بالتعاون مع وزارة الصحة ومنظمتي الصحة والعمل الدوليتين..
❖ نشوى فكري
■ خلود الكبيسي: تأهيل ممثلين عن 100 شركة في قطر ليكونوا مدربين في مجال الصحة النفسية
أطلق صندوق دعم وتأمين العمال مبادرة «تمكين العمال في مجال الصحة النفسية»، برعاية الصندوق، وبالتعاون مع وزارة الصحة العامة، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة العمل الدولية، ومبادرة Gulf Good Vibes، وذلك بحضور نخبة من المسؤولين والخبراء المحليين والدوليين. وبهذه المناسبة أكدت خلود الكبيسي، مديرة صندوق دعم وتأمين العمال في كلمتها، أن هذه المبادرة تنطلق من إيمان راسخ بأن مفهوم العمل اللائق لا يكتمل دون توفير بيئة تحترم الصحة النفسية للعامل، وتوفر له الدعم اللازم نفسيًا وجسديًا على حد سواء. وأشارت إلى أن المبادرة ستشمل تدريب وتأهيل ممثلين عن 100 شركة في دولة قطر، ليكونوا مدربين في مجال الصحة النفسية داخل مؤسساتهم، وقادرين على تقديم الدعم الأولي لزملائهم، ونشر التوعية بأهمية العناية بالصحة النفسية في بيئة العمل.
وأضافت الكبيسي: «نحن لا نسعى فقط لتحسين ظروف العمل، بل نطمح إلى تمكين العامل ومنحه الأدوات والمعرفة التي تساعده في الحفاظ على توازنه النفسي، وفي الوقت ذاته دعم زملائه والمساهمة في بناء ثقافة مؤسسية قائمة على التعاطف والاحترام المتبادل.» وشددت على أن دمج العامل في بيئة يشعر فيها بأنه شريك في النجاح، تُحترم فيها احتياجاته وتُقدَّر جهوده، هو ركيزة أساسية لأي منظومة إنتاجية ناجحة. وقالت: “الصحة النفسية ليست رفاهية، بل حجر أساس للإنتاجية والاستدامة. والعامل الذي يتمتع بصحة نفسية جيدة هو عامل قادر على الإبداع والعطاء وبناء اقتصاد أكثر عدلاً وإنسانية.”
– جلسة نقاشية
وشهدت المبادرة جلسة نقاشية شارك بها عدد من المختصين حول «أهمية الصحة النفسية في بيئات العمل»، لتسليط الضوء على البعد الإنساني في منظومة العمل، فقد أكد المشاركون أن الصحة النفسية لم تعد قضية ثانوية أو ترفاً مؤسسياً، بل أصبحت جزءاً أصيلاً من مقومات العمل اللائق، لكونها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالإنتاجية، والاستقرار، والقدرة على التفاعل الإيجابي مع تحديات الحياة المهنية.
وقد تناولت الورشة محاور متعددة، أبرزها كيفية التعرف المبكر على مؤشرات التوتر والقلق والإرهاق النفسي في مواقع العمل، وآليات التدخل والدعم النفسي الأولي، إضافة إلى بناء ثقافة مؤسسية قائمة على التعاطف، والإنصات، والاحتواء. وشدد الخبراء على أن الاستثمار في الصحة النفسية ليس فقط مسؤولية أخلاقية، بل خطوة استراتيجية نحو تحسين الأداء المؤسسي والارتقاء بجودة حياة العامل، مما يعزز من استدامة الموارد البشرية ويخلق مناخاً مهنياً أكثر توازناً وإنسانية.
– ريانة بوحقة: الدعم النفسي في بيئة العمل ضرورة وليس خياراً
عبّرت السيدة ريانة بو حقة ممثلة عن المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العامة عن بالغ تقديرها لهذه المبادرة المهمة، مشيدة بجهود كافة الأطراف المشاركة، ومؤكدة على أن الصحة النفسية تمثّل إحدى الركائز الأساسية للصحة العامة المتكاملة. وقالت:»نحن جميعاً لمسنا خلال جائحة كوفيد-19 كيف تأثرت الصحة النفسية للأفراد والمجتمعات، وتأكدنا من ضرورة تعزيز قدرات الأفراد والمؤسسات، لا سيما وزارات الصحة ومقدمي الرعاية، على التعامل مع التحديات النفسية.»
وأضافت: «إذا لم نُعطِ جميع المعنيين من مديرين ومسؤولين ومنظمين للعمل والمسؤولين عن العلاقات الإنسانية والمعنيين بالصحة النفسية في مواقع العمل، القدرات اللازمة لفهم متى يحتاج شخص ما للمساعدة، أو متى يكون قد دخل في دوامة تفكير سلبية أو حالة من القلق المُرهق، فإننا نفوّت فرصة جوهرية في الرعاية والتمكين.» وأشارت إلى أن بيئة العمل هي امتداد للمجتمع، وهي المكان الذي يقضي فيه الإنسان أغلب ساعات يومه، لذا فإن توفير الدعم النفسي في بيئة العمل ضرورة وليس خياراً. وقالت:»في بعض الأحيان، نجد أن زملاء العمل يصبحون بمثابة عائلة ثانية. لذا، يجب تمكين الأفراد من أدوات الرعاية الذاتية، ومن معرفة المسارات الآمنة للدعم النفسي «.
وأضافت أن هذه المبادرة تمثل نموذجاً يُحتذى به لدول أخرى، وأن صندوق دعم وتأمين العمال في قطر نجح في صياغة برنامج متكامل، يرتكز على التدريب والتمكين، ويهدف إلى خلق استجابة سريعة وفعّالة لتحديات الصحة النفسية، مشيرة إلى أن البرنامج يمثل نوعاً من «الرعاية الأولية» النفسية التي تنبع من داخل بيئة العمل. وختمت كلمتها بالتأكيد على أهمية هذا التوجه، قائلة: «كلنا نساعد بعضنا البعض، وهذا البرنامج هو تجربة تعليمية متبادلة، نأمل أن تعمم لتكون نموذجاً ناجحاً يحتذى به في المنطقة والعالم.»
– سعد النابت: التحول الرقمي ركيزة أساسية في تعزيز بيئة العمل
لفت الأستاذ سعد النابت، مدير إدارة الصحة والسلامة المهنية، أن مفهوم السلامة المهنية يشهد تحولًا عميقًا، حيث لم يعد مقتصرًا على حماية الجسد من الأخطار الظاهرة، بل امتد ليشمل الصحة النفسية والعقلية، والتأثيرات البيئية والمناخية التي تواجه العامل في ظل تسارع تطورات الحياة المعاصرة.
وأشار النابت، في كلمته، إلى أن الاهتمام بالصحة النفسية في بيئات العمل بات ضرورة تنموية مدعومة من رؤية قطر الوطنية 2030، ومترجمة في استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة (2024–2030)، ومتقاطعة مع أهداف التنمية المستدامة، خاصة تلك المرتبطة بالصحة والعمل اللائق. وأوضح أن الضغوط المتزايدة في بيئة العمل، والتقاطع بين الطموحات الشخصية والإرهاق المهني، باتت تفرض على المؤسسات مسؤولية مضاعفة تجاه موظفيها، ليس فقط من حيث الوقاية، بل أيضًا من حيث دعم الصحة العقلية والرفاه النفسي.
وأكد النابت أن التحول الرقمي الذي تقوده الدولة، عبر استراتيجيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء التي تتبناها وزارة المواصلات والاتصالات، يمثل ركيزة أساسية في تعزيز بيئة العمل الآمنة، وقال إن استخدام الحساسات الذكية أصبح وسيلة فاعلة لرصد مستويات الإجهاد والإنهاك، مما يتيح للمشرفين والمختصين التدخل الإيجابي في الوقت المناسب، بما يعزز من كفاءة الأداء ويحمي الإنسان. وشدد على أن العلاقة بين التكنولوجيا وسلامة العاملين لم تعد علاقة رقابة فقط، بل تحولت إلى علاقة تكامل، تسهم في بناء مواقع عمل آمنة، تصان فيها كرامة الإنسان، وتُحتضن فيها طاقاته، ويُصان فيها وجدانه، مختتماً كلمته بالدعوة إلى استمرار الجهود نحو خلق بيئة عمل تراعي الإنسان، وتحفظ توازنه، وتدعم إنتاجيته في إطار من الكرامة والسلامة والوعي الشامل.
– مايكل كنذركس: خطوة رائدة نحو دمج الصحة النفسية مع العمل
عبّر السيد مايكل كنذركس، ممثل منظمة العمل الدولية، عن فخره بالشراكة القائمة مع دولة قطر، والتي تمثّل نموذجاً للتعاون الدولي من أجل النهوض ببيئات العمل وتعزيز الحقوق الأساسية للعمال، وعلى رأسها الحق في الصحة النفسية والدعم المؤسسي الشامل.
وقال السيد مايكل: «نشعر بامتنان عميق لهذه الشراكة التي جمعتنا بصندوق دعم وتأمين العمال، ووزارة الصحة العامة، ومنظمة الصحة العالمية، والجهات الوطنية المعنية في دولة قطر. إن هذه المبادرة تشكل خطوة رائدة نحو دمج الصحة النفسية ضمن مكونات العمل اللائق، وهو من صلب أولويات منظمة العمل الدولية.”
وأشار إلى أن المبادرة تعكس التزاماً صادقاً بكرامة الإنسان في مواقع العمل، مضيفاً: إن تمكين العامل لا يقتصر على توفير بيئة عمل آمنة جسدياً فقط، بل يشمل أيضاً تمكينه نفسياً وعاطفياً، وضمان وجود آليات دعم داخل المؤسسة تساعده على الاستقرار والاندماج والعطاء، مؤكدا أن مثل هذه الجهود تنسجم تماماً مع معايير منظمة العمل الدولية.
– فيليكس تشيرويوت:المبادرة نقلة نوعية في الرؤية المؤسسية
أكد السيد فيليكس تشيرويوت، المدرب المختص في الصحة العقلية، على أهمية التدريب كخطوة محورية نحو بناء بيئات عمل أكثر وعياً واحتضاناً للعامل، ليس فقط من الناحية الجسدية، بل النفسية أيضاً.
وقال السيد فيليكس: من خلال خبرتي في مجال الصحة النفسية، أستطيع أن أؤكد أن الكثير من التحديات التي يواجهها العامل اليوم لا ترتبط فقط بعبء العمل، بل ترتبط ارتباطاً مباشراً بغياب آليات الدعم النفسي، ونقص الوعي الداخلي لدى المؤسسات بكيفية التعامل مع الضغوط النفسية.
وأشار إلى أن هذه المبادرة تمثل نقلة نوعية في الرؤية المؤسسية، حيث تنقل الصحة النفسية من الهامش إلى المركز، وتمنح العامل حقه في الشعور بالأمان الداخلي والقدرة على التعبير والتوازن. وأضاف: إن تأهيل ممثلين من مائة شركة في قطر ليصبحوا مرشدين ومدربين في مجال الصحة النفسية، هو خطوة عميقة الأثر، لأنها تخلق شبكة دعم من داخل المؤسسة نفسها، وتجعل من كل موظف حلقة في سلسلة التوعية والمساندة.
وتابع: إن بناء بيئة عمل صحية نفسياً ليس رفاهية، بل هو استثمار طويل الأمد في الإنسان، وفي استقرار الأداء، وفي خلق مجتمعات عمل قائمة على التراحم والدعم المشترك.