الدوحة – قنا
ناقشت جلسة حوارية رفيعة المستوى، عقدت اليوم ضمن فعاليات النسخة الخامسة من منتدى قطر الاقتصادي، تحت عنوان /الجغرافيا الاقتصادية للنمو: نظرة وزراء المالية/، كيفية تعامل حكومات المنطقة مع التحديات الاقتصادية العالمية المتسارعة، وسبل تعزيز المرونة الاقتصادية وتحقيق النمو المستدام في ظل التغيرات الجيوسياسية والتحولات التكنولوجية والاقتصادية.
وشارك في الجلسة كل من سعادة السيد علي بن أحمد الكواري، وزير المالية، وسعادة السيد فيصل بن فاضل الإبراهيم، وزير الاقتصاد والتخطيط في المملكة العربية السعودية، وسعادة السيد محمد شمشيك، وزير الخزانة والمالية في الجمهورية التركية.
وشدد سعادة السيد علي بن أحمد الكواري، وزير المالية، خلال مداخلاته في الجلسة، على أهمية التعاون الدولي وتبادل الخبرات لتطوير السياسات المالية الداعمة للنمو، مشيرا إلى الدور المحوري الذي تلعبه الاستثمارات الاستراتيجية والإصلاحات الهيكلية في بناء اقتصادات أكثر قدرة على الصمود في وجه الأزمات المستقبلية.
وفيما تطرق سعادة السيد علي بن أحمد الكواري إلى الأرقام التي تم تداولها مؤخرا بشأن الشراكات الاقتصادية بين دولة قطر والولايات المتحدة الأمريكية، أكد أنها تعكس عمق العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وحجم الشراكة التجارية بينهما. و”تأتي في وقت تظل فيه الولايات المتحدة الوجهة الاستثمارية الأهم بالنسبة لقطر، نظرا لما توفره من فرص قوية وعوائد مجزية”.
وفيما يتعلق باستراتيجية جهاز قطر للاستثمار، أوضح الوزير الكواري أن الأولويات الحالية تشمل التكنولوجيا، الذكاء الاصطناعي، الصناعات الدوائية، البنية التحتية، والعقارات، منوها بأن هذه الاستراتيجية تراجع سنويا لتواكب الفرص العالمية وتقلل من المخاطر.
من جانبه، قال سعادة السيد فيصل بن فاضل الإبراهيم، وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي، إن بلاده تمضي قدما في تنفيذ رؤية 2030، التي تهدف إلى إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني على أسس مستدامة، بعيدا عن الاعتماد التقليدي على عائدات النفط. موضحا أن هذه الرؤية تمثل خطة استراتيجية طويلة الأمد تركز على بناء اقتصاد متنوع ومرن، قادر على التكيف مع مختلف التحديات العالمية.
وأضاف الإبراهيم أن “الميزانية السعودية لم تعد تبنى على أساس أسعار النفط، بل على أولويات تنموية واستثمارية واضحة”، مبينا أن المملكة تستثمر في المرونة المؤسسية، بما يعني قدرتها على التكيف والتطور المستمر من خلال بناء مؤسسات قوية وفعالة، وتمتلك خططا مالية متوسطة وطويلة الأجل، تتيح لها التكيف مع مختلف السيناريوهات الاقتصادية، وهي لا تركز على التغيرات قصيرة الأمد، بل تنظر إلى الأفق البعيد في جميع قراراتها الاقتصادية.
واردف وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي قائلا: إن التحول الجاري لا يقتصر على تقليل الاعتماد على النفط، بل يشمل الانتقال من نموذج اقتصادي قائم على الاستهلاك إلى نموذج أكثر تعقيدا يعتمد على الإنتاج والابتكار والتصدير، وأن هذا التحول جذب استثمارات أجنبية مباشرة، بفضل الفرص المتاحة والبيئة التنظيمية المتطورة.
وفي هذا الصدد، بين أن اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي غير النفطية سجلت نموا بنسبة 3.7% خلال العام 2024، وهو ما يقارب ضعف متوسط النمو العالمي، في مؤشر واضح على نجاح خطط التحول الاقتصادي التي تنتهجها دول المنطقة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ضمن إطار رؤية 2030.
وذكر أن هذا النمو يعكس إدراكا متزايدا بأن اقتصادات المنطقة كانت تعمل لفترة طويلة دون استغلال كامل لإمكاناتها، مؤكدا أن السعودية ودول الخليج الأخرى اتخذت خطوات جادة لإعادة هيكلة اقتصاداتها على المدى الطويل، ما أدى إلى خلق فرص متزايدة في مجالات الإنتاج، والابتكار، والتصدير، وجذب رؤوس الأموال والمواهب.
كما أكد أن الاستثمار الأجنبي المباشر يعد ركيزة أساسية في رؤية المملكة، التي تستهدف أن يشكل 5.7% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030 أي ما يعادل نحو 100 مليار دولار من التدفقات الاستثمارية. وقد شهدت السعودية مؤشرات إيجابية في هذا المجال، من حيث عدد التراخيص، والمقرات الإقليمية، والصفقات الاستثمارية قيد التفاوض، مبينا في هذا الصدد أنها نفذت 900 إصلاح اقتصادي وتنظيمي لتحسين بيئة الأعمال، وتواصل العمل على تطويرها بما يعزز من جاذبيتها للمستثمرين العالميين.
وفي مداخلة سعادة السيد محمد شمشيك، وزير الخزانة والمالية التركي، في الجلسة الحوارية، ذكر أن بلاده تواصل تنفيذ برنامج اقتصادي شامل يهدف إلى خفض معدلات التضخم وتحقيق نمو مستدام، رغم ما وصفه بـ”الآثار الجانبية المؤقتة” التي ظهرت في بعض القطاعات، لا سيما في قطاع التصنيع.
وأوضح أن تركيا أعادت بناء سياستها النقدية ووضعت أسسا مالية قوية، مشيرا إلى أن “كل شيء مهيأ الآن لتحقيق خفض التضخم”، رغم أن “أي علاج لا يخلو من آثار جانبية”، في إشارة إلى بعض الاضطرابات التي تشهدها قطاعات معينة.
وقال وزير الخزانة والمالية التركي إن حكومة بلاده قدمت في وقت مبكر من العام الجاري دعما مباشرا لبعض القطاعات التصديرية كثيفة العمالة، في محاولة للتخفيف من آثار التحول الاقتصادي، مؤكدا أن “جوهر البرنامج هو خفض التضخم لتمهيد الطريق لنمو مرتفع ومستدام”.
وفيما يتعلق بقطاع التصنيع، أشار الوزير التركي إلى أنه يواجه صعوبات نتيجة تباطؤ النمو في منطقة اليورو، الشريك التجاري الرئيسي لتركيا، لكنه شدد على أن هذا القطاع لا يمثل سوى 23% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين أن قطاع الخدمات يواصل النمو وتوفير فرص العمل.
وكشف سعادة السيد محمد شمشيك، في هذا الصدد عن أن بلاده نجحت في خلق قرابة مليون وظيفة جديدة خلال العام الماضي، مبينا التزام الحكومة التركية بمواصلة تنفيذ البرنامج الاقتصادي، رغم الضغوط قصيرة الأمد.
يشار إلى أن جلسة /الجغرافيا الاقتصادية للنمو: نظرة وزراء المالية/، هي واحدة من أبرز جلسات منتدى قطر الاقتصادي 2025، حيث جمعت وزراء المالية والاقتصاد من ثلاث دول ذات ثقل اقتصادي متصاعد في المنطقة، وتأتي أهميتها من كونها تعكس توجهات اقتصادات ناشئة تضطلع بأدوار محورية في إعادة تشكيل خريطة النمو العالمية، سواء من خلال الاستثمارات السيادية، أو تنمية البنية التحتية، أو تنويع مصادر الدخل الوطني، أو تطوير نماذج اقتصادية جديدة أكثر مرونة وابتكارا.