النفط – صورة تعبيرية
لم تفق أسواق الطاقة العالمية من الاضطرابات التي صدرتها الحرب الروسية الأوكرانية، لتدخل في دوامة جديدة من الحسابات المعقدة مع بدء عملية /طوفان الأقصى/ والتهديدات بإمكانية نقص المعروض من النفط في الأسواق بسبب الاضطرابات التي قد تلحقها الحرب الدائرة حاليا في قطاع غزة، خاصة مع وصول حاملة الطائرات الأمريكية /يو أس أس جيرالد فورد/، إلى شرق البحر المتوسط.
ويهدد تصاعد الموقف في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بزعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط الأوسع نطاقا، فيما تراقب سوق النفط العالمية ما يحدث عن كثب. ويثار حاليا العديد من الأسئلة حول العواقب الجيوسياسية لهذا الصراع، الذي اندلع بعد 50 عاما من حرب 6 أكتوبر 1973 التي أشعلت أزمة النفط في السبعينيات، ولا توجد مؤشرات على أن تداعيات الوضع الحالي ستشبه ما حدث في ذلك الحين، لكنها قد تغير المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط بطرق غير متوقعة.
وفي هذا السياق، حددت وكالة /بلومبرج/ في تقرير لها نشر اليوم عدة اعتبارات جيوسياسية رهنتها بحجم الرد الإسرائيلي، واعتباراتها الأكثر إلحاحا بالنسبة لمتداولي النفط، في مقدمة تلك الاعتبارات ما أسمته بـ/إنفاذ العقوبات/، وقالت “يسود اعتقاد على نطاق واسع في سوق النفط بأن الولايات المتحدة غضت الطرف عن إنفاذ بعض العقوبات المفروضة على تدفقات النفط الإيرانية إلى حد ما مؤخرا، ما سمح للشحنات الإيرانية بالارتفاع، وهو ما ساهم في ترويض أسعار النفط في السوق بعد الخفض الكبير للإمدادات من السعودية وروسيا وبقية أعضاء تحالف أوبك بلس”.
ويرى مراقبون وفقا لـ/بلومبرج/ أن عواقب أي خطوة أمريكية محتملة قد تؤدي إلى قطع تدفق النفط الإيراني، ما يعزز الطلب على النفط الروسي، وهي نتيجة لا ترغب فيها واشنطن أو دول مجموعة السبع الأخرى، بينما تحاول عرقلة وصول موسكو إلى عائدات النفط.
علاوة على ذلك، فإن أي تحرك لتضييق الخناق على الإمدادات الإيرانية، من شأنه أن يؤدي إلى تشديد سوق النفط، وهو قرار صعب قبل انطلاق الانتخابات الرئاسية الأمريكية العام المقبل.
جانب آخر من العناصر المؤثرة على اضطرابات أسواق النفط العالمية، ملف الشرق الأوسط بالنسبة للإدارة الأمريكية، فحتى نهاية الأسبوع الماضي، كانت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تعتمد على بقاء الشرق الأوسط هادئا نسبيا بينما تسعى بهدوء إلى تحقيق أهدافها السياسية الرئيسية هناك المتمثلة في حل الملف النووي مع إيران.. لكن هذه الآمال تبددت مع الاضطرابات التي تشهدها المنطقة حاليا.
وبعد تجنب التدخل في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي يستعصي على الحل، يجد بايدن نفسه الآن مدفوعا إلى أزمة من المرجح أن تعيد تشكيل سياسته في الشرق الأوسط، وفي تحالف قد لا يشعر فيه بالارتياح مع بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي اليميني المتطرف.
ويعد الوضع الحالي محفوفا بالمخاطر من الناحية السياسية بالنسبة لرئيس يسعى لإعادة انتخابه عام 2024، ويمكن أن تترتب عليه آثار كبيرة على أسعار النفط العالمية ويوجه موارد الولايات المتحدة واهتمامها بعيدا عما كان حتى الآن يمثل التحدي الأبرز في سياسته الخارجية ألا وهو حرب روسيا وأوكرانيا.
ويرى أجاي بانغا رئيس البنك الدولي أن الأثر الفوري المباشر للصراع الإسرائيلي الفلسطيني أقل من أثر الحرب الروسية الأوكرانية بسبب عدم تأثر صادرات النفط والغذاء والأسمدة، إلا أنه وصفه بـ”صدمة اقتصادية عالمية ” لا ضرورة لها، مؤكدا أنه سيجعل من الصعب على البنوك المركزية تحقيق خفض سلس للتضخم في اقتصادات عديدة إذا انتشر.
وتوقع حدوث تأثيرات سلبية على اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وخارجها، بسبب الحرب الدائرة حاليا في قطاع غزة، وذكر أن الحرب ستكون واقعا على اقتصادات المنطقة وخارجها، بسبب ارتفاع أسعار النفط وغياب الاستقرار السياسي.
وخفض صندوق النقد الدولي أمس /الثلاثاء/ توقعاته لنمو اقتصادات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بمقدار 0.5 بالمائة إلى 2 بالمئة، مقارنة مع التقديرات السابقة الصادرة في يوليو الماضي، لكن هذه التقديرات جاءت بناء على الاضطراب الحالي في قطاع غزة.
وذكر صندوق النقد الدولي أن ارتفاع أسعار النفط بنسبة 10 بالمئة بسبب الحرب، سيؤدي لخفض الناتج العالمي بنحو 0.2 بالمئة العام المقبل بالإضافة إلى زيادة التضخم العالمي 0.4 بالمئة.
وبالنظر إلى تعاملات أسواق النفط الفورية في الوقت الحالي، فحتى صباح اليوم لم يطرأ تغير يذكر على أسعار النفط في التعاملات الآسيوية المبكرة، مع انحسار المخاوف من احتمال انقطاع الإمدادات بسبب الصراع بين الكيان الإسرائيلي وحركة حماس الفلسطينية.
وارتفع خام برنت 12 سنتا إلى 87.77 دولار للبرميل. كما صعد خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي ثلاثة سنتات إلى 86 دولارا للبرميل.
وكان الخامان القياسيان قد ارتفعا أكثر من 3.50 دولار يوم الإثنين، إذ أثارت الاشتباكات العسكرية مخاوف من أن الصراع قد يمتد إلى ما هو أبعد من قطاع غزة، ولكنهما أغلقا على انخفاض في جلسة الثلاثاء.
وأثارت الأزمة المتفاقمة صدمة في أسواق الأسهم العالمية على الرغم من أن شركات الطاقة تلقت دعما من ارتفاع أسعار النفط التي أدت إلى ارتفاع أرباحها وإيراداتها.
وينتاب المستثمرين قلق متزايد من أن يكون الانتقام من جانب إسرائيل – كما يحدث حاليا بالفعل – شديدا ومن أن يزيد التوترات بين إسرائيل والعديد من الدول الأخرى حول المنطقة.
ويتوقف مدى تأثير الصراع بالنسبة لسوق النفط إلى حد كبير على مجريات الحرب في قطاع غزة خلال الأيام أو الأسابيع أو الأشهر المقبلة. وإذا تصاعد الصراع سيؤثر ذلك على إمدادات النفط في نهاية المطاف، أو يرفع أسعار الخام لفترة طويلة، وقتها سيمنح ذلك مبررا للحكومة الأمريكية للإفراج عن مزيد من احتياطي البترول الاستراتيجي.
وقد يروض ذلك تقلبات أسعار النفط على المدى القصير، ولكن ستضطر الولايات المتحدة إلى تجديد مخزونها في مرحلة ما مستقبلا.
ورغم كل هذه المخاطر المحدقة، ما يزال هناك احتمال ألا تؤثر هذه الحرب بقوة على سوق النفط، حيث لم تتسبب الاضطرابات التي شهدتها المنطقة مؤخرا في ارتفاعات مستدامة بأسعار النفط، ويريد المتداولون دليلا ملموسا على أنها ستؤثر بشكل أساسي على الإمدادات، وعادة لا يحدث ذلك في مثل هذه الاضطرابات.
ومن واقع الأزمات السابقة التي شهدها العالم، ومدى تأثر أسواق النفط العالمية بهذه الاضطرابات، يشير التحليل التاريخي إلى أن أسعار النفط تشهد عادة مكاسب مستدامة بعد أزمات الشرق الأوسط.