يرى ديلان موتين، الباحث السياسي الكوري الجنوبي المختص بالشؤون السياسية والعلاقات الدولية أنه على عكس ما كان يأمل البعض بالنسبة لحركة «طالبان» بعد استحواذها على السلطة في أفغانستان قبل عامين تقريباً، تشهد أفغانستان قدراً ضئيلاً متفرقاً من المقاومة في أفضل الأحوال، ومن المرجح أن أكبر جماعة معارضة لها الآن تتمثل في إرهابيي تنظيم «داعش»؛ فقد أثبتت «طالبان» قدرتها على الاحتفاظ بحكم مستقر في أفغانستان.
وما دام لا يوجد بديل واضح لحكم «طالبان»، وليست هناك إرادة لدى الولايات المتحدة للتدخل عسكرياً مرة أخرى، فإنه يبدو أن التعامل مع نظام الحكم الجديد لتعزيز المصالح الأميركية هو أقل الخيارات سوءاً.
ويقول موتين، الذي يدرس للحصول على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة كانغ وون الوطنية، في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست» الأميركية: «إن التواصل مع كابل يمكن أن يحسن موقف أميركا ضد منافسيها، وأساساً الصين. فإذا ما أصبحت أفغانستان متعاطفة مع الولايات المتحدة، فإنها سوف تشجع الصين على تعزيز دفاعاتها في المناطق الواقعة على حدود أفغانستان. وهذا العبء العسكري الإضافي سيكون خفيفاً نسبياً بالنسبة لبكين، لكنه سيكون ثمرة سهلة المنال ومكسباً غير مكلف بالنسبة لواشنطن».
ويضيف موتين أن كل جندي من جنود جيش التحرير الشعبي الصيني يحرس الحدود سيكون جندياً غير متوافر للمشاركة في غزو تايوان. وبالعكس، فإنه إذا دعت واشنطن نفوذ بكين يهيمن على أفغانستان، فإن ذلك سوف يساعد الصين على تأمين حدودها الغربية. وسوف يتيح اصطفاف أفغانستان مع بكين للمخططين الصينيين فرصة التركيز على استعراض القوة بعيداً بدلاً من التركيز على أمن الحدود».
كما أن التعاون مع «طالبان» سوف يلحق الضرر بالصين بأكثر من طريقة غير مباشرة؛ فباكستان شريك مقرب لبكين، والدولتان علاقاتهما عدائية مع الهند. ولكن في السنوات الأخيرة، أصبحت نيودلهي شريكاً رئيسياً للولايات المتحدة بالنسبة لاحتواء الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».
ومن ناحية أخرى، ساءت العلاقات الأميركية الباكستانية بدرجة كبيرة منذ فترة طويلة. ومن ثم فإن باكستان بضغطها على الهند، ستكون عائقاً بالنسبة لواشنطن. فكلما كانت باكستان قادرة على تركيز قوتها ضد الهند، قلت قدرة الهند على التركيز في مواجهة الصين».
وعلى الرغم من أن باكستان سلحت ومولت «طالبان» الأفغانية منذ نشأتها عام 1994، فهناك خلاف بينهما منذ استيلائها على كابل. فالخلافات الحدودية على كابل، على طول خط دورند تسمم العلاقات الثنائية، وتؤدي إلى اشتباكات مميتة. وعلاوة على ذلك، تشعر إسلام آباد بالاستياء إزاء عدم مساعدة الحكومة الأفغانية لها في مواجهة حركة «طالبان» الباكستانية.
ويشير موتين إلى أن هذا الصراع المتوقع بين باكستان و«طالبان» يوفر فرصة تاريخية للولايات المتحدة. فإذا استطاعت واشنطن المساعدة في بناء أفغانستان مستقرة وقوية، فسوف تضطر باكستان إلى تخصيص عدد كبير من القوات للدفاع عن حدودها الغربية. وهكذا ستتوافر لباكستان إمكانات أقل لتحدي الهند على حدودها الشرقية. وسوف يكون هذا مكسباً للولايات المتحدة، حيث سوف يتوافر للهند عدد أكبر من القوات في مواجهة الصين.
وكما اتضح من الاشتباكات المميتة الأخيرة، تعد العلاقات بين إيران و«طالبان» مثيرة للجدل أيضاً. ويمكن أن يساعد التواصل مع أفغانستان واشنطن على تعزيز أهدافها تجاه إيران، في ما يتعلق بالمفاوضات والاحتواء. وإذا ما بدا التقارب مع إيران مستحيلاً، فإنه يمكن أن تصبح كابل شريكاً مهماً للتصدي للقوة الإيرانية في الشرق الأوسط.
ويرى موتين أن التعاون مع «طالبان» يمكن أن يكون الطريقة الأكثر كفاءة ومباشرة لمحاربة الإرهاب في أفغانستان؛ فـ«طالبان» لم تشارك مطلقاً في أي هجمات إرهابية على الأراضي الأميركية. وهي الآن القوة الوحيدة الكبيرة الموجودة على الأرض التي أثبتت قدرتها على احتواء الإرهاب.
كما يمكن أن تساعد حكومة «طالبان» في محاربة الاتجار في المخدرات؛ فقد حظرت «طالبان» في عام 2022 زراعة الخشحاش، الذي يستخرج منه الأفيون والمكون الرئيسي لمخدر الهيروين. وأثبت الحظر فاعليته الشديدة. ونظرا لأنه من المحتمل أن يؤثر الحظر على زعزعة استقرار اقتصاد أفغانستان الذي يواجه متاعب بالفعل، فسوف تؤدي إقامة أميركا علاقات اقتصادية عادية مع كابل إلى تشجيع «طالبان» على مواصلة الحظر.
وأكد موتين أن الولايات المتحدة بتواصلها مع حكومة «طالبان» سوف تستطيع تحقيق مكاسب اقتصادية ودبلوماسية تمكنها من مساءلتها في حالة حدوث أضرار والمطالبة بتحقيق إصلاحات حقيقية. ومع مرور الوقت، ربما يؤدي التواصل مع كابل إلى حثها على احترام حقوق الإنسان، والسعي لأن يكون المجتمع الأفغاني أكثر شمولاً؛ فالعزلة والعقوبات تؤدي فقط إلى تهميش الأصوات الموالية للغرب، وتشجيع العناصر المتطرفة.
ومن ناحية أخرى، قال موتين في ختام تقريره إن التواصل مع حكومة «طالبان»، سوف يتيح للولايات المتحدة تحقيق مكاسب إقليمية وعالمية بتكلفة قليلة. ويمكن القول إنه من خلال هذا التواصل تسهم الولايات المتحدة في أن تكون أفغانستان أكثر ازدهاراً وأماناً، بينما تحافظ على المصالح الأميركية.