الدوحة – قنا
نظمت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ممثلة في إدارة الدعوة والإرشاد الديني، الجلسة الأولى من البرنامج الرمضاني الحواري “وآمنهم من خوف” بنسخته الحادية عشرة لعام 1446هـ الموافق 2025 م، وذلك في جامع الإمام محمد بن عبدالوهاب.
وناقشت الجلسة الأولى التي أدارها الشيخ معاذ يوسف القاسمي، موضوع “التوحيد حق الله على العباد”، مستعرضة أهمية التوحيد ومكانته في العقيدة الإسلامية، وأبرز القضايا والمفاهيم المتعلقة بهذا الشأن بحضور العلماء والمفكرين المختصين.
وقال الدكتور أحمد الغريب، الداعية بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، إن الحديث عن ثنائية التوحيد والتمكين قد خوطب بها أولا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في زمن التنزيل، وهم أول جيل تحقق فيهم التمكين، وقد أيد الله عز وجل بهم الدين.
وأشار الدكتور الغريب إلى بعض الأمثلة لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باعتبارهم أول جيل تمكن في الأرض، مؤكدا أن على منوالهم يجب أن تسير الأمور.
وذكر أنه عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، اضطرب الصحابة حتى أن بعضهم أراد أن ينكر موته، مستشهدا بموقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه، الذي كان موقفا توحيديا بامتياز، عندما خرج إلى الناس بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وقال قولته الشهيرة:” من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت”.
وتطرق الدكتور الغريب إلى المواقف التوحيدية للصحابي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، مستعرضا بعض مواقفه في تقرير التوحيد، ومنها قصته مع الحجر الأسود أثناء الحج. فقد جاء إلى الحجر الأسود وقبله، ثم قال:” إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك”، موضحا أن أمير المؤمنين أراد بذلك توصيل رسالة للناس مفادها أن الذي ينفع ويضر هو رب العالمين لا شريك له.
وأكد أن النصر والتمكين تحققا لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب التزامهم بهذه المبادئ، وأن اهتمام الصحابة الكبير بتحقيق التوحيد هو الذي ساعدهم على التمكين في الأرض، مبينا أن هناك عوامل كثيرة تقف وراء التمكين الكامل لأهل التوحيد، والذي لا يحدث إلا بطاعة الله، ولا سيما أن التمكين يأتي نتيجة لتحقيق التوحيد.
وتحدث الدكتور أحمد الغريب عن طبيعة المناهج التدريسية للتوحيد، مؤكدا ضرورة وضع مناهج تتناسب مع الفئات العمرية المختلفة بأسلوب يتناسب مع عموم المسلمين، مشيرا إلى أن قضية التوحيد هي قضية إجماعية ومركزية في الدين الحنيف، مطالبا بضرورة تفعيل المنهج القرآني في تقرير التوحيد، والذي يجمع بين مخاطبة القلب ولمس المشاعر، وبين مخاطبة العقل بالبرهان.
وأوضح أن الآيات التي يذكرها الله في تقرير التوحيد لا يستطيع أحد أن يعبر عنها مثلما تعبر هذه الآيات، مؤكدا أن القرآن الكريم يستخدم أساليب متنوعة في تقرير التوحيد.
وفي سياق ذي صلة، أكد الدكتور تركي بن عبيد المري عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة قطر، أن الوعي بالتوحيد يحفظ لهذه الأمة كيانها وهويتها، ويحميها من حالة الضعف والوهن التي يعيشها بعض الناس اليوم.
وأشار المري إلى أهمية تربية الشباب والأجيال الناشئة على التوحيد، الذي ينبغي أن يغرس في قلوبهم منذ نعومة أظفارهم، مبينا أن التوحيد ليس مجرد كلمة تقال، ولا مجرد معرفة نظرية يمتحن عليها الناس، كما هو حال كثير من الأشخاص الذين انساقوا خلف لواءات وشعارات، فأصبحوا يمتحنون الناس عليها باسم التوحيد، مما تسبب في فرقة الأمة وتشرذمها، وهم يزعمون أنهم بذلك يقررون التوحيد.
وأضاف أن التوحيد هو اعتقاد يعقبه سلوك وعمل، مبينا أن الله عز وجل جعل الإيمان أو التوحيد شرطا للتمكين، موضحا أن الإخلال بهذا الشرط سيؤدي إلى حالة الوهن والضعف التي تعيشها الأمة.
واعتبر أن حالة الوهن التي تعيشها الأمة اليوم شديدة للغاية، ولولا أنها أمة القرآن، ويعيش الوحي فيها، لتبدل حالها، لكنها ستبقى حية بسبب القرآن الكريم.
وقال إن الأمة ما تزال على كلمة واحدة، رغم حالة المكر الشديد التي تعرضت لها في ظل الظروف المؤسفة التي ألمت بها، وأبرزها الأحداث الأخيرة التي شهدها قطاع غزة، إلا أن هذه الأمة ما تزال حية، وما تزال هناك فئة صابرة ومجاهدة، ثابتة على كلمة واحدة ومبدأ واحد.
وعن مظاهر الضعف التي تعيشها الأمة، لفت المري إلى أن هناك مستويات كثيرة من هذا الضعف: ثقافيا، واجتماعيا، وفكريا، مشيرا إلى أن هذا الأمر قد تنبأ به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:” لتتبعن سنن من كان قبلكم، حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه”.
وتحدث خلال الجلسة عن قيمة الحرية التي تمتلكها الأمة، وهي قيمة نجدها اليوم تتداول ضمن عبارات عديدة، حيث تقول بعض الفئات إن الإنسان حر ما لم يضر أحدا.
وأوضح أن هذه الجملة قالها أرسطو، ولا يزال الغرب يقررها، حتى أصبحت مسلمة عند أبناء هذا الجيل، وبات البعض يؤول النصوص حتى تتوافق مع هذه القيمة.
وأضاف أن هذا فهم خاطئ لمفهوم الحرية، فالإنسان ليس حرا في هذا الكون، طالما أن الكون لله، والكلمة لله، والدين لله عز وجل، والله هو من أمرنا بالتوحيد، مستشهدا بقوله تعالى: “لا إكراه في الدين”، مبينا أن هذه الآية لا تعني أن الإنسان مخير في أصل الدين، وإنما تعني أن الإكراه يتنافى مع شرط التوحيد، لأن التوحيد قائم على الرضا، والقناعة، والقبول، والتسليم، وبالتالي لا تجتمع القناعة مع الإكراه، وهو ما نهى عنه الله عز وجل. وتساءل: أين هي الحرية التي ينادون بها؟ فهذه هي شريعة الله عز وجل، وأما الخطاب المؤول الذي يروج له البعض اليوم، فهو لا يمت للشرع بصلة، بل هو دين محرف ومؤول، وليس من دين الله في شيء. وهذا مثال بسيط على الحالة المزرية التي وصل إليها بعض الناس اليوم، بسبب الإخلال بالتوحيد، حتى وصل الأمر إلى تأويل النصوص لتتوافق مع قيم الغرب.
وقال الدكتور تركي بن عبيد المري في ختام حديثه، إن العودة إلى التوحيد تنطلق من القرآن الكريم، كتاب الله عز وجل، الذي يتوجب علينا أن نربي الأجيال عليه، موضحا أنه لا نجاة لهذه الأمة، ولا حياة لها، إلا بهذا القرآن الكريم.
إلى ذلك، أكد الدكتور مطلق الجاسر الأستاذ بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت، أن المفسرين اختلفوا حول قول الله سبحانه وتعالى “الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون”، إن كان من تتمة قول إبراهيم عليه السلام أو من كلام الله سبحانه وتعالى، وأن المرجح أنه من كلام الله سبحانه وتعالى، وأن الله وعد الذين آمنوا ووحدوا الله ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، وهو الشرك، بالأمن.
وقال الجاسر إنه عندما نزلت هذه الآية شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وجاؤوا إلى النبي خائفين، وقالوا: يا رسول الله، أينا لم يظلم نفسه، وظنوا أن الظلم بمعنى المعصية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس الأمر كذلك، ألم تسمعوا لقول لقمان: إن الشرك لظلم عظيم، فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن الظلم بمعنى الشرك، فالمعنى أنهم آمنوا ولم يخلطوا إيمانهم وتوحيدهم بشرك، فأولئك لهم الآمن، وأن هذا الوعد من الله يضفي على الإنسان الأمن والراحة والطمأنينة والاستقرار.
وأضاف:” إذا تأملنا أكثر في هذه الآية، نجد أن الأمن ليس خاصا فقط بالأمن الأخروي، فلا شك أن الموحدين لهم الأمن في الآخرة، بدخول الجنات والأمن من دخول النار، بل حتى في الدنيا، فالموحد له الأمن حتى في الدنيا، وذلك أن مصادر الخوف والقلق تأتي إما من الخوف على الحياة بالموت أو المرض أو نقص في حياته، أو خوف على الرزق، بأن يأخذ رزقه أو يقطع من ماله، والرزق والحياة بيد الله جل وعلا.
وقال إنه من وحد الله عز وجل حق توحيده، وعلم أن حياته بيد الله وأن رزقه بيد الله أمن من أي خوف، إذا علم وتيقن، أنه لا يستطيع أحد أن يمس حياته أو رزقه أو يخيفه أدنى خوف إلا بإذن الله، فلن يخاف من أحد.
وأشار إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. مضيفا: فأي أمن يضفى على الإنسان إذا أدرك هذه الحقيقة، فمن وحد الله حق توحيده، وعلم أن الأرزاق بيد الله، والأعمار بيد الله، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنه لا يملك أحد من البشر أن يمسك بسوء إلا بإذن الله، فقد حققت الأمن في الدنيا قبل الآخرة.