عاد زعيم مجموعة «فاغنر» يفغيني بريغوجين إلى واجهة الأحداث، الخميس، بعد إعلان الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو أنه غادر أراضي بلاده متجهاً إلى سان بطرسبورغ، في أول انتهاك مباشر وكبير لاتفاق تسوية ملف التمرد العسكري الذي قاده قبل أسبوعين.

وكشف لوكاشينكو، في تصريح مفاجئ، أن مؤسس «فاغنر» «غير موجود في بيلاروسيا، وإنما في سان بطرسبورغ في روسيا». ونقلت وكالة «بيلتا» البيلاروسية عن الرئيس قوله: «يفغيني بريغوجين، في سان بطرسبورغ… أين هو صباح اليوم الخميس، ليس لديَّ علم؟ ربما ذهب إلى موسكو في الصباح»، مشدداً على أن بريغوجين «ليس موجوداً على أراضي بيلاروسيا».

كشف لوكاشينكو، في تصريح مفاجئ، أن مؤسس «فاغنر» غير موجود في بيلاروسيا وإنما في سان بطرسبورغ (إ.ب.أ)

وأوضح لوكاشينكو، لصحافيين يعملون لوسائل إعلام أجنبية، خلال مؤتمر صحافي في مينسك، أن مقاتلي «فاغنر» موجودون «في ثكناتهم»، وليس في بيلاروسيا «حتى اللحظة». وأضاف: «إذا اعتبرت (الحكومة الروسية ومجموعة فاغنر) أن من الضروري نشر عدد من مقاتلي فاغنر في بيلاروسيا ليرتاحوا ويتدربوا (..) سأنفذ عندها قراري باستقبالهم».

دبابة تابعة لـ«فاغنر» في شوارع روستوف (أ.ب)

وأكد لوكاشينكو: «لا أظن أن فاغنر ستتمرد على بيلاروسيا».

وهزّ تمرد «فاغنر»، في 24 يونيو (حزيران)، السلطة الروسية، في خضم النزاع في أوكرانيا. فعلى مدى ساعات، احتل مقاتلون من «فاغنر» المقر العام للجيش الروسي في روستوف، جنوب غربي روسيا، وتقدموا مئات الكيلومترات باتجاه موسكو. وانتهى التمرد مع اتفاق ينص على انتقال بريغوجين إلى بيلاروسيا، لكن مكان وجود هذا الأخير ظل مجهولاً. ولم يُدلِ بأي تصريحات علنية منذ 26 يونيو. وأكد بريغوجين أن تمرده لم يكن يهدف لقلب نظام الحكم في روسيا، بل لإنقاذ مجموعة «فاغنر» من التفكيك من جانب هيئة أركان الجيش الروسي التي يتهمها بعدم الكفاءة في النزاع الأوكراني.

طائرة عسكرية روسية أسقطتها «فاغنر» يوم 24 يونيو (رويترز)

في الوقت نفسه قال لوكاشينكو إن مقاتلي «فاغنر» ما زالوا في معسكراتهم، حيث أماكن إقامتهم الدائمة، التي انتقلوا إليها بعد انسحابهم من الجبهة. وزاد أنه لا يرى أي مخاطر على بيلاروسيا، في حال جرى نشر هؤلاء المقاتلين في أراضي بلاده. وقال رئيس بيلاروسيا إنه عرض على قوات شركة «فاغنر» الإقامة في معسكرات عسكرية سابقة على أراضي بيلاروسيا.

وأوضح: «نحن لا نبني معسكرات خاصة لهم، لقد قدمنا لهم عدداً من المعسكرات العسكرية السابقة التي كانت تستخدم في العهد السوفيتي، بما في ذلك بالقرب من أوسيبوفيتشي»، لافتاً إلى أنه «حتى الآن لم يجرِ حل مسألة إعادة انتشار وحدات (فاغنر)».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث إلى نظيره البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو (أ.ب)

وكان لوكاشينكو قد أعلن، في وقت سابق، ترحيبه بالتعامل مع قوات «فاغنر»، مشيراً إلى أن لدى المجموعة كفاءات مهمة يمكن «الإفادة منها»، لكنه شدد، في الوقت نفسه، على أن «القوات المسلحة في بيلاروسيا جاهزة للقتال، وقدراتها ليست أدنى» من قدرات «فاغنر»، منوهاً بأن «الخبرة التي تمتلكها قوات (فاغنر) وقادتها، سوف ينقلونها إلى قواتنا المسلحة. أعني الخبرة العسكرية التي تلقّوها. التجربة التي نحتاج إليها. وبالدرجة الأولى تكتيكات العمليات العسكرية».

يفغيني بريغوجين قائد مجموعة «فاغنر» الروسية الخاصة (أ.ب)

في الوقت نفسه أشار لوكاشينكو إلى أن «مسألة نشر وحدات فاغنر العسكرية الخاصة في بيلاروسيا لم يجرِ حلها بعدُ، وقد لا يحدث هذا من حيث المبدأ إذا اتخذت القيادة الروسية مثل هذا القرار».

وفي ردٍّ غير مباشر على تحذيرات غربية من أن يجري استخدام مقاتلي المجموعة لشن هجوم من الأراضي البيلاروسية على أوكرانيا، قال لوكاشينكو إن «مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة لن تهاجم أي طرف من الأراضي البيلاروسية (…) لم نهاجم ولن نهاجم أي طرف، وفقط إذا ارتُكب عدوان ضدنا، فسوف نردُّ. في حال تعرضنا للعدوان فإن مجموعة فاغنر سوف تشارك، مثل الجيش البيلاروسي، بحماية مصالحنا».

في هذه الأثناء، تجنَّب الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف تأكيد أو نفي صحة المعطيات البيلاروسية، وقال إن «الكرملين» «لا يراقب تحركات يفغيني بريغوجين»، وأوضح أن «الكرملين» «لا يتتبع تحركاته، ليست لدينا القدرة ولا الرغبة في القيام بذلك».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثناء إلقائه خطاباً موجهاً لمواطنيه بعد تمرد «فاغنر» (أ.ب)

في الوقت نفسه، شدد الناطق الرئاسي الروسي على أن «الاتفاق على رحيل رئيس شركة فاغنر العسكرية الخاصة إلى بيلاروسيا لا يزال ساري المفعول»، مؤكداً أن «هذا أحد بنود اتفاقية إنهاء التمرد».

في غضون ذلك، نفَّذت قوات الأمن الروسي عمليات دهم في موسكو وسان بطرسبورغ استهدفت أماكن إقامة بريغوجين، وأعلنت هيئة (وزارة) الأمن الفيدرالي الروسي أن وحداتها عثرت في منزل قائد «فاغنر» على كميات من الأسلحة ومبالغ ضخمة من المال بعملات محلية وأجنبية، وعدة جوازات سفر، فضلاً عن أدوات التنكر؛ بينها شعر مستعار. وعرضت القناة الروسية الأولى لقطات من مكتب ومنزل بريغوجين، ظهرت فيها الكميات من المسدَّسات والبنادق ورزم من الأموال، فضلاً عن طائرة مروحية صغيرة كانت تقف في فناء منزل بريغوجين.

على صعيد آخر، دعا رئيس بيلاروسيا، نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى «الجلوس إلى طاولة المفاوضات»، و«استغلال الفرصة المتاحة حالياً في ظل الهجوم المضاد».

وقال لوكاشينكو، أمام الصحافيين: «اليوم (قادة كييف) يحتاجون إلى التفكير مرة أخرى، بينما هناك مجموعة من الملفات مطروحة على الطاولة، مجموعة كاملة من القضايا يمكن الاتفاق عليها. غداً سيكون الأمر مستحيلاً، فبعد ما يسمى الهجوم المضاد، سيتغير الوضع». وأضاف: «يجب التوقف الآن، والجلوس على طاولة المفاوضات. دون شروط مسبقة. يجب تقرير وبحث كل شيء على طاولة المفاوضات».

وزاد لوكاشينكو أن زيلينسكي «أدرك أخيراً أنه لن يفوز، وأن هذا الهجوم المضاد لن ينتهي بشيء، باستثناء موت الآلاف والآلاف من الناس. لذلك بدأ زيلينسكي بالفعل اتخاذ خطوات للخروج من هذا الوضع تدريجياً». وأضاف لوكاشينكو أنه من المرجح أن تبدأ المفاوضات بحلول فصل الخريف.

ميدانياً، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، الخميس، أن قواتها شنَّت «هجوماً عالي الدقة، ليلة الخميس، على نقاط انتشار مؤقتة للقوات الأوكرانية والمرتزقة الأجانب، ومستودعات تحوي مدرعات عسكرية غربية، وأصابت جميع الأهداف بدقة».

ووفقاً للإيجاز اليومي عن سير المعارك، فقد استهدفت القوات الروسية بضربة مركزة استخدمت خلالها أسلحة دقيقة بعيدة المدى موجهة من البحر، نقاط الانتشار المؤقتة للقوات الأوكرانية ومجموعات من المرتزقة الأجانب، وكذلك مستودعات تضم مركبات مصفَّحة ومدرعات غربية، و«جرت إصابة جميع الأهداف المحددة بدقة، وإلحاق خسائر كبيرة بالاحتياطيات الاستراتيجية للعدو».

وأضاف البيان العسكري أنه «جرى، خلال اليوم الماضي، صد جميع المحاولات الهجومية الأوكرانية في محاور دونيتسك وكراسني ليمانسك وكوبيانسك».

شاركها.
Exit mobile version