بكل فخر واهتمام تلقّينا نبأ انتقال استوديوهات قناة «العربية» إلى العاصمة الرياض؛ خبرٌ لم يكن عابرًا، بل لحظة إعلامية فاخرة احتفى بها المراقبون ودوّنتها الذاكرة المهنية؛ فهو ليس مجرد تغيير في العنوان الجغرافي، بل تحول نوعي في صناعة الخطاب الإعلامي السعودي، حيث تلتقي الصورة الحقيقية بالأحداث، ويُعاد تشكيل التوازن السردي في نقل الوقائع المحلية والإقليمية والدولية بفكر إعلامي سعودي.
لقد بات واضحًا أنَّ «العربية»، من خلال هذه الخُطوة، تتهيأ لتأدية دور أكثر تأثيرًا في تعزيز الكفاءات الوطنية، وتوطين صناعة الأخبار، وترسيخ المصداقية المهنية، وما بين ترحيب واسع وتأملات صامتة، يُجمع الكثيرون على أنَّ يوم 19 يوليو 2025 لن يمرّ عاديًا في سجل الإعلام السعودي، بل سيكون تاريخًا مفصليًا يُشار إليه بوصفه بداية لعصر إعلامي جديد تتقاطع فيه الحكاية مع القرار، والمهنية مع السيادة السردية.
إنَّ هذا الانتقال يشكّل لحظة فارقة في تطور الإعلام السعودي، إذ لا يُعد تحوّلًا مكانيًا فحسب، بل هو إعادة تعريف لصناعة الإعلام ومنهجيته الإنتاجية؛ فتمركز المحتوى في الرياض يعني الارتباط المباشر بمصادر القرار السياسي والاقتصادي، وبرأيي، فإن هذه الخُطوة ليست حدثًا منعزلًا، بل تأتي متّسقة مع الرؤية الشاملة للسعودية 2030، ضمن مسار طموح يسعى لتوطين صناعة المحتوى وتطوير المنظومة الإعلامية، بما يعزّز من فاعليتها إقليميًا، ويرسّخ حضورها وتأثيرها في الفضاء الإعلامي الدولي.
وعند التأمل في تجارب الإعلام العالمي، نلحظ أن كبرى المؤسسات الإعلامية اختارت الانتقال إلى مواقع استراتيجية قرب مراكز القرار، مما عزز من حضورها ومصداقيتها؛ فعلى سبيل المثال، نقلت «بي بي سي» جزءًا كبيرًا من عملياتها إلى مانشستر ضمن مشروع «BBC North»، بهدف تحقيق توازن إعلامي داخل بريطانيا وربط الخطاب بالمجتمع المحلي، مع الإبقاء على مركزها العالمي في لندن. وكذلك الأمر بالنسبة لـ «France 24» التي اختارت التمركز في باريس، ما مكنها من تقديم الرواية الفرنسية للعالم مباشرة من قلب المشهد الأوروبي ومؤسساته المؤثرة في السياسة والاقتصاد الدولي.
وبلا شك فإن نقل قناة «العربية» إلى الرياض يحمل أبعادًا استراتيجية تعزز من مكانة الإعلام السعودي؛ فمن جهة، يقرّب القناة من مراكز القرار السياسي والاقتصادي، ما يتيح تفاعلًا أسرع ودقة أعلى في تغطية الأحداث، ويمنح الرسائل الإعلامية أثرًا أوسع، ومن جهة أخرى، يمثل هذا النقل استثمارًا في الكفاءات الوطنية، من خلال توفير فرص التدريب والعمل في بيئة إنتاج حديثة، بما ينسجم مع أهداف رؤية السعودية 2030 في توطين صناعة المحتوى، كما يوفّر التمركز في العاصمة فرصة لتقديم القصص السعودية بمنظور عالمي، يجمع بين المهنية والبعد الإنساني، ويعزز حضور المملكة في الساحة الإعلامية الإقليمية والدولية بأسلوب حديث ومؤثر.
بقي القول، فإن نقل استديوهات «العربية» إلى الرياض سيشكل علامة فارقة في مسيرة الإعلام السعودي، كما أن هذا النقل سيجعل القناة من بين النماذج العالمية التي استطاعت أن تربط الموقع الجغرافي بالمضمون التحريري، والرسالة الإعلامية بمصالح الدولة، في إطار حديث وطموح يعزز مكانة السعودية كفاعل إعلامي متقدّم، كما سيسهم في تطوير الكفاءات.