❖ الدوحة – الشرق

– قانون الإجراءات الجنائية المعيار الحقيقي لاحترام الدول لحقوق الإنسان 

– ضمانات التحقيق والمحاكمة تستمد مشروعيتها من صون الكرامة

– افتراض البراءة قاعدة دستورية لا يجوز تجاوزها

– حظر التعذيب والمعاملة المهينة ركيزة أساسية في حماية الحقوق

– تمكين المتهم من الدفاع أمام قاضٍ مستقل يرسخ العدالة 

– علانية المحاكمة وشفافيتها ضمان لرقابة المجتمع

– صون الكرامة يعزز الأمن القانوني والطمأنينة في المجتمع

أكد المحامي يوسف أحمد الزمان أن الشرعية الإجرائية تمثل حجر الزاوية في منظومة العدالة الجنائية الحديثة، مشيراً إلى أن قانون الإجراءات الجنائية هو المعيار الحقيقي الذي تُقاس به الدول في مدى احترامها لحقوق الإنسان وصون كرامته. وقال الزمان، في حوار موسّع حول تطور التشريع الإجرائي في دولة قطر، إن البحث عن الحقيقة في أي قضية جنائية لا يجوز أن يتحول إلى مدخل لانتهاك الحرية الفردية، موضحاً أن الدستور القطري وضع ضمانات واضحة تجعل من كرامة الإنسان وحقوقه محوراً أساسياً في كل إجراء يتخذ أثناء التحقيق أو المحاكمة.

وأوضح الزمان أن قانون الإجراءات الجنائية القطري، منذ صدور أول تشريع عام 1970 وصولاً إلى القانون رقم 22 لسنة 2004، جاء منسجماً مع الدستور ومبادئ العدالة الحديثة، ومعززاً لضمانات جوهرية مثل افتراض البراءة، واحترام حقوق الدفاع، وحظر الإكراه بكافة صوره. وبيّن أن القضاء القطري رسّخ في أحكامه مبدأ بطلان أي اعتراف يُنتزع تحت الضغط أو التهديد أو الوعد، لافتاً إلى أن الشرعية الإجرائية تتغلب على اعتبارات العقاب ولو أدى ذلك إلى إفلات متهم من الحكم، لأن حماية الكرامة الإنسانية هي الغاية الأسمى التي يقوم عليها القانون.

وأشار الزمان إلى أن كرامة الفرد أصبحت في العصر الدستوري الحديث أساس الشرعية السياسية والقانونية، مؤكداً أن جميع سلطات الدولة ملزمة بحمايتها وعدم المساس بها خلال مراحل القبض أو الاستجواب أو الاحتجاز أو المحاكمة. وشدد على أن كرامة الإنسان ليست نصاً دستورياً فحسب، بل فلسفة عدالة تضمن شفافية الإجراءات وثقة المجتمع بالقضاء، مؤكداً أن العدالة لا تكتمل بإصدار الأحكام، بل بصون المتهم وحفظ حقوقه في الطريق إليها.. فإلى تفاصيل الحوار:-

◄ ما أهمية تشريع الإجراءات الجنائية، وما الأهداف والضمانات الأساسية التي يقوم عليها هذا التشريع في حماية الحرية الفردية وإرساء العدالة؟

 تشريع الإجراءات الجنائية من أهم القوانين التي تسنها الدولة، فهو ذو علاقة وثيقة بالحرية الفردية التي تعنى دساتير العالم على تقريرها في صلبها .. وهو ما ذهب إليه الدستور الدائم لدولة قطر.

ومن المقرر أن التوصل إلى تحقيق الغرض من قانون الإجراءات مقيد بشرطين: الأول – افتراض براءة المتهم حتى تثبت إدانته ومعاملته على هذا الأساس. والثاني: -احترام حقوق المتهم كإنسان، فهذه الحقوق هي أثمن ما تحرص عليه البشرية.

ويهدف قانون الإجراءات الجنائية بوجه عام إلى حماية المصلحة الاجتماعية من خلال ما ينظمه من إجراءات لكشف الحقيقة، وإقرار سلطة الدولة في العقاب، ويقرر الضمانات التي تحمي حرية المتهم إذا ما تعرضت للخطر جراء هذه الإجراءات.

على ذلك فإن قانون الإجراءات الجنائية يتضمن القواعد الإجرائية والشكلية الواجب اتباعها منذ وقوع الجريمة إلى أن يتم تنفيذ الحكم الصادر فيها.

ويشمل ذلك القواعد المتعلقة بالتحقيق في الجريمة، والجهة المختصة بإجرائه، والحبس الاحتياطي للمتهم وكيفية الطعن فيه. وتفتيش المتهم، وتفتيش منزله، وكيفية إحالة المتهم إلى المحكمة الجنائية المختصة، والإجراءات المتبعة في المحاكمة، كسماع الشهود والخبراء والانتقال للمعاينة وسماع الدفاع والادعاء العام، وكيفية صدور الحكم والنطق به، والطعن فيه بطريق المعارضة أو الاستئناف والتمييز، وكذلك قواعد التقادم سواء الخاصة بالدعوى العمومية ذاتها، أو الخاصة بالحكم الصادر فيها.

   – تطوّر تشريع الإجراءات الجنائية

◄  كيف تطوّر التشريع المتعلق بالإجراءات الجنائية في دولة قطر منذ صدور أول قانون عام 1970 وحتى القانون الحالي رقم 22 لسنة 2004؟

 صدر أول تشريع للإجراءات الجنائية في دولة قطر سنة 1970 بموجب القانون رقم 13 لسنة 1970 وسمى «قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية. 

بتاريخ 30/‏6/‏2004م صدر قانون الإجراءات الجنائية رقم 22 لسنة 2004 الذي ألغى القانون رقم 15 لسنة 1971 وجاء قانون الإجراءات الجنائية متوافقًا ومنسجمًا في قواعده ونصوصه مع مواد الدستور ومع مبادئ حقوق الإنسان، وتم العمل به ابتداء من الأول من أكتوبر عام 2004م ومازال العمل به ساريُا حتى تاريخه.

◄ إلى أي مدى يُعدّ قانون الإجراءات الجنائية معياراً لقياس احترام الدول لحقوق الإنسان، وكيف تعكس الشرعية الإجرائية روح العدالة في مراحل التحقيق والمحاكمة؟

 إذا أردت أن تحكم على دولة بمدى احترامها لحقوق الإنسان وكرامته وصون حرياته، فانظر إلى قانون الإجراءات الجنائية المطبق فيها، فهو المرآة الصادقة التي تعكس مقدار التزامها بتلك القيم، ومدى حرصها على جعلها واقعًا معاشًا لا مجرد شعارات، فالقانون الإجرائي هو الميزان الذي تُقاس به عدالة الأنظمة وصدق توجهها الإنساني، إذ يجسّد في قواعده وتطبيقاته الفعلية مدى احترام الدولة لحرية الإنسان وكرامته أثناء أضعف لحظات وجوده – حين يُتهم، أو يُستجوب، أو يُحاكم. وإنّ الشرعية الإجرائية ليست مجموعة نصوص جامدة، بل روح عدالة حية تنبض في ضمير كل قاضٍ وعضو نيابة ومحامٍ. فإذا غابت تلك الروح، تحول القانون إلى أداةٍ قاسية، تفقد العدالة معناها، ويُستباح الإنسان باسم النصوص التي وُجدت أصلاً لحمايته.

العدالة الحقيقية ليست في إصدار الأحكام، بل في صون الإنسان وهو في طريقه إليها، فما أضيق العدل إذا غابت عنه الرحمة، وما أظلم القانون إن لم يكن للإنسان فيه مكان كريم.

   – ركيزة العدالة الحديثة

◄ هل لك أن تحدثنا عن مفهوم الشرعية الإجرائية ؟

تُعدّ الشرعية الإجرائية من أهم ركائز العدالة الجنائية الحديثة، إذ تمثل الإطار الذي يضمن ألا يتحول البحث عن الحقيقة إلى وسيلة لانتهاك الكرامة الإنسانية أو إهدار الحقوق الدستورية للمواطنين. فالقانون لا يُراد به الإدانة بقدر ما يراد به تحقيق العدالة، والعدالة لا تتحقق إلا عبر إجراءات نزيهة تلتزم بالشرعية وتعلي من شأن الإنسان في جميع مراحل الدعوى الجنائية منذ لحظة الاشتباه وحتى صدور الحكم.

والمقرر في قضاء التمييز أن: «الشرعية الإجرائية سواء ما اتصل منها بحيدة المحقق أو بكفالة الحرية الشخصية والكرامة البشرية للمتهم ومراعاة حقوق الدفاع أو ما اتصل بوجوب التزام الحكم بالإدانة بمبدأ مشروعية الدليل وعدم مناهضته لأصل دستوري مقرر، جميعها ثوابت قانونية أعلاها الدستور والقانون وحرص على حمايتها القضاء، ليس فقط لمصلحة خاصة بالمتهم وإنما بحسبانها فـي المقام الأول تستهدف مصلحة عامة تتمثل فـي حماية قرينة البراءة وتوفـير اطمئنان الناس إلى عدالة القضاء فالغلبة للشرعية الإجرائية ولو أدى إعمالها لإفلات مجرم من العقاب وذلك لاعتبارات أسمى تغياها الدستور والقانون».

وحيث إن الأصل في كل اتهام أن يكون جادًا، ولا يتصور أن يكون الاتهام بالتالي عملا نزقًا تنزلق إليه النيابة العامة بتسرعها أو تفريطها، وكان من البديهي أن الاتهام بالجريمة ليس قرين ثبوتها، ولا يعدل التدليل عليها، وكان الاتهام ولو قام على أسباب ترجح معها إدانة المتهم عن الجريمة، لا يزيد عن مجرد شبهة لم تفصل فيها محكمة الموضوع بقضاء جازم لا رجعة فيه سواء بإثباتها أو نفيها.

   – حفظ كرامة الإنسان

◄ ما هو مفهوم المحافظة على كرامة الإنسان عند التحقيق معه واستجوابه؟

 أوجب المشرع، تأكيدًا لمبدأ الشرعية الإجرائية، أن يُعامل المتهم معاملة تحفظ له كرامته، وألا يُمس في بدنه أو نفسه أو معنوياته، وألا يُنتزع منه اعتراف تحت تهديد أو إغراء أو وعيد، إذ أن الإكراه – أياً كانت صورته – يبطل كل ما ينتج عنه من أقوال أو اعترافات، لأن الاعتراف لا يكون دليلاً إلا إذا صدر عن إرادة حرة واعية.

وقد استقر قضاء المحاكم العليا على أن الاعتراف الذي ينتزع بالإكراه المادي أو المعنوي يعد باطلاً بطلانًا مطلقًا، لأنه يهدم مبدأ الحرية الفردية الذي هو من أسس النظام العام.

وفي هذا قضت محكمة التمييز القطرية بأن: من الأصول المقررة أن الدفع ببطلان الاعتراف هو دفع جوهري يجب على محكمة الموضوع مناقشته والرد عليه رداً سائغاً ما دام الحكم قد عوّل في قضائه بالإدانة على هذا الاعتراف.

من المقرر أن الاعتراف لا يعوّل عليه – ولو كان صادقاً- متى كان وليد إكراه كائناً ما كان قدره، وأن الوعد أو الإغـراء يعـد قريـن الإكراه والتهديد لأن له تأثيراً على حرية المتهم في الاختيار بين الإنكار والاعتراف».

كما قضت بأن: « من المقرر أن الاعتراف الذي يُعَوَّلُ عليه يتحتم أن يكون اختيارياً، وهو لا يعتبر كذلك – ولو كان صادقاً – إذا صدر تحت وطأة الإكراه أو التهديد به أو الوعد أو الإغراء كائناً ما كان قدره، وكان الأصل أنه يتعين على المحكمة إن هي رأت التعويل على الدليل المستمد من الاعتراف أن تبحث الصلة بينه وبين الإكراه المقول بحصوله وأن تنفـي قيام هذا الإكراه فـي استدلال سائغ، لأنه لا يصح فـي منطق العقل والبداهة أن يَرُدَ الحكم على الدفع ببطلان الاعتراف الحاصل أمام جهة من جهات التحقيق بأنه كان وليد الإكراه باطمئنانه إلى هذا الاعتراف لحصوله أمام تلك الجهة مادام أنه ينازع فـي صحة ذلك الاعتراف أمام تلك الجهة. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فـيه قد استند فـي قضائه بالإدانة إلى اعتراف الطاعن، فإنه يكون فضلاً عن فساده فـي الاستدلال معيباً بالقصور فـي التسبيب».

   – حماية الحريات 

◄ ما مدى اهتمام الدساتير الحديثة بموضوع كرامة الفرد وأثرها في الشرعية الإجرائية؟ 

 أضحت كرامة الفرد في العصر الحديث محور الارتكاز الذي تقوم عليه الشرعية الدستورية والإجرائية في الدولة القانونية. فليس المقصود من النصوص الدستورية مجرد تنظيم السلطات أو توزيع الاختصاصات، بل غايتها القصوى أن تصان إنسانية الإنسان وتحمى حرياته الأساسية من أي انتهاك أو تعسف. ومن ثم، فإن احترام كرامة الفرد لم يعد شعاراً أخلاقياً، بل هو التزام دستوري ملزم لجميع سلطات الدولة، يتجلى أثره العملي في نطاق الشرعية الإجرائية التي تضبط مراحل التحقيق والمحاكمة وتنفيذ الإحكام.

◄ ما هو مفهوم كرامة الفرد؟

 تعرف كرامة الفرد بأنها القيمة الأصيلة الملازمة لكل إنسان، باعتباره كائناً عاقلاً حراً مسؤولاً عن أفعاله، يستحق الاحترام في ذاته، بغض النظر عن أصله أو جنسه أو دينه أو فكره. فهي ليست منحة من السلطة، بل حق طبيعي فطري يولد مع الإنسان، وتلتزم الدولة بحمايته وصونه من أي انتقاص.

وقد عبرت الدساتير الحديثة عن هذا المعنى بوضوح فنص الدستور القطري في المادة (36) منه على أن: «الحرية الشخصية مكفولة … ولا يعرض أي إنسان للتعذيب أو للمعاملة الحاطة بالكرامة، ويعتبر التعذيب جريمة يعاقب عليها القانون». ومثله ورد في معظم الدساتير العربية والأجنبية المعاصرة بما يؤكد عالمية هذا المبدأ من أن «كرامة الإنسان مصونة. واحترامها وحمايتها واجب على جميع السلطات».

شاركها.
Exit mobile version