اتجهت الحرب في قطاع غزة إلى مسار معاكس، بعد تحقيق اختراق في منتجع شرم الشيخ المصري لتنفيذ مرحلة أولى من اتفاق وقف إطلاق النار، وذلك إثر تعثر ثقيل بالمفاوضات منذ انسحاب فريقَي الولايات المتحدة وإسرائيل في يوليو (تموز) الماضي من مباحثات الدوحة. غير أن هذا الاختراق في ملف غزة لم يُجِب عن كل الأسئلة دفعة واحدة، بل أفصح في مرحلته الأولى عن انسحابات إسرائيلية غير استراتيجية أو مفصلية مع إتمام تبادل الأسرى مرة واحدة؛ وهو ما ساعد بالتعجيل به وسط رغبة أميركية – إسرائيلية في إنجازه أولاً، وفق تقديرات خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط».

المصلحة الأميركية – الإسرائيلية في التعجيل بهذا الاختراق قد لا تتجاوب سريعاً في الإجابة عن أسئلة أخرى متعلقة بملفات وقضايا شائكة، وفق خبراء، وبينهم دبلوماسي مصري سابق تكلموا عن تصوراتهم.

معظم الأسئلة، أو التساؤلات، المرتقبة، حسب الخبراء، تتصل: بكيفية نزع سلاح «حماس» ومستقبلها السياسي، وكيفية إتمام «حل الدولتين»، ومدى قبول مصر ببقاء إسرائيلي دائم على الحدود، أو قبول الفلسطينيين بلجنة دولية للإشراف على القطاع، أو أي خطة «ستعمّر» القطاع؟… أهي التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترمب مسبقاً تحت اسم «ريفييرا الشرق الأوسط» أم الخطة المصرية التي لاقت قبولاً عربياً وإسلامياً ودولياً؟ وهل اتفاق الاثنين المقبل المحتمل سيكون شاملاً أم مرحلياً؟

الخبراء الذين التقتهم «الشرق الأوسط» يرون أن الإجابة عن الأسئلة الشائكة ستكون في المراحل المقبلة، وستكون جدّية واشنطن هي المحدّد الأول. ويؤكد هؤلاء أن جهود الوسطاء، لا سيما في مصر، ستتواصل من أجل المضي في تنفيذ الاتفاق، كما نجحت في مسار شرم الشيخ.

اختراق سريع

ملامح الخطة التنفيذية للمرحلة الأولى، تكشف عن تفاصيل 5 أيام تجيب فيهما فقط عن سؤالين فقط متعلقين بالانسحاب وتبادل الأسرى. وهذا ما توصلت إليه الاجتماعات رفيعة المستوى في مدينة شرم الشيخ المصرية التي بدأت الاثنين، وفق ما يؤكد مصدر مصري مطّلع لـ«الشرق الأوسط».

وفي جدوله: يوم الخميس، الإعلان الرسمي عن الاتفاق، ومصادقة الحكومة الإسرائيلية، ونشر قوائم الأسرى وخريطة الانسحاب للمرحلة الأولى، وبدء الانسحاب الميداني مساءً. ويوم الجمعة، موعد فتح باب الاعتراضات الشكلية أمام المحاكم الإسرائيلية. واليوم السبت استمرار الانسحاب من المناطق المأهولة، وبدء تجهيز الفصائل الأسرى الأحياء وتسليم جثامين الجنود القابلة للتسليم.

الخطة التنفيذية تكشف أيضاً عن وصول الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى المنطقة لمتابعة التنفيذ غداً الأحد، وإعلان وقف الحرب على غزة، بينما يعج يوم الاثنين المقبل ببنود، منها تنفيذ عملية التبادل رسمياً بإشراف (مصر وقطر والولايات المتحدة وتركيا)، ومعه تطلق إسرائيل سراح الأسرى الفلسطينيين وتُسلّم عشرات جثامين المقاومين، بينهم عناصر من وحدات النخبة، مع فتح المعابر بالكامل وبدء دخول 400 شاحنة – مساعدات يومياً، ترتفع إلى 600 فأكثر خلال الأيام التالية.

ترحيب مبكّر… أميركي – إسرائيليتختتم الخطة، التي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، بانطلاق المفاوضات فوراً حول المرحلة الثانية من الاتفاق؛ من أجل بحث استكمال الانسحاب وضمان وقف دائم للعدوان، من دون أن تكشف عن تفاصيل أخرى أو تجيب عن تساؤلات أخرى.

ولقد جاء الموقف الأميركي – الإسرائيلي مرحّباً بصورة لافتة. وفي منشور على منصّته «تروث سوشال» للتواصل الاجتماعي، أعلن ترمب اتفاق إسرائيل و«حماس»، متابعاً أنه «يعني إطلاق سراح جميع الرهائن قريباً جداً وستسحب إسرائيل قواتها إلى الخط المتّفق عليه». واعتبر الرئيس الأميركي ذلك «الخطوات الأولى نحو سلام قوي ودائم وأبديّ»، بينما أبدى وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر في تصريحات لقناة «فوكس نيوز» أول من أمس (الخميس) التزام إسرائيل بخطة ترمب لإنهاء الحرب في غزة، وفق «رويترز».

هذا، وقالت الناطقة باسم الحكومة الإسرائيلية، شوش بدرسيان، للصحافيين، الخميس، إنه «في غضون 24 ساعة بعد عقد اجتماع مجلس الوزراء، سيبدأ وقف إطلاق النار في غزة»، دون تهديدات أو مراوغات كما حصل مع اتفاقات سابقة.

في ضوء ذلك، قال السفير رخا أحمد حسن، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، ومساعد وزير الخارجية الأسبق، إن «الاتفاق خطة ممتازة، لكن هناك مخاوف من بقية المراحل، وبخاصة أن المرحلة الأولى لم تجب عن كل القضايا الشائكة واكتفت بمسارَي تبادل الأسرى وانسحاب أولي».

أيضاً، ثمة أسئلة شائكة لا بد أنها ستُطرح في المرحلة الثانية، حسب السفير رخا أحمد حسن، وهي تتعلق بحضور «حماس» وسلاحها، وكيفية إصلاح السلطة الفلسطينية، والانتخابات الفلسطينية المقبلة ومشاركة الفصائل فيها، والقبول الأميركي بـ«حل الدولتين»، ومدى التزام إسرائيل بالاتفاق، وأي خطة ستكون لها الغلبة في إعمار القطاع… أهي التي طرحت مصر وقبلت عربياً وإسلامياً ودولياً أم خطة ترمب.

المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزّال، يرى أن المرحلة الأولى شهدت توافقات أميركية – إسرائيلية؛ كون القضايا المطروحة الانسحاب الأولي وتبادل الأسرى لا تمثل أي مشكلة لا لترمب أو نتنياهو، وبالتالي كانا أحرص على إنجاحها، وهكذا حدث الاختراق.

غير أن المحلل السياسي الفلسطيني، سهيل دياب، يرى أن الاختراق إنما حدث نتيجة لتنازلات قُدّمت من الطرفين، لا سيما في قضايا إنهاء الحرب، وتموضع الجيش الإسرائيلي، والمساعدات الإنسانية، والضمانات اللازمة لتسليم الأسرى، في مسار دراماتيكي غير متوقع.

دياب يرى أيضاً أن قطار إنجاز الاتفاق «خرج من محطته الأولى وقد لا يتوقف؛ وذلك بسبب حرص أميركا على مصالحها ومصالح حليفتها إسرائيل في المنطقة، خاصةً بعدما باتت الأخيرة – وفق دياب – معزولة دولياً ويجب إخراجها سريعاً من العزلة بهذا الاتفاق».

قضايا شائكة

من جهة أخرى، لا تزال القضايا الشائكة حاضرة في المشهد بعد إعلان الاتفاق، وأبرزها سلاح المقاومة. ولقد قال أسامة حمدان، القيادي في «حماس»، خلال تصريحات له أول من أمس: «لن يقبل أي فلسطيني بتسليم السلاح وشعبنا أحوج ما يكون للسلاح والمقاومة»، وبالذات، بعد كلام ترمب عن نزع سلاح وانسحاب بعد إطلاق سراح الرهائن.

والملاحظ هنا أن ترمب تهرّب في كلامه أيضاً من مسار «حل الدولتين» المتصاعد دولياً، بل قال إنه «لا رأي له» في إمكان حل لدولتين بعد وقف إطلاق النار واتفاق تبادل الأسرى، وإنه سيلتزم بما يتسنى الاتفاق عليه في النهاية.

وفي موضوع متصل، قال قيادي في «حماس» لوكالة «أ.ف.ب» الفرنسية، إنّ الحركة ستفرج عن 20 رهينة ما زالوا أحياء دفعة واحدة في مقابل إطلاق إسرائيل سراح أكثر من ألفي معتقل فلسطيني، هم 250 يمضون أحكاماً بالسجن مدى الحياة و1700 اعتُقلوا منذ بدء الحرب قبل سنتين. وكانت مسألة قوائم المعتقلين من النقاط الحساسة في المفاوضات؛ إذ تشمل أسماء تطالب «حماس» بالإفراج عنها في المرحلة الأولى من الهدنة، وفق المصدر ذاته.

وحسب وسائل إعلام مصرية رسمية، تضمّنت القائمة اسم مروان البرغوثي، القيادي في حركة «فتح» المحكوم بالسجن المؤبد منذ 2004، والذي يُعدّ من أكثر الشخصيات الفلسطينية شعبية؛ إذ يصفه مؤيدوه بـ«مانديلا فلسطين». إلا أن ناطقة باسم الحكومة الإسرائيلية قالت بوجود خلافات بشأن مصيره.

ألغام مرتقبة

السفير رخا أحمد حسن، يعتقد أن المرحلة المقبلة «أمام ألغام كبيرة» وعدد من القضايا الشائكة وغيرها، وهي تحتاج إلى حرص كبير لتلافي أي التفاف إسرائيلي حولها وتخريبها.

نزار نزّال، أيضاً يتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة إجابات عن الأسئلة التي لم يجب عنها هذا الاختراق، مثل البرنامج الزمني لوقف الحرب، ومناقشة إدارة القطاع، والضمانات الفلسطينية المطلوبة لوقف إطلاق نار دائم ونزع السلاح. ويوضح «ثمة أسئلة كبيرة أخرى، مثل كيف يمكن تحاشي تكرار نموذج إسرائيل مع لبنان في غزة (الاستهداف الجوي المتكرّر)، وما مدة بقاء القوات الإسرائيلية على الحدود مع مصر وغيرها؟».

والواقع، أنه رغم ترحيب دولتي «الوساطة»، مصر وقطر، بالمسار الذي انطلق، فإنهما بدتا حريصتين في تصريحات رسمية على إبداء مخاوف عدّة في الشرق الأوسط من «انقلاب» إسرائيلي – أميركي على استكمال المسار، وسط تفاصيل لا تزال مبهمة إزاء التوصل إلى وقف نهائي للحرب وإحياء السلام بالمنطقة.

وعلى الرغم من أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قال في بيان، الخميس، إن اتفاق شرم الشيخ «لا يطوي صفحة حرب فحسب، بل يفتح باب الأمل لشعوب المنطقة في غدٍ تسوده العدالة والاستقرار»، فإنه أكد خلال اتصال هاتفي أجراه مع الرئيس ترمب «ضرورة المضي قدماً نحو تنفيذ اتفاق وقف الحرب في قطاع غزة بمراحله كافة»، مع أهمية قيام ترمب بدعم التنفيذ ورعايته، وفق بيان للرئاسة المصرية.

للعلم، وجّه السيسي الدعوة للرئيس ترمب للمشاركة في الاحتفالية التي ستُعقد في مصر بمناسبة إبرام اتفاق وقف الحرب في قطاع غزة، باعتباره «اتفاقاً تاريخياً يتوّج الجهود المشتركة لمصر والولايات المتحدة والوسطاء في الفترة الماضية». ووفق بيان للرئاسة، شدّد الرئيس المصري، خلال لقائه مبعوث واشنطن للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، وكبير مستشاري ترمب جاريد كوشنر، في قصر الاتحادية، على «ضرورة توقف إطلاق النار في القطاع بشكل فوري دون الحاجة إلى الانتظار لحين التوقيع على الاتفاق ذي الصلة».

فصل جديد؟

من ناحية ثانية، ذكر بيان صحافي للخارجية المصرية أن وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أعرب في اتصالات هاتفية مع نظراء عرب وأوروبيين وآسيويين عن «التطلع لأن يصبح التوصل للاتفاق بداية لفصل جديد في المنطقة ينعم فيه الشعبان الفلسطيني والإسرائيلي بالأمن والاستقرار ويفتح الباب لسلام عادل ودائم بينهما».

أما وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية محمد الخليفي، فقال في منشور عبر منصة «إكس»، الخميس، إن المرحلة الجديدة من الاتفاق «تمثل بارقة أمل نحو تهدئة مستدامة، وفرصة لإعادة الاعتبار للأبعاد الإنسانية في غزة، في انعكاس واضح لنجاعة الوساطة المشتركة التي اختارت طريق العقل والحكمة بدلاً من العنف والتصعيد».

وشدد السفير رخا أحمد حسن على أن الدور المصري كبير ويقظ ويتحرك في مسارات عدّة من أجل أن يستكمل المسار بنجاح ورأينا مشاركة مصرية، الخميس، في مؤتمر حل الدولتين بفرنسا لتأكيد هذا الخيار، مشدداً على أهمية أن يكون حضور ترمب للتوقيع مرتبطاً بصفقة شاملة وليس اتفاقاً مرحلياً لتلافي أي ثغرة مستقبلية.

ويعتقد نزّال أن الجدية التي ظهرت بها واشنطن بالمرحلة الأولى من الاتفاق لن تكرر في المراحل المقبلة؛ لأنها جاءت أولاً لدعم مصلحة إسرائيل في إطلاق سراح الأسرى وإحباط موجة الاعترافات الدولية بدولة فلسطين ودعم حصول ترمب على جائزة نوبل.

ويضيف: «لكن المراحل المقبلة صعبة في غزة وقد لا تشهد تبريداً كاملاً للقتال، وهذا سيزيد من أعباء الوسطاء، لا سيما الوسيط المصري الذي يقوم بدور كبير للغاية من أجل إنهاء الحرب».

بالمقابل، يعتقد سهيل دياب أن ترمب يمضي في خطوة استراتيجية وليست تكتيكية؛ إدراكاً لمصالحه في هذا الإطار مع دول المنطقة، وأنها باتت مهددة، منبهاً بأن مساحة تلاعب نتنياهو بالاتفاق باتت صفرية أمام الموقف الأميركي وضغط الداخل الإسرائيلي وليس أمامه غير التسليم بالمرحلة المقبلة والاستعداد للانتخابات في 2026 باستراتيجية جديدة غير الحرب، خاصة بعد تسلم الأسرى وانتهاء الذريعة الأكبر لاستمرار القتال. شدّد السيسي على «ضرورة توقف النار في القطاع فوراً من دون انتظار التوقيع»

“);
googletag.cmd.push(function() { onDvtagReady(function () { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); }); });
}

شاركها.
Exit mobile version