بعد إعلان السلطات التونسية بشكل رسمي، صباح الثلاثاء، عن اعتقال وإعادة جميع السجناء الذين فروا من سجن المرناقية رغم خضوعه لإجراءات أمنية مشددة، إلى السجن بعد قضائهم أكثر من أسبوع في حالة فرار، دعت عدة أطراف سياسية وهيئات حقوقية لإعادة تقييم أوضاع السجون التونسية، وإطلاع المواطنين على كافة المعطيات المتوفرة حول عملية الفرار «الهوليوودية»، التي شهدها أحدث سجون البلاد وأكثرها تحصيناً، خاصة أن الفارين كانوا مسجلين خطرين، وبعضهم من الإرهابيين المتورطين في عمليات اغتيالات سياسية.

وتداول نشطاء على موقع «فيسبوك» مقطع فيديو يُظهر القبض على أحمد المالكي، على أيدي عدد من أهالي حي التضامن الشعبي، قبل تسليمه إلى قوات الأمن، وهو ما خلف ارتياحاً كبيراً وسط أهالي المنطقة، على اعتبار أن المالكي، الذي حكم عليه بالسجن 24 عاماً في قضايا اغتيال السياسيين البارزَين شكري بلعيد ومحمد البرهمي عام 2013، يعد حسب تصنيف السلطات «إرهابياً خطيراً للغاية».

السجن المدني بالمرناقية (موقع رئاسة الجمهورية التونسية)

من جهته، دعا الرئيس قيس سعيد قوات الأمن إلى «ضرورة رفع درجة اليقظة والانتباه في هذه المرحلة التي تعيشها تونس». وأشاد بما وصفه بالشعور العميق بالمسؤولية لدى المواطنين «للمساهمة في مواجهة كل ما يهدّد أمن تونس». علما بأن الرئيس اعتبر أن ما شهده سجن المرناقية ليس عملية هروب، بل عملية «تهريب»، مؤكداً أنه جرى التخطيط لها منذ أشهر.

وعلى إثر الإعلان عن اعتقال الفارين الخمسة وإعادتهم للسجن، دعت عدة أحزاب ومنظمات حقوقية إلى تقييم موضوعي للأحداث، وتحديد الأخطاء التي سهلت عملية فرار إرهابيين من السجن، وضمان عدم تكرارها، وعدم تسويق إعادتهم إلى السجن على أساس أنها «انتصار، والحال أنها عملية كانت مسبوقة بحالة إخفاق كبيرة».

السلطات الأمنية تشدد الرقابة داخل الأحياء في إطار الاحترازات الأمنية بعد هروب الإرهابيين الخمسة (أ.ف.ب)

وفي هذا الشأن، أكد الحزب الجمهوري المعارض، الذي يقبع رئيسه عصام الشابي في سجن المرناقية بتهمة التآمر على أمن الدولة، أن «إقحام الأجهزة والمؤسسات، التي تم إحداثها لمواجهة الإرهاب، في الصراعات السياسية، وإهدار الطاقات، ساهما في تشتيت جهودها، وإحداث ثغرات استغلها الإرهابيون لصالحهم»، وطالب بـ«تحييد المؤسسة الأمنية، وعدم استعمالها في تصفية الخصومات السياسية، وترسيخ الأمن الجمهوري حتى تقوم هذه المؤسسة بحماية الوطن والمواطن»، مجدداً مطالبته بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، الذين زجّ بهم في ملفات «ذات طابع إرهابي مفتعل، والعودة لحياة سياسية تضمن فيها الحقوق والحريات».

في سياق ذلك، يرى مراقبون أن إعادة الإرهابيين الخمسة إلى سجن المرناقية «من شأنه أن يفتح الباب لطرح تساؤلات عديدة ملحة تتطلب الإجابة عنها، وأبرزها معرفة من خطط ومن ساعد الإرهابيين على الخروج من تحصينات السجن، وكيف تمكنوا من الوصول إلى جبل بوقرنين، رغم أنه يبعد بنحو 25 كلم عن السجن؟ وكيف لم ينتبه لوجودهم أي أحد طوال المسافة الفاصلة بين السجن والجبل الذي تحصنوا فيه؟

وقال جمال العرفاوي، المحلل السياسي التونسي لـ«الشرق الأوسط»، إن هذه التساؤلات «مشروعة؛ لأنها مرتبطة بجوهر القضية المطروحة، والمطلوب اليوم تقديم رواية رسمية للأحداث، وعدم الاكتفاء بتداول خبر إعادتهم وطمأنة التونسيين، لكن هذا لا يخفي وجود اختراق للمنظومة الأمنية والسجنية، ولذلك يتوجب على جميع الأطراف إعادة تقييم لواقع السجون التونسية، وطريقة تأمينها وحراستها حتى لا تتكرر مثل هذه العمليات». وفي هذا السياق، من المتوقع أن تسعى عدة وزارات، وفي مقدمتها وزارة الداخلية والعدل لتنفيذ دعوات الرئيس سعيد بتطهير الإدارة التونسية من «المندسين داخلها، والذين حافظوا على ولائهم للأحزاب السياسية من منظومة الحكم السابقة».

وفي محاولة للتخفيف من خطورة عملية الفرار التي صدمت الشارع التونسي، قال رمزي الكوكي، المتحدث باسم الهيئة التونسية للسجون والإصلاح في تصريح إذاعي، إن فرار الإرهابيين من سجن المرناقية «حادثة معزولة، أحرجت قطاع السجون، لكنها لن تتكرر»، حسب تعبيره. معلناً عن اتخاذ الهيئة إجراءات سريعة في هذا السياق، من بينها فتح أبحاث قضائية وإدارية لتحميل المسؤوليات، ومحاسبة المتورطين في عملية الفرار.

وكانت السلطات التونسية قد أعلنت عن اعتقال تسعة أفراد على ارتباط بالهيئة التونسية للسجون والإصلاح، من بينهم مدير سجن المرناقية، على ذمة قضية فرار الإرهابيين الخمسة من السجن.

شاركها.
Exit mobile version