جاء محصلة لقراءات شتى في صنوف الأدب
طه عبدالرحمن
في مسيرة المبدعين، مواقف وقصص لا تُنسى تتعلق بإصدار أول كتاب لهم، فتظل هذه المواقف ماثلة في ذاكرتهم، ودافعة لإنجازهم العديد من الأعمال الإبداعية في الوقت نفسه، فيصبح الكتاب الأول في مسيرتهم شاهدا على تطور إبداعهم، وتنامي مفرداتهم، لاسيما وأن مفردات الكاتب تشكل له معيناً، ينهل منه، ليغذي إنتاجه الإبداعي. تتوقف مع عدد من المبدعين، حول أول كتبهم، وما صاحبها من مواقف وذكريات، يسترجعون من خلالها انطلاقتهم الإبداعية، والتي شكلت لهم فيها محطة لانطلاقة أوسع في عالم الكتابة والتأليف، ليتوجوا بعدها أعمالاً لا تقل إبداعاً في فروع شتى من حقول الأدب والمعرفة.
كما يتوقف الكُتّاب عند قصص إصدارهم للكتاب الأول، وما احتواه من مضامين، وهو الكتاب الذي لم يصل إلى متلقيه عبثاً، بل كان محصلة قراءات في صنوف شتى من الأعمال الأدبية، والتي ساهمت في إثراء مخزونهم الأدبي.
علي الفياض: قصة مشوقة صاحبت كتابي الأول
يروي الكاتب د. علي بن عبدالله الفياض قصته مع الكتاب الأول الذي قام بجمعه وتأليفه وإعداده وتحقيقه ونشره. ويصفها بالقصة الطريفة والمشوقة، التي تحمل عظة وعبرة. ويقول: كتابي الأول هو الجزء الأول من “لآلئ قطرية”، والذي جمعت فيه أشعار مجموعة من شعراء منطقتي منطقة الشمال وبعض المناطق الأخرى في قطر وذلك أواخر السبعينيات من القرن المنصرم، وكانت بداية الجمع من قصائد والدي رحمه الله ثم جمعت قصائد الشعراء الآخرين وعملت على تفريغ التسجيلات التي قمت بها مع الشعراء والرواة وتدوينها وتحقيقها وشرحها وعرفت بالشعراء تعريفا مختصراً، وبعدما انتهيت من التدوين والتحقيق خطرت لي فكرة أن أقوم بنشر هذه الحصيلة الطيبة من الأشعار بين دفتي كتاب يحفظها ويلم شعثها.
ويتابع: بالفعل، توجهت إلى إدارة الثقافة والفنون التابعة لوزارة الإعلام آنذاك – وزارة الثقافة حالياً – وحينما طرحت عليهم الفكرة رحبوا بها ووافقوا على طبع الكتاب ونشره وتوزيعه، ولكن بما أن الكتاب هو عبارة عن ديوان شعري فكان لابد أن يمر على لجنة الشعر النبطي وعُرض الكتاب عليها فلم يوافقوا على نشره لبعض التحفظات والملاحظات عليه وذلك سنة 1982. ويضيف: لم أيأس واستعنت بالله وأرجأت نشر الكتاب وأنا مصمم على نشره وطبعه فيما بعد، وفي تلك الفترة تعرفت على الوالد الشاعر راشد بن سعد الكواري الذي وجدت منه كل عون وتشجيع وقدم لي كل قصائده وقصائد والده التي يحفظها والمدونة عنده قدمها لي بكل أريحية رحمه الله فقمت بتحقيقها وشرحت معاني بعض كلماتها وقامت مكتبة المتنبي بطبع ونشر الديوان وتوزيعه سنة 1985. أما كتابي الأول فتوكلت على الله وقمت بطبعه ونشره على حسابي الخاص سنة 1986، وهكذا قدر أن يصدر الكتاب الثاني قبل الكتاب الأول الذي كنت أنوي إخراجه أولاً، ونستخلص من هذه القصة أن من كانت همته عالية وعزيمته ماضية فلن يحد طموحه حد ولن يعوقه عائق ولن يسد طريقه سد، أما من كانت عزيمته خائرة وهمته ضعيفة فلن يحقق شيئاً في هذه الحياة.
د. زكية مال الله: أول دواويني تزامن مع حصولي على الماجستير
تعتبر الكاتبة الدكتورة زكية مال الله العيسى، أول كتاب بأنه “أول مولود يتخلق في رحم الإبداع، يستقبل الدنيا مشمولاً بفرحة القلب، وابتهاج المشاعر، يحمل في سماته صفات المبدع، ويشبهه في تفاصيل محتواه ومعانيه وألفاظه، ويستحوذ على سعادة الآخرين من حوله والأصدقاء والمعجبين، وهو الشرارة الأولى التي يقدحها الكاتب أو الأديب في شعلة قنديل، فيضيء مسارات قلمه ويحثه على السير قدماً في الطرق المعبدة، لترسيخ إبداعه وانتشاره”. وتضيف أنها على هذا النحو استقبلت أول كتاب لها، وهو ديوان الشعر “في معبد الأشواق”، والصادر في القاهرة، عام 1985، وفي اليوم الثالث من حصولي على درجة الماجستير في العلوم الصيدلية في مصر، وأمضيت سنوات عديدة أجمع ما أكتب من القصائد في الكراسات ودفاتر المذكرات، وأقرأها على نفسي، ولا أطلع عليها أحداً، حتى تعرفت على صديقة عزيزة، هي د. مي الخاجة، أثناء دراستي في مصر للحصول على الدكتوراه، وهي التي أشارت عليَّ بطباعة ما أكتبه في ديوان شعر، بعدما لاحظت صلاحيته للطباعة والنشر.
وتقول: استجبت للمشورة وبادرت للتجميع والاتفاق مع مطبعة دار الشروق في القاهرة، وبصورة سرية جدا، حتى استكملت الطباعة، واستلمت نسخ الكتاب بعد ثلاثة أيام من مناقشتي لرسالة الماجستير، وكانت مفاجأة كبيرة لصديقاتي في سكن قطر، حيث كنت أعيش في القاهرة، عندما أحضرت النسخ إلى السكن، وبدأت بالتوزيع، وكتابة إهداءات، وعمت الفرحة الجميع على مدى الأيام التالية، وتضاعفت سعادتي عندما قرر د. عبيد، رئيس قسم الكيمياء التحليلية في كلية الصيدلة، إقامة ندوة شعرية في الكلية للتعريف بالكتاب وتوزيعه على الطلبة، وكانت أمسية رائعة وحضورا مشرفا، وتكريما مبهرا.
وتتابع: إن كتابي الأول “في معبد الأشواق” هو أحب الدواوين إلى نفسي وأكثرها شاعرية وتدفقاً للعاطفة والرومانسية التي يتسم بها شعري، واحتوى على القصائد الأولى التي كتبتها في المرحلة الأولى من الحياة، وهي أكثرها صدقاً وشفافية ووضوحاً وهذه الفرحة الخالصة والإحساس المتميز الذي لم أحيَه أبداً بعد ذلك في أي إصدار جديد، لأنه كان الأول والأجمل أثناء إقامتي في مصر، وسكن قطر، ومع الرفقة الجميلة، والعمر الزاخر بالحيوية والنشاط، وهو الخطوة الأولى ولا يزال الدرب ممتداً إلى ما شاء الله”.
د. هدى النعيمي: الأول شجعني على الاستمرار في الكتابة الأدبية
تقول الكاتبة الدكتورة هدى النعيمي: إن الأمر احتاج جرأة وشجاعة لأتقدم بوريقات تحمل أقاصيص قصيرة إلى المطبعة لأطلب منها إخراج تلك الوريقات في كتاب يحمل اسمي على غلافه. تلك الأقاصيص، أو القصص القصيرة، كانت نتاج بضع سنوات شيء منها خططته في الدوحة، والبعض منها خططته في القاهرة حيث كنت في مرحلة الدراسات العليا لتخصص علمي بحت، وهو الفيزياء الإشعاعية، وتطبيقاتها الطبية، لتكون تلك الدراسة عوناً لي عندما أعود إلى دوحتي وعملي في قسم الأشعة في المستشفى.
وتتابع: لم تكن الدراسة العلمية والوقوف في المعمل وإجراء التجارب لساعات يوميا، إلا حافزاً قوياً للهروب من رائحة المختبر إلى فضاء رحب آخر هو القراءة الأدبية التي أوجدت بين أصابعي حركة أخرى ترسم قصصاً قصيرة، تجمعت معي قصة بعد أخرى، قبل أن أتحلى بالجرأة التي أخذتني إلى المطبعة.
وتضيف: درت بتلك الأوراق على عدد من المعارف وبعض الأدباء ممن أثق في رأيهم، وفي تقييمهم للكتابة، لم أرد أن أقدم نفسي للقارئ ككاتبة قبل أن أتحقق من مستوى كتابتي، ومن كونها تستحق أن أضعها بين يدي القارئ الكريم الذي أحترمه جدا، فلما جاءت تلك الردود الإيجابية من هؤلاء الذين اخترتهم كلجان تحكيم على كتابتي وأقاصيصي ومعظمها جاءت تحفزني، وتدفعني لنشر الأقاصيص، حملت أوراقي والأمل يحدوني أن تلقى القصص نفس الصدى عند قارئ لا أعرفه، واخترت لمجموعتي القصصية الأولى عنوان “المكحلة” وهو عنوان إحدى القصص.
وتلفت إلى أنها “في تلك القصة استوحيت المعنى من حكاية من التراث تدور حول شاب واخته يخطفهما الوحش ويحبسهما في مكان منعزل، لكن الشاب الشجاع يستطيع أن ينقذ أخته، ويجري بين السهول، وعندما يستيقظ الوحش من نومه، يبدأ في اللحاق بهما، فيطلب الفتى من أخته أن تكتحل وتنتظر إن كان الوحش قد اقترب منهما، وبالفعل تخرج الفتاة مكحلتها، لتكتحل وتنظر بوضوح إلى الخطر القادم نحوهما. ومن هنا أردت القول بأن الكحل للفتاة أو المرأة، ليس للزينة فقط، ولكنه يزيد من قدرتها على النظر إلى الأمام. لافتة إلى خروج مجموعتها القصصية الأولى “المكحلة” عام 1997 وكان لها صدى جميل جداً في القاهرة والدوحة، مما شجعني على الاستمرار في الكتابة الأدبية حتى يومنا هذا، وأظن أن مكحلتي بالفعل ساعدتني أن أنظر، فأرى أمامي”.
جمال فايز: مجموعتي الأولى محصلة قراءات أدبية
يصف الكاتب جمال فايز “الرقص على حافة الجرح” الصادرة في طبعتها الأولى 1997 – وتلتها ست طبعات – بأنها المجموعة القصصية الأولى له، “لأنها جاءت ثمرة سنوات من القراءات القصصية وأعمال روائية وثمرة قراءة متمعنة لست دراسات أدبية وقراءة كاملة لأبرز أعمال أدباء القصة مثل إدجار ألن بو الأمريكي وأنطون تشيخوف الروسي وهما من أعلام أدب القصة القصيرة، وعربياً قراءة الأعمال القصصية الكاملة لأمثال د. يوسف إدريس- أبو القصة القصيرة العربية الحديثة – وزكريا تامر وغيرهما، وجاءت مجموع ثمرة لسماع القصص الشعبية المروية من الوالدة حفظها الله وحضور “ورشة القصة القصيرة” التي استبدل اسمها لاحقا إلى “الصالون الثقافي” التي أقامتها الهيئة العامة للشباب والرياضة عام 1994 واستمرت إلى منتصف عام 1996 أشرف عليها د. مراد عبدالرحمن مبروك. ويقول: هذه الثمار من المعرفة المتراكمة المكتسبة لسنوات طرحت أسئلة عديدة في محاولة فهم ماهية أدب القصة القصيرة واكتساب معارف أسرار هذا الأدب التي كان ثمارها المجموعة القصصية: “الرقص على حافة الجرح”، وحظيت المجموعة القصصية عند وبعد إصدارها باهتمام الكتاب ونالت اهتمام النقاد فقدم لها قراءة أقلام عديدة، مثل د. نضال الصالح، وكاتب القصة أيمن دراوشة، والناقد سيد الوكيل، والناقـد الراحل أنور جعفر، ود. صالح هويدي، ود. مراد عبدالرحمن مبروك، وغيرهم. ويتابع: اختيرت المجموعة من قبل الباحثين لتكون منطلقاً لتقديم رسائلهم لنيل درجة الماجستير أو الدكتوراه، منهم: الباحثة الأوكرانية لودميلا سافارا جالي التي عنونت رسالتها لنيل درجة الماجستير “تأثير الثقافة في الحياة الاجتماعية في أعمال جمال فايز”، كما تم اختيار المجموعة ضمن مقررات دراسية في جامعة قطر واختيار قصص منها ضمن المنهج المدرسي في عدد من المدارس المستقلة للبنين والبنات بالمرحلتين الإعدادية والثانوية، بجانب الترجمة من قصص المجموعة إلى لغات أخرى مثل: الإنجليزية والسويدية والبولندية والروسية والفرنسية والمالمية وغيرها.