الدوحة – قنا
وسط تفاقم الوضع الإنساني المرير في قطاع غزة، حيث يعاني قرابة مليوني فلسطيني محاصرين بقصف وحشي ومجاعة غير مسبوقة، بات العديد من الدول تنظر بشكل مختلف لما يجري هناك وعن الأسباب الحقيقية للحرب على غزة وتداعياتها.
وفي ظل ارتفاع عدد ضحايا التجويع إلى قرابة 230 شهيدا، من بينهم 103 أطفال، جددت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة دعوتها للمجتمع الدولي ومؤسسات الإغاثة للتدخل الفوري والعاجل، وأكدت أن الأزمة الإنسانية في قطاع غزة مستمرة بالتفاقم في ظل الحصار ونقص الإمدادات الغذائية والطبية.
وعلى الطرف الآخر من العالم، كان صدى المواقف تجاه المعاناة الفلسطينية أعلى صوتا، فقد أعلنت أستراليا عن خطة للاعتراف بدولة فلسطينية في سبتمبر المقبل، عقب خطوات مماثلة من المملكة المتحدة وفرنسا وكندا.
وصرح رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز أن هذه الخطوة ستتخذ في الجمعية العامة للأمم المتحدة، مشيرا إلى أنها تأتي في سياق دعم الحل القائم على الدولتين، باعتباره “أفضل أمل لإنهاء الصراع، والمعاناة والجوع في غزة”.
وتأتي هذه المتغيرات بالمواقف الدولية إزاء تعنت الكيان الإسرائيلي تجاه استمرار الحرب المدمرة في قطاع غزة، ليؤكد ما يمكن تسميته صحوة ضمير متأخرة لدول صمتت طويلا عما جرى ويجري.
وفي نيوزيلندا قال رئيس الوزراء كريستوفر لوكسون، اليوم، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تمادى كثيرا وفقد صوابه، كما أن نقص المساعدات الإنسانية والتهجير القسري للفلسطينيين في قطاع غزة أمر مروع.
وكان وزير الخارجية النيوزيلندي ونستون بيترز أعلن قبل يومين عن عزم بلاده الاعتراف بدولة فلسطينية، وقال بيترز: إن حكومة رئيس الوزراء كريستوفر لوكسون ستتخذ قرارا رسميا في سبتمبر المقبل، وستطرح نهجها خلال أسبوع قادة الأمم المتحدة.
وجاء قرار أستراليا ونوايا نيوزيلندا ليضاف إلى قرارات مماثلة كدول كندا والمملكة المتحدة وفرنسا ومالطا في إعلان عزمها الاعتراف بدولة فلسطين خلال مؤتمر للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل، ناهيك عن دول أخرى قررت فعلا الاعتراف بالدولة الفلسطينية منذ ربيع عام 2024، بما في ذلك أيرلندا والنرويج وإسبانيا وسلوفينيا وبربادوس وجامايكا، وسط إدانة متزايدة لأزمة المجاعة في غزة، الناجمة عن حصار قوات الاحتلال الإسرائيلي للمساعدات الإنسانية، والذي أدانته على نطاق واسع وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية.
انعكاس المواقف الأسترالية والنيوزلندية، وهي الأحدث، جاء عقب يومين من مقتل صحفيين فلسطينيين في غارة جوية إسرائيلية، اعترف جيش الاحتلال أنه تعمد استهدافهم، وهو ما استدعى استنكارات دولية واسعة، من بينها تأكيد كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، أن أولويات الاتحاد الأوروبي مواصلة تقديم الدعم الإنساني، وتمكين المنظمات غير الحكومية من الوصول إلى غزة، ووقف فوري لإطلاق النار والإفراج عن باقي الرهائن.
كما ندد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بمقتل صحفيين من شبكة /الجزيرة/ الإعلامية بغزة، وقال المتحدث باسمه ستيفان دوجاريك: “يدعو الأمين العام إلى إجراء تحقيق مستقل ونزيه في عمليات القتل الأخيرة هذه”، مشيرا إلى مقتل ما لا يقل عن 242 صحفيا في غزة منذ بدء الحرب، ودعا إلى وجوب احترام الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام وحمايتهم، والسماح لهم بأداء عملهم بحرية دون خوف أو تضييق.
وفي السياق ذاته، أعربت جورجيا ميلوني رئيسة الوزراء الإيطالية عن “قلقها الكبير” حيال خطة الكيان الإسرائيلي للسيطرة على مدينة غزة، واصفة الوضع الإنساني في القطاع المحاصر والمدمر بأنه “غير مبرر وغير مقبول”.
وبالتزامن مع هذه التحولات السياسية، ثمة خطوات ذات بعد اقتصادي في الإطار نفسه، فقد أعلن صندوق الثروة السيادية النرويجي مواصلة تصفية استثماراته في الشركات الإسرائيلية، وإلغاء جميع العقود مع مديري الأصول الخارجيين المرتبطين باستثمارات الصندوق في الكيان الإسرائيلي.
وأكد تروند غرانده، نائب الرئيس التنفيذي لصندوق الثروة السيادية النرويجي، أن الصندوق يستعد للتخارج من مزيد من الشركات الإسرائيلية ضمن مراجعة جارية لملف استثمارات الصندوق هناك، في أعقاب الأوضاع المتدهورة بغزة والضفة الغربية.
وعلى صعيد متصل، أعلن يوهان فاديفول وزير الخارجية الألماني دعمه لقرار المستشار الألماني فريدريش ميرتس بوقف بعض صادرات الأسلحة إلى الكيان الإسرائيلي الأسبوع الماضي، معتبرا أن الخطوة مبررة ومتناسبة.
وليس هذا فحسب، ففي دولة سلوفينيا التي اعترفت في يوليو 2024 بدولة فلسطينية، قررت الحكومة الأسبوع الماضي منع استيراد منتجات المستوطنات الإسرائيلية استجابة للأوضاع في غزة، في خطوة وضعتها في إطار الرد على سياسة حكومة الاحتلال الإسرائيلية التي تقوض فرص السلام الدائم.
وجاء في بيان للحكومة السلوفينية أنه بناء على طلب رئيس الوزراء روبرت غولوب تقرر فرض حظر كامل على استيراد المنتجات من المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وشدد البيان على أن الكيان الإسرائيلي ينتهك القانون الإنساني الدولي بشكل جسيم ومتكرر، مضيفا أن هذه الانتهاكات لا تهدد فقط حياة وكرامة الشعب الفلسطيني، بل تقوض أيضا أسس النظام الدولي.
ولفت إلى أن سلوفينيا بصفتها عضوا مسؤولا في المجتمع الدولي لن تكون جزءا من سلسلة تسمح بمثل هذه الممارسات أو تتغاضى عنها. وفي البيان ذاته، أعلنت الحكومة السلوفينية أيضا أنها ستقدم مساعدات مادية في شكل أغذية وبطانيات، تقدر قيمتها بما يزيد عن 879 ألف يورو للفلسطينيين في قطاع غزة.
وتتواصل خطوات الضغط الأوروبية، مع اعتزام أيرلندا أيضا فرض حظر تجاري على المستوطنات الإسرائيلية، والمضي قدما في تمرير تشريع لحظر استيراد البضائع من المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، بعد موافقة المجلس الأمني لحكومة الاحتلال الإسرائيلية على خطة للسيطرة على مدينة غزة.