تسهّل الساعات الذكية التي تصنعها شركات مثل «أبل» و«غارمين» رؤية الرقم الذي يعكس اللياقة البدنية لكم بدقّة أكبر من عمركم الحقيقي: «السعة القصوى للأكسجين»؛ أي كميّة الأكسجين القصوى التي يستطيع الجسم استهلاكها خلال التمارين الرياضية الشديدة.
بيانات متفاوتة
يقول الخبراء: «كلّما ارتفعت السعة القصوى للأكسجين، زادت رشاقة القلب والأوعية الدموية». في الماضي، كان الرياضيون المحترفون فقط يجرون اختبار «سعة الأكسجين القصوى (VO2max test)» التقليدي الذي يتطلّب ارتداء أجهزة استشعار مزعجة أثناء ممارسة التمارين داخل مختبر. أمّا اليوم، فقد بات بإمكان الجميع الحصول على تقديرٍ لهذه السعة بارتداء ساعة ذكية والتحرّك في الأرجاء. ولكن هل يصحّ الوصول دائماً إلى معلومات من هذا النوع؟ وما مدى دقّة الأجهزة القابلة للارتداء؟ في الأشهر الخمسة الماضية، غرقتُ في دوّامة «السعة القصوى للأكسجين» وعرفتُ بعض الحقائق غير المريحة عن صحّتي ومحدودية الساعات الذكية.
أولاً؛ دعوني أخبركم عن مشواري في عالم الرشاقة. بعد إشعار مزعج من ساعة «أبل» الذكية ينبئني بأنّ معدّل ضربات قلبي مرتفع، بدأتُ ممارسة التمارين الرياضية الكثيفة. وبعد 5 أشهر من حرق الدهون وتنمية العضلات وتحسين الطاقة، حصلتُ على تقدير 40 لسعة الأكسجين القصوى من ساعة «أبل»، و45 من ساعة «غارمين». ولكنّني مع ذلك أجريتُ «اختبار سعة الأكسجين القصوى التقليدي»، وهنا حصلتُ على الخبر السيئ، بتقدير 25 فقط، الذي يعدّ ضعيفاً وأقلّ بكثير من تقدير الساعات الذكية. وحول هذا الموضوع، يقول الدكتور إيثان ويس، طبيب القلب من سان فرنسيسكو والذي عكف على دراسة التقنيات القابلة للارتداء لسنوات: «من جهة؛ يُحسب لهذه الساعات أنّها تشجّع الناس على تحريك أنفسهم وممارسة الرياضة. ولكن من جهة أخرى، قد تكون معلوماتها مضلّلة وتسبب لمستخدميها الصدمة كما حدث معك». لحسن الحظّ، بعد دراسة جميع البيانات، وفهم طريقة عمل الأجهزة القابلة للارتداء والتحدّث مع خبراء الصحة، توصّلتُ إلى خلاصة إيجابية: حتّى ولو كانت أرقام الساعة الذكية خاطئة، فغالباً ما تكون تقديراتها صحيحة في الخطوط العريضة. بمعنى آخر، يبقى ارتداؤها أفضل بكثير من عدمه.
نظرة أعمق
الشهر الماضي أعلن مختبر «PNOĒ» لدراسة التمثيل الغذائي عن تقديمه اختباراً «عيادياً» لسعة الأكسجين القصوى يهدف إلى قياس استهلاك الأكسجين الأقصى في مرحلة الإنهاك التام خلال التمرين. يُعدّ هذا القياس – أي قدرة الشخص على تنفس الأكسجين وإنتاج ثاني أكسيد الكربون خلال التمرين – مؤشراً قوياً على صحّة القلب والأوعية الدموية.
يختلف هذا الاختبار، الذي يتطلّب ارتداء قناع أكسجين ويُجرى في مرحلة الإرهاق، كثيراً عن طريقة تقدير الأجهزة القابلة للارتداء لسعة الأكسجين القصوى؛ إذ تدرس ساعتا «أبل» و«غارمين» معدّل نبض القلب والحركة أثناء المشي أو الجري لعشر دقائق في الأقلّ وتعطيان النتيجة.
كشفت شركتا «أبل» و«غارمين» عن أنّهما أجرتا دراسات شملت أشخاصاً في أثناء إجرائهما «اختبار سعة الأكسجين القصوى العيادي» وتمارين أخرى، ودرستا معدّل ضربات قلوبهم وقياسات أخرى عدّة. ولكنّ الكلمة المفتاح هنا هي «تقدير»، أي إنّ الساعتين لا تقيسان فعلاً استهلاك الأكسجين، وبالتّالي لا تقيسان سعة الأكسجين القصوى. من جهته، عد الدكتور ويس أنّ اختبار الساعتين الذكيتين هو «تقدير تقريبي لسعة الأكسجين القصوى بأفضل حالاته؛ لأنّ الشخص الذي يخضع للاختبار لا يضع قناعاً للأكسجين ولا يصل إلى درجة إرهاق نفسه». السبب البسيط خلف الاختلاف الفاقع بين تقديرات الساعتين الذكيتين و«اختبار سعة الأكسجين القصوى العيادي» الذي أجريته هو أنّ طريقة عمل جسدي غير مطابقة لأنماط استهلاك الأكسجين ونبض القلب للمشاركين في دراسات «أبل» و«غارمين»، وهنا تكمن خطورة الثقة الزائدة بالخوارزميات. لم يترك لي هذا الأمر خياراً سوى قبول الحقيقة الصعبة، وهي أنّ سعة الأكسجين القصوى لدي منخفضة جداً.
خلاصة إيجابية
في النهاية، أجمع خبراء الصحة الذين قابلتهم على أنّ بيانات الأجهزة القابلة للارتداء – ولو أنّها خاطئة في معظمها وسببت لي القلق – أوصلتني في النهاية إلى خلاصة إيجابية، حيث حثّتني ساعة «أبل» على الانتباه أكثر إلى صحّتي وأصبحت اليوم أفضل. علاوة على ذلك، أبرزت التوجهات العامّة أنّ الأجهزة القابلة للارتداء كانت دقيقة. قبل أشهر، وبعد الجائحة وتأثيرها المروع على جسدي وصحّتي النفسية، وصلتُ إلى أسوأ حالاتي وكانت أرقام الساعة الذكية منخفضة جميعها. الآن، ورغم أنّ أرقام الساعة ليست جميعها مرتفعة، أشعر أنّني أفضل شكلاً ومضموناً، وهذا ما يهمّني.
لذا، سواء أكنتم تستخدمون أحد هذه الأجهزة لقياس تقدّمكم في خسارة الوزن، أم للحصول على مزيد من النوم، أم للسير لخطوات إضافية، فراقبوا الأرقام إذا ارتفعت أو انخفضت، ولكن لا تتأثّروا بها كثيراً؛ لأنّ العوامل التي قد تؤثر على دقّتها كثيرة: السوار المرتخي، أو عطل في أحد أجهزة الاستشعار، أو خوارزمية شائبة (كما حدث معي).
وأخيراً؛ يعدّ الخبراء أنّ التوجهات هي المهمة وليست الأرقام؛ لأنّ هذه الأدوات ليست دقيقة.
* خدمة «نيويورك تايمز»