تقع واحة تيماء في الجزء الشمالي الغربي من جزيرة العرب، وتتبع إدارياً منطقة تبوك، وتضم موقعاً أثرياً كان مستوطنة موغلة في القدم، خرجت منها مجموعة كبيرة من اللقى، منها قطع منحوتة مهشمة تعود إلى تماثيل آدمية، استخدمت في مرحلة لاحقة كأحجار في أعمال البناء. استعادت هذه الأحجار شكلها الأول بعد تنقيتها وترميمها، وتبيّن أنها تتبع طرازاً محلياً نشأ وتطوّر في مملكة شكّلت دولة قوية ومركزاً تجارياً مهماً في شمال الحجاز، عُرفت باسم مملكة ددان، ثم أضحت حاضرة لمملكة حكمها ملوك من قبيلة لحيان خلال حقبة طويلة، امتدّت من القرن الخامس إلى القرن الأول قبل الميلاد.
في مطلع القرن الحالي، تشكّلت بعثة سعودية ألمانية مشتركة لمسح موقع تيماء ودراسته بشكل شامل، وضمّت هذه البعثة فريقاً من كبار المتخصّصين في مجالات عدّة، شمل علماء من أوروبا والولايات المتحدة. انطلقت أعمال المسح والتنقيب في عام 2004، وتبعتها سلسلة من الحملات، امتدت في 27 موسماً من البحث المتواصل، وسمحت بتحديد معالم تيماء التاريخية، كما خرجت بمجموعة كبيرة من اللقى المتنوعة، دأب أهل الاختصاص على تصنيفها ودراستها في تقارير علمية متأنيّة تعنى بأدقّ تفاصيلها. أشارت هذه التقارير إلى عدد من القطع الحجرية تمّ استخدامها في أعمال البناء في مواقع متفرّقة من الواحة، واتّضح بعد إجراء عملية تنقية هذه القطع وترميمها أنها تعود إلى تماثيل آدمية مهشّمة من الحجم الكبير، صُنعت من الصلصال الرملي المحلّي.
يشير تقرير نُشر في عام 2006 إلى قطعة تعود إلى الجزء الأسفل من تمثال منتصب، يبلغ طولها 120 سنتيمتراً، وعرضها 57 سنتيمتراً. تمثّل هذه القطعة مئزراً يلتف حول حوض البطن، ويمتدّ حتى حدود الركبتين اللتين تشكّلان الطرف الأسفل لهذا التمثال الجزئي. الأسلوب متقن، ويتجلّى هذا الإتقان بنوع خاص في بروز مساحة الحوض من خلف الوشاح المنساب، كما يتجلّى في تحديد الثنية الطويلة التي تنساب من أعلى طرف الخصر إلى وسط الطرف الأسفل لهذا الرداء البسيط. يعلو هذا المئزر حزام يتألف من شريطين متلاصقين، ضاع جزء كبير منهما، ويتدلّى من هذا الحزام المزدوج طرف يظهر على الجانب الأيمن، تعلوه آثار حلّة من اللون الأحمر. ظهر هذه القطعة أملس ومجرّد، ممّا يعني أنها صُنعت لتُثبّت إلى منشآت عمودية يصعب تحديد هويّتها، كالجدران أو كالدعائم المتعدّدة.
يشير تقرير آخر نُشر في 2011 إلى قطعة نحتية عُثر عليها خلال حملة التنقيب التي تمّت بين خريف 2005 وربيع 2006، وتمثّل الساعد الأيمن لتمثال يفوق حجمه حجم الإنسان الطبيعي. أنجز هذا الساعد بتقنية عالية كما يبدو، ويُظهر ما تبقّى منه أسلوباً تشريحياً متقناً، بدت معالمه واضحة في تكوين قبضة اليد المغلقة بأصابعها الخمس. في المقابل، يشير تقرير ثالث نُشر في 2017 إلى قطعتين عُثر عليهما خلال حملة التنقيب التي تمّت خلال عام 2008، وتمثّل إحداهما صدر تمثال آدمي يبدو حجمه أصغر من الحجم الطبيعي، فيما تمثّل الأخرى حوض وساقَي تمثال آدمي يبدو حجمه مساوياً للحجم الطبيعي.
أنجزت القطعة الأولى بأسلوب تحويري بسيط ومختزل، وبدت هذه البساطة في تحديد مفاصل الصدر العاري كما في تحديد الذراعين المتدليتين عمودياً. يلتف حول خصر هذا الرجل مئزر بسيط يعلوه حزام يتكوّن من ثلاثة أشرطة متلاصقة، كما يلتف حول وسط ذراعه اليسرى سوار عريض تظهر معالمه بشكل واضح في الطرف الجانبي للذراع. أنجزت القطعة الثانية بأسلوب أكثر إتقاناً، وفيها ظهر من جديد المئزر الطويل الملتف حول الحوض وأعلى الساقين، وتميّز هذا المئزر بشبكة من الثنايا المتجانسة زيّنت كل جنب من جانبيه، مشكّلة حلّة قلّما نجد ما يماثلها في هذا الميدان. فقدت هذه القطعة الجزئية ذراعيها المتدليتين عمودياً، غير أنها حافظت على اليد الخاصة بالذراع اليسرى، وبدا مقبض هذه اليد المطبق على أصابعه، وفقاً للأسلوب الخاص بهذا الطراز.
نقع على قطعة أخرى يشير إليها تقرير نُشر في 2022، يتناول أعمال الحفرية التي جرت بين 2012 و2013، وتتمثّل هذه القطعة بصدر تمثال فقد رأسه، تحوطه ذراعان ملتصقتان به بشكل كامل. وحجم هذا التمثال أصغر من الحجم الطبيعي، كما يقول التقرير، ويتبع الأسلوب السائد في هذه الناحية من الجزيرة، وتظهر ملامح هذا الأسلوب في تحديد مفاصل الصدر والذراعين، كما في حضور السوار العريض الملتف حول الذراع اليسرى. تكتمل الصورة بحضور قطعة من أشهر قطع تيماء الأثرية، تمثّل رأساً مهشّماً ضخماً حافظ على عينيه وأذنيه، يحدّه في الأعلى عقال يلتفّ مثل غترة ملساء. ويوحي حجم هذا الرأس الضخم بأنه يعود إلى ملك من ملوك لحيان.
تشهد هذه القطع المهشّمة لتقليد متين ظهرت ملامحه بشكل كامل من خلال مجموعة كبيرة من التماثيل المتعدّدة، خرجت في العقود الأخيرة من موقع العُلا. تعدّدت وظائف هذه التماثيل كما يبدو، والثابت أنها مثّلت طرازاً محلياً جامعاً انتشر كذلك في تيماء، كما توحي القطع المتفرّقة التي عُثر عليها في هذه الواحة الممتدة بين المدينة المنوّرة ومدينة تبوك.
“);
googletag.cmd.push(function() { onDvtagReady(function () { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); }); });
}