ليس مستغرباً أن تكون الأندلس، ذروة التألق العربي والإسلامي في الغرب، هي الهاجس الأكبر لزعيم «فوكس» المتطرف، سانتياغو آباسكال، في حملته الشعواء الراهنة على المهاجرين، والمصدر الأساسي لذخيرته في حربه على المسلمين الذين لا يسميهم مباشرة، ويعدّهم «الخطر الداهم على الهوية الوطنية».
آباسكال كان قد بثَّ في بداية انطلاقة «فوكس» شريطاً على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر فيه مذيعة محجّبة تقرأ نشرة الأخبار على قناة التلفزيون الأندلسية، وتعلن عن تأميم مسجد قرطبة لإعادة إحياء الشعائر الدينية الإسلامية فيه، وتتوقع وفود ملايين المسلمين إلى إسبانيا للعيش فيها.
يومذاك، كان حزب «فوكس» مجرد ظاهرة هامشية في المشهد السياسي الإسباني، بالكاد تلقى اكتراثاً في الأوساط الاجتماعية والسياسية. ولكن بعد 10 سنوات على انطلاقه أصبح الحزب «الظاهرة الهامشية» طرفاً أساسياً في الحكومة الإقليمية الأندلسية، وقوة طامحة للوصول إلى الحكومة المركزية، بعدما بات واضحاً أن «الحزب الشعبي» لن يتمكَّن من تشكيل حكومة، في حال فوزه في الانتخابات، إلا إذا تحالف مع «فوكس».
ثم، قبل أيام وقف زعيم «فوكس» ليفاخر أمام أنصاره بتحقيق الهدف الذي وضعه عندما اشترط، لدعم «الحزب الشعبي» في تأليف الحكومة الإقليمية، منع تنظيم احتفالات دينية للمسلمين في المباني والمنشآت الرسمية. وهذا مع العلم، أن الدستور الإسباني يضمن حرية الرأي والمعتقد، وممارسة الشعائر الدينية، شريطة عدم المس بالأمن العام.
واقع الحال، أن آباسكال يدرك أن خطابه المتطرف ضد المهاجرين المسلمين في بلد متاخم لدول إسلامية وله تاريخ حافل بالوجود الإسلامي، خطاب يلقى تجاوباً واسعاً من الناخبين، لا سيما في ظروف التراجع الاقتصادي، وإزاء عجز «الحزب الشعبي» عن مواجهته بخطاب معتدل خشية نزوح كثير من مؤيديه إلى صفوف «فوكس» الذي لا يخفي طموحه بأن يكون الحزب اليميني الأول في إسبانيا.
أضف إلى ما سبق، أن الدراسات الأخيرة تبيّن أن الطبقات الاجتماعية الدنيا تجنح نحو الطروحات اليمينية المتطرفة، الأمر الذي يشكّل أزمة كبرى لأحزاب اليسار التي لم تطرح حتى الآن سياسات لدمج المهاجرين، رغم ما تؤكده الدراسات من أن إسبانيا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي، بحاجة ماسة للمهاجرين؛ منعاً لانهيار اقتصاداتها، أو على الأقل للمحافظة على قدراتها التنافسية في الأسواق العالمية، وأيضاً إنقاذ الصناديق التقاعدية وكبح التراجع الديموغرافي.
ختاماً، يذكّر الباحث البارز أنطونيو مانويل، صاحب المؤلف المرجعي الشهير «الأثر الموريسكي»، بأنه «من غير الأندلس ما كانت إسبانيا لتوجد اليوم». وبأن النشيد الوطني الإسباني ليس مأخوذاً من أي أناشيد عسكرية أجنبية، بل هو نسخة طبق الأصل من إحدى الأغاني الشعبية الأندلسية «نوبة»، التي كانت شائعة بين المسيحيين والمسلمين واليهود إبّان القرن الحادي عشر الميلادي.
“);
googletag.cmd.push(function() { onDvtagReady(function () { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); }); });
}