القضية الفلسطينية على سلم أولويات المملكة..
رام الله – محمـد الرنتيسي
تمضي المملكة العربية السعودية، في مواقفها الداعمة والمؤيدة للقضية الفلسطينية، مؤكدة أن هذه المواقف ليست وليدة اليوم، وإنما تنبع من أصالة راسخة على امتداد التاريخ، وأن لا مساومة على هذا الدعم مهما كانت الأثمان، ولا تراجع عنها مهما بلغت المغريات.
وفي خطوتها بتعيين بندر السديري سفيراً لها في فلسطين (غير مقيم) وقنصلاً عاماً في القدس المحتلة، كانت الرسالة واضحة للدور السعودي المساند للفلسطينيين، ووقوف المملكة ومعها كل الأشقاء العرب، في وجه كل المحاولات اليائسة، لأذابة الحق الفلسطيني، أو شطبه من الوجود، تحت مسارات التهويد والاستيطان وهدم المنازل وتشريد الأهالي، ويوماً بعد يوم تتجدد المواقف الرافضة لكل ممارسات الاحتلال، وأن على دولته المزعومة، أن تبدي تحولاً جذرياً في سياساتها في المنطقة، إذا كانت تبحث عن وجودها.
الفلسطينيون لم يجدوا أي غرابة تذكر، في الخطوة السعودية، بل إنها من وجهة نظرهم، جاءت منسجمة مع الموقف العربي الداعم للقضية الفلسطينية، كما أن توقيتها كان مثالياً، فجاءت في ظل تسارع وتيرة الضم والاستيطان والتهويد الإسرائيلي، وفي ذروة الإجرام لجيش الاحتلال وعصابات المستوطنين، الآخذ في التوسع أفقياً وعمودياً على امتداد الأرض الفلسطينية، قتلاً وتدميراً وتهويداً.
فقد وصف رئيس الحكومة الفلسطينية محمـد اشتية، الخطوة السعودية بـ»السياسية الهامة» وأنها خير رد على التصريحات الإسرائيلية المغرضة وغير الصحيحة، بأن العرب قد تخلوا عن فلسطين وقضيتها، مبيناً أن أي حل سياسي في المنطقة، بمعزل عن القضية الفلسطينية، لن يكتب له النجاح.
كما اعتبرت الخارجية الفلسطينية الموقف السعودي بأنه يعكس اهتمام المملكة العربية السعودية، بالقضية الأولى للعرب والمسلمين، بحسبانها أحد الأسس التي تعتمدها المملكة في سياستها الخارجية، على المستويات العربية والإسلامية والدولية، وجاء على لسان وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، أن الخطوة السعودية تصب في خدمة القضية الفلسطينية، وخصوصاً في هذه المرحلة من تاريخ الصراع الفلسطيني والعربي – الإسرائيلي.
أما القيادي الفلسطيني نبيل عمرو، فوصف الخطوة السعودية بأنها جرعة أمل عربية، تلتقي فيها الدلالات السياسية والرمزية المعنوية، وتقترن فيها الأقوال بالأفعال، في وقت تتعالى فيه الأصوات المشبوهة بالحديث المتكرر عن تصفية القضية الفلسطينية، وتزوير الحقائق الوطنية على الأرض.
وبالاستناد إلى قراءات المراقبين والمحللين، فقد وجهت الخطوة السعودية صفعة قوية لدولة الاحتلال، من خلال التأكيد على أن القضية الفلسطينية ستبقى على سلم أولويات المملكة ذات التأثير القوي في البيت العربي، وأن فلسطين ستبقى حاضرة في أذهان كل العرب، وأن مبادرة السلام العربية التي طرحتها السعودية العام 2002، وأقرتها الشرعية الدولية، ستظل الطريق الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، ولا يمكن تجاوزها، مهما بلغ الصلف والجبروت والتعنت الإسرائيلي.
يقول الكاتب والمحلل السياسي رائد عبد الله، إن تعيين المملكة العربية السعودية سفيراً وقنصلاً عاماً لها في القدس، يحمل في ثناياه رسائل عدة، ويقف على رأسها التأكيد على أن القدس هي مدينة محتلة، وأنها العاصمة القادمة للدولة الفلسطينية، وأن كل إجراءات التهويد والأسرلة، لن تغير في واقعها ولا تاريخها في شيء، كما أن المملكة لن تقيم أي علاقات مع دولة الاحتلال، دون ايجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
ويضيف لـ»الشرق»: «لم تكن هذه الخطوة مستغربة، ولم يكن الموقف السعودي ليتوارى يوماً إزاء دعم الفلسطينيين وقضيتهم العادلة،، بل ظل واضحاً على الدوام، وهذا دأب المملكة العربية السعودية في تقديم الدعم المالي والسياسي للشعب الفلسطيني، ويأتي نتيجة لعمق العلاقات السعودية الفلسطينية، وفيه رسالة واضحة للاحتلال، بأن المسجد الأقصى المبارك هو توأم المسجد النبوي الشريف، وأن قبة الصخرة المشرفة هي متمم الكعبة الشريفة».
على صلة، عد الكاتب والمحلل السياسي محمـد التميمي خطوة تعيين السفير والقنصل السعودي في فلسطين، بأنها ضربة موجعة لحكومة الاحتلال، وقال لـ»الشرق»: «إسرائيل كانت تضغط بكل قوة لتطبيع العلاقات مع المملكة، قبل حل القضية الفلسطينية، فكان الرد بهذه الخطوة الهامة والضرورية، لجهة التصدي لكل المؤامرت التي تستهدف تصفية الوجود الفلسطيني».
الخطوة السعودية، تردد صداها كذلك في أرجاء المملكة، فاعتبر الخبراء والكتاب المواكبون للملف الفلسطيني في الرياض، أن دولة الاحتلال، لن يكون بمقدورها تمرير مخطط التطبيع مع دولة عربية بحجم المملكة العربية السعودية، نظراً لعمق حجمها وقوة تأثيرها في الشارع العربي، مؤكدين أن مواقف المملكة من القضية الفلسطينية، مستمدة من عمق التاريخ، ومنذ عهد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، طيب الله ثراه، الذي جعل من فلسطين قضيته الخاصة، وأوصى بالدفاع عنها حتى تنال حريتها، وتسترد أرضها ومقدساتها.