون دولار بقليل.

هذا ليس رقماً خيالياً لكنه انعكاس لنجاح لم يتوقعه أحد، خصوصاً وأنه نزل الأسواق أمام «آلة التحطيم»، الأكبر حجماً والأثقل نجوماً. المفاجأة أن هذا الفيلم الذي قام بإخراجه بَني سفدي لم يقو على تسجيل أكثر من 6 ملايين و171 دولاراً.

ميزانية مجهولة

خلال عروض الفيلم في مهرجان ڤينيسيا الماضي أُشيع بأن ميزانيّة هذا الفيلم جاوزت الـ150 مليون دولار. الرقم المتداول حالياً هو 50 مليون دولار. الفيلم باعتباره خامة إنتاجية يميل إلى هذا الرقم؛ كونه غير حافل بعناصر إنتاج ضخمة، ونظراً لأن مواقع تصويره محدودة في ولاية نيو مكسيكو ومدينتي ڤانكوڤر في كندا وطوكيو في اليابان. لكن هذا الرقم ليس صحيحاً بدوره، لأن المبلغ الذي تقاضاه دواين جونسن مقابل تمثيله مسجّل رسمياً بـ50 مليون دولار. بإضافة هذا المبلغ فوق الـ50 مليون دولار بوصفه ميزانية مُعلنة، يرفع الرقم إلى الضعف.

ما حدث يعد أول وأكبر نكسة تجارية لدواين جونسن. أراده اقتحاماً لميدان لم يختبره من قبل وهو التمثيل درامياً مقتبساً شخصية مصارع الرياضة الحرة «مارك كَر» (Kerr) وصعوده للبطولة طويلاً، ثم هبوطه التدريجي نحو الهزيمة.

هذا الاستيحاء من حياة الرياضي كَر ليس ملزماً. يأخذ الفيلم من السيرة أهم محطاتها، لكنه يغمر الباقي بمواقف منفتحة على ما هو ضروري من إضافات. المعروف أن كَر ربح جولاته الأولى كلها، فنال ميداليات عدة من عام 1991 وصاعداً في أكثر من نوع من المصارعة الحرّة. هذا إلى أن غلبه الإدمان على عقاقير مضادة للألم وربما الكحول أيضاً. في الفيلم جزء كبير يدور حول حياته مع صديقته دون (بْلنت) التي شهد دورها مستويين، إذ انتقل من المحبة والرعاية إلى شعور كَر بأن شريكة حياته باتت تقيّده. حسب السيناريو كان لها مواجهات صادمة وعنيفة ناتجة عن سعيها للاستحواذ على المصارع في الحلبة وفي الحياة الخاصّة.

دواين جونسن في «آلة التحطيم» (آي إم دي بي)

أسباب تراوح مكانها

هذه صورة سلبية لها لكن هذه الصورة ليست السبب في سقوط الفيلم المبرح.

يتردد أن الشركة التي أمّنت ميزانية الفيلم «وهي A24» فوجئت بالمبلغ الذي طلبه جونسن، عبر وكيل أعماله. مبلغ 50 مليون دولار هو ميزانية كاملة للعديد من أفلامها الأخرى، لكنها وافقت لسببين: ليس من بين نجوم اليوم من يماثل دواين جونسن في المكانة التجارية؛ نظراً لأن أغلب أفلامه في السنوات الأخيرة حققت أضعاف ميزانياتها، ولأنه في اللياقة الجسدية للعب الدور، وهو، بدوره، مصارع سابق خبر حلبات القتال ونال بعض الجوائز.

«A24» شركة حديثة نسبياً ونشطة أنجزت في السنوات العشر الماضية أكثر من 150 إنتاجاً تراوحت بين أفلام فنية («ذَ بروتاليست») وتجارية محضة («حرب أهلية»)، لكن هذه الأخيرة غالباً ما تميّزت بمعالجات أقل إبهاراً من مثيلاتها المُنتجة عبر شركات أكبر («وورنر، باراماونت، ديزني» الخ…).

إذ لم يستطع اسم جونسن شد جمهوره المعتاد ولا أولئك الذين يودّون معرفته (64 في المائة من جمهور الفيلم ما بين 18 و36)، فإن تفسير فشل الفيلم صعب، خصوصاً أن جونسن الرياضي يماثل الشخصية التي يؤديها خبرة وبدناً. لم يستعن الإنتاج بنجم كبير آخر مثل توم كروز أو ڤن ديزل للعب الدور، بل الأكثر صلاحية بين أترابه.

هل يمكن أن يكون السبب قيام محطة «HBO» بإنتاج فيلم سابق عن المصارع كَر؟ هذا غير محتمل؛ لأن ذلك الفيلم كان تسجيلياً وتم إنتاجه قبل 14 سنة.

هل اعتبره الجمهور الأميركي فيلماً فنياً كونه عُرض سابقاً في مهرجان ڤينيسيا؟ هذا أيضاً غير واقعي؛ كون الكثير من الأفلام التي شهدت عروضها الأولى في المهرجانات الدولية حققت نجاحات جماهيرية في الولايات المتحدة وخارجها. أم أن هويّة الفيلم خرجت حائرة بين أن يكون فنياً وتجارياً في آن، ما قضى على فرصه؟ هذا بدوره لا يمكن أن يكون سبباً، لأننا لا نتحدّث عن فيلم لألكسندر سوخوروف أو لمايك لي، بل هناك ما يكفي من عناصر ترويج في حكايته ومعالجته.

أما نقدياً…

لا ننسى أنه قبل أسبوعين فقط نجح «معركة تلو أخرى» (One Battle After Another) وهو بالتأكيد فيلم فني رغم كونه فيلماً ترفيهياً أيضاً، في تحقيق 22 مليون دولار في أسبوعه الأول، ومع نهاية هذا الأسبوع الثاني له من المرجح أن ترتفع حصيلة إيراداته العالمية إلى 103 ملايين دولار على الأقل.

أما «تايلور سويفت: شوغيرل» الذي تربّع على المركز الأول هذا الأسبوع (وسينحدر عنها في الأسبوع المقبل)، فهو ليس أكثر من شريط ترويجي للممثلة – المغنية (التي قامت كذلك بكتابة وإخراج وإنتاج الفيلم). ما يبدو أنه لا يتعدّى تحريك الشباب الذي يعرفها أكثر من أي جيل آخر ودفعه إلى السدّة.

«تايلور سويفت: شوغيرل» (تايلور سويفت برودكشنز)

نقدياً، «تايلور سويفت: شوغيرل» من تلك النماذج التي لا يمكن تقدير دوافعها ولا انتمائها إلى فن السينما. هو باعتراف صانعيه لا يعدو «فيلم ڤيديو».

بالنسبة لـ«آلة التحطيم» هو، من ناحية، نجاح لمخرج حاول سرد سيرة حياة بمعالجة مختلفة، مانحاً جونسن الوجهة المختلفة بين كل أداءاته، ومن أخرى، هناك قدر ملحوظ من محاولة الفيلم، ربما من خلال التوليف اللاحق، فرض الشخصية الرئيسية على المشاهدين بحدّة. هذا لجانب اللجوء المتطرّف لكاميرا تواصل الحركة كلما كان من الأفضل أن تسكن لتدخل عمق ما يدور.

“);
googletag.cmd.push(function() { onDvtagReady(function () { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); }); });
}

شاركها.
Exit mobile version