الدوحة – موقع الشرق
الأكاديمية العربية الدولية ترسخ بيئات تعليمية تُعلي من قيمة التفكير النقدي والإبداعي
بينما ينشغل الأهالي في هذا الوقت من العام بالتفكير فيما ينبغي إعداده من أدوات وحقائب ولوازم لأبنائهم استعدادًا للعودة إلى المدرسة، ينهمك الطاقم الأكاديمي والإداري في الأكاديمية العربية الدولية في إعداد بيئة تعليمية مميزة، بيئة تجعل التفكير غاية ووسيلة، وتُعلي من شأن العقل الناقد على حساب الحفظ الآلي، وتحوّل الطالب من متلقٍ للمعلومة إلى باحث وناقد ومبدع. فالطفل منذ بدء مراحله الأولى وحتى تخرجه يُعتبر مشروعَ مفكّرٍ، تتبلور فيه مهارات التفكير تدريجيًا ليصبح في نهاية رحلته التعليمية خريجًا واعيًا وفاعلًا، قادرًا على مواجهة تحديات الحياة بشكل مستقل ومسؤول.
لقد بات واضحًا في عالم الذكاء الاصطناعي أن تخزين المعلومات لم يعد معيارًا للتفوق، فالآلة قد تتفوق في ذلك، لكن القيمة الحقيقية اليوم تكمن في امتلاك الطالب الكفايات الذهنية والوجدانية التي تمكنه من التساؤل، والتحليل، وربط الأفكار، واتخاذ القرارات بوعي. فالآلة قد تُجيب، لكنها لا تتعاطف، ولا تلتزم بمبادئ، ولا تدافع عن قضية بقناعة… وهنا تكمن بصمتنا الإنسانية الفريدة.
لذلك تتبنّى الأكاديمية العربية الدولية، ضمن هذا الأفق، مفهوم ثقافات التفكير (Cultures of Thinking)، وهو توجه تربوي يجعل التفكير ممارسة يومية وغاية تعليمية تفوق أهمية المحتوى المعرفي ذاته. ويستند هذا النهج إلى قوى التفكير الثمانية التي تُشكّل نسيج الحياة الصفية: فالتوقعات العالية تحفّز الطلاب على بذل أقصى جهد، واللغة توجه وعيهم نحو الدقة والمعنى، والوقت يُمنح بسخاء للتأمل والحوار، والنمذجة تجعل المعلم قدوة في ممارسة التفكير، فيما توفّر الفرص والروتينيّات والهياكل مجالًا للتعبير والنقاش، وتُرسّخ التفاعلات والعلاقات الإيجابية بيئة آمنة، تدعمها مناهج أصيلة تشجّع على الانخراط والإبداع.
وتتجلى هذه الثقافات في الأنشطة الصفية من خلال استخدام روتينيّات التفكير التي تحفّز الطلاب على الملاحظة الدقيقة، وصياغة الأسئلة، وتبرير الرأي، وبناء الروابط بين الأفكار. وهي ممارسات بيداغوجية تمنح المتعلم صوتًا وفاعلية، وتحوّل المعرفة إلى حوار حيّ بدل أن تبقى تلقينًا جامدًا. كما يعزز هذا النهج التعلم التعاوني، حيث يستمع الطلاب لبعضهم بعضًا، ويتبادلون وجهات النظر، ويطوّرون مهارات الإصغاء النشط والتواصل البنّاء.
ويتحول التفكير إلى فعل عبر ما ينجزه طلابنا من مهام أدائية ومشاريع تعليمية تتمحور حول قضايا عالمية تشغل تفكيرهم، سواء برغبتهم في البحث المتعمق لفهم أبعادها، أو بنشر الوعي تجاهها بين أقرانهم ومجتمعهم، أو بالشروع في صياغة حلول مبتكرة لمعالجتها. إن مثل هذه المشاريع لا تنمّي مهارات البحث والتحليل فحسب، بل تعزز إحساسهم بالمسؤولية العالمية، وتمكّنهم من ربط ما يتعلمونه داخل الصف بالتحديات الواقعية التي يعيشونها في العالم من حولهم. وهكذا يصبح التفكير ممارسة حياتية ذات معنى، لا مجرد نشاط ذهني منفصل عن الواقع.
وفي عالم بات الصراع فيه سمة بارزة، لم يعد كافيًا تعليم أبنائنا مهارات القراءة والكتابة والرياضيات فحسب، بل يجب تنمية التفكير النقدي والإبداعي والمرن لديهم، بما يؤهلهم ليس فقط للتكيف مع هذا العالم المليء بالتحديات، بل للمساهمة في تغييره نحو الأفضل. إن بناء المتعلم القادر على الفعل والتأثير هو رسالة التعليم اليوم، وهو جوهر الفلسفة التي تتبناها الأكاديمية العربية الدولية في رحلتها مع أبنائها.
إن بناء ثقافات التفكير ليس مشروعًا آنياً، بل هو استثمار بعيد المدى في الإنسان ذاته؛ استثمار في قدرته على السؤال قبل الجواب، على التأمل قبل الحكم، وعلى النقد قبل المبادرة. حين نهيئ بيئات تعليمية تقدّر التفكير فإننا لا نعلّم أبناءنا فقط كيف ينجحون في دراستهم، بل نعدّهم ليكونوا قادة تغيير في عالم مضطرب، قادرين على إعادة تشكيل الحاضر وصياغة مستقبل أكثر عدلًا وإنسانية.