علَّقت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) على موقف الإدارة الأميركية من إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن نية إسرائيل السيطرة على قطاع غزة بأكمله، وهو تصعيد يتعارض مع بعض التحذيرات الدولية.
وقالت «بي بي سي» إن هذا التصعيد، على الأقل حتى الآن، قوبل بتجاهل واضح من الحكومة الأميركية.
حيث قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الثلاثاء، إن احتلال غزة بالكامل «يعتمد إلى حد كبير على إسرائيل»، وعندما سُئل في اليوم التالي عما إذا كان يُعطي إسرائيل «ضوءاً أخضر»، تحدث بدلاً من ذلك عن الضربات الأميركية على إيران في وقت سابق من هذا العام.
وكان سفير واشنطن لدى إسرائيل، مايك هاكابي، أكثر صراحةً – وكان جوابه أن خطة نتنياهو بشأن غزة ليست من شأن أميركا.
وقال: «ليس من واجبنا أن نخبرهم بما يجب عليهم فعله أو لا، بالتأكيد، إذا طلبوا الحكمة والمشورة والنصح، فأنا متأكد من أن الرئيس سيقدمها، لكن في النهاية، القرار بيد الإسرائيليين وحدهم».
ولفتت إلى أن نتنياهو واجه بعض المعارضة لخطته، لا سيما من رئيس الأركان إيال زامير الذي، وفقاً لوسائل الإعلام الإسرائيلية، اعترض على خطة الاحتلال الشامل.
في الواقع، لم يُعلن بعد اجتماع مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي أن إسرائيل ستسيطر على كامل أراضي قطاع غزة، بل إنها «ستستعد للسيطرة على مدينة غزة».
مع ذلك، ذكر الإعلان أن أحد المبادئ الخمسة لإنهاء الحرب هو «السيطرة الأمنية الإسرائيلية على قطاع غزة»، ألمح البعض إلى أن السيطرة الكاملة على غزة كانت دائماً مطروحة على الطاولة.
وقال أمين صيقل، الأستاذ الفخري لدراسات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى والإسلامية في الجامعة الوطنية الأسترالية، لـ«بي بي سي»: «لطالما خطط نتنياهو للسيطرة على غزة، لكنه كان ينتظر اللحظة المناسبة».
وأشار نتنياهو إلى أن إسرائيل لا تريد الاحتفاظ بالقطاع، بل «تسليمه لقوات عربية» – دون تحديد أي منها.
مهما كانت الخطة، فإن إدارة ترمب لا تُعطي نتنياهو أي إشارة علنية على خطأه.
وبحسب «بي بي سي»، يُمثل هذا تغييراً ملحوظاً في سياسة البيت الأبيض؛ فقد كان ترمب في السابق على أتمّ الاستعداد لتوضيح آرائه حول مستقبل غزة – حتى عندما فاجأ ذلك نتنياهو والإسرائيليين.
وفي فبراير (شباط)، بعد أسابيع فقط من ولايته الرئاسية الثانية، قال إن الولايات المتحدة قد تشارك بشكل كبير في إعادة إعمار غزة بوصفها منتجعاً عالمياً، وألمح إلى أنه قد يتعين نقل الفلسطينيين خارج القطاع.
ورغم انضمام الولايات المتحدة إلى إسرائيل في مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية خلال الاشتباك القصير بين البلدين في يونيو (حزيران)، فإن ترمب ضغط علناً وبقوة على إسرائيل للالتزام بوقف إطلاق النار الذي أنهى ذلك الصراع.
كما أعرب الأميركيون عن استيائهم من الهجمات الإسرائيلية على سوريا الشهر الماضي – مُعلنين رفضهم لها علناً، بينما وجّهوا انتقادات أكثر حدة في السر.
وقال مسؤول في البيت الأبيض لموقع «أكسيوس»: «تصرف بيبي كالمجنون. إنه يقصف كل شيء طوال الوقت».
كما عمل البيت الأبيض على إنهاء حرب غزة، حتى أنه ضغط على نتنياهو لوقف إطلاق النار قبل تولي ترمب منصبه في يناير (كانون الثاني)، وكان ستيف ويتكوف، مبعوث ترمب، هو الشخص الرئيسي في هذه المفاوضات، ساعياً إلى التوسط في وقف إطلاق نار دائم مع إطلاق سراح الرهائن المتبقين الذين احتجزتهم حماس في هجومها في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
وقبل شهر فقط، كان البيت الأبيض متفائلاً بإمكانية التوصل إلى اتفاق، وقال ويتكوف في 8 يوليو (تموز): «نأمل أن نتوصل بحلول نهاية هذا الأسبوع إلى اتفاق يُدخلنا في وقف إطلاق نار لمدة 60 يوماً»، مضيفاً أن ذلك قد يؤدي إلى «سلام دائم في غزة».
ولكن بعد أكثر من أسبوعين بقليل، انهارت محادثات وقف إطلاق النار، واتهم ويتكوف «حماس» علناً بالأنانية وعدم حسن النية.
وقال ترمب في 25 يوليو: «لم تكن (حماس) راغبة حقاً في إبرام صفقة. أعتقد أنهم يريدون الموت، وهذا أمرٌ سيئ للغاية».
قد تكون تعليقات ترمب – وقراره التخلي عن المحادثات مع «حماس» والبقاء متردداً بشأن ما قد يُمثل عملية عسكرية إسرائيلية جديدة واسعة النطاق – حيلةً مُصممة لإجبار الحركة الفلسطينية على تقديم تنازلات جديدة على طاولة المفاوضات، إذا كان الأمر كذلك، فسيتضح ذلك قريباً.
وقال صيقل: «لإدارة ترمب نفوذٌ كبير. أعتقد أن نتنياهو لن يُقدِم على هذه الخطوة ما لم يحصل على موافقةٍ أو دعمٍ ضمنيٍّ من واشنطن».
ومع ذلك، قد يكون هذا التغيير الأميركي من الرفض الشعبي إلى النأي الواضح جزءاً من جهدٍ من ترمب للعودة إلى نهجه غير المتداخل – وهو موقفٌ تخلى عنه مؤقتاً خلال الضربات الإيرانية؛ ما أثار استياءً كبيراً لدى بعض قاعدته السياسية.
وأضاف صيقل: «هناك قلق متزايد من أن هذا يتعارض مع سياسة أميركا أولاً؛ ما يجعل الولايات المتحدة أكثر انخراطاً في الصراعات الداخلية».
وذكر فرانك لوينشتاين، المبعوث الخاص للمفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية خلال إدارة باراك أوباما، لـ«بي بي سي»: «إنّ الانخراط في هذه الحرب المروعة ليس أمراً ترشح ترمب من أجله، لكن في الوقت الحالي، على أي حال، أعتقد أن ترمب سيسمح لنتنياهو بفعل ما يشاء».
وإذا كان الأمر كذلك، فإن موقف ترمب يتناقض تماماً مع التصريحات الأخيرة الصادرة عن فرنسا والمملكة المتحدة وكندا بشأن الاعتراف بدولة فلسطينية، وصُممت هذه الخطوات لزيادة الضغط على إسرائيل لتقليص عملياتها العسكرية والتوصل إلى تسوية تفاوضية مع «حماس».
هذا الاعتراف الدبلوماسي، بالإضافة إلى اللامبالاة الأميركية المدروسة تجاه احتمال احتلال عسكري إسرائيلي طويل الأمد – وربما غير محدد الأجل – يأخذ الولايات المتحدة وحلفاءها في اتجاهات مختلفة تماماً، لكن كليهما يمثل اعترافاً ضمنياً بأن الوضع الحالي غير قابل للاستمرار، وأن تحقيق السلام عبر التفاوض أصبح أبعد من أي وقت مضى.
ومع ترمب، لا أحد يعلم إلى متى سيستمر هذا الاتجاه، لكن بحلول الوقت الذي يغير فيه ترمب مساره مرة أخرى، قد تكون إسرائيل قد سلكت مساراً في غزة سيكون من الصعب جداً تبديله.
“);
googletag.cmd.push(function() { onDvtagReady(function () { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); }); });
}