7/2/2024–|آخر تحديث: 7/2/202403:07 م (بتوقيت مكة المكرمة)
من المعروف أن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين لم يكن المحاولة الأولى لإنشاء دولة ليهود العالم؛ إذ سبق الإعلان عن تأسيس دولة إسرائيل في 14 مايو/أيار 1948 عدة محاولات على مدار القرنين التاسع عشر والعشرين.
فكانت هناك تجارب سوفياتية للحكم الذاتي اليهودي في منطقة أوبلاست التي أسسها جوزيف ستالين في العام 1934، وعاصمتها بيروبيجان.
كما سعت حركات قومية يهودية لتأسيس مناطق للحكم الذاتي في أوكرانيا أيضاً.
إلا أن ما لا يعرفه كثيرون، أن اليهود سعوا لتأسيس دولة في مدينة نيويورك الأميركية، فيما كان يُعرف بمشروع دولة “أرارات”.
مردخاي.. الأب الروحي لدولة اليهود الأميركية
تعود فكرة دولة “أرارات” إلى مردخاي مانويل نوح الذي وُلد عام 1785 في ولاية فيلادلفيا بعد سنوات قليلة من نهاية حرب الاستقلال مع بريطانيا.
توفيت والدته في سن مبكرة، وعاد والده إلى وطنه الأم ألمانيا، فتربى نوح وشقيقه على يد أجدادهما من جهة الأب، وكانوا ينتمون إلى النخب الأميركية الحديثة.
وعلى الرغم من أنهم كانوا من أصل أشكنازي (يهود أوروبا)، فإن نوح كان يفضل دائما تسليط الضوء على أصله البرتغالي من جانب جده لأمه، إذ شعر أن هذه الخلفية كانت أكثر نبلاً من الأصول الألمانية المرتبطة بالهجرة الجماعية في ذلك الوقت.
درس نوح القانون، وحصل على وظيفة في وزارة الخزانة الأميركية بعد تعرفه على ثري يُدعى روبرت موريس، وشغل لاحقا سلسلة من المناصب السياسية، بما في ذلك منصب شريف نيويورك.
في العام 1813، عين الرئيس الرابع للولايات المتحدة جيمس ماديسون، قنصلا أميركياً في تونس، لكن تمت تنحيته من هذا المنصب بعد 3 سنوات فقط بسبب يهوديته التي اعتُبرت “غير مناسبة للتواصل مع مواطني دول شمال أفريقيا”، وأنها تشكل “عقبة دبلوماسية في المجتمع ذي الغالبية المسلمة”.
شراء قطعة أرض لإنشاء المشروع اليهودي
بعد عودته من تونس، استقر نوح في مدينة نيويورك. وفي العام 1824، أقنع صديقه الثري صامويل ليغيت، بشراء نحو خُمس مساحة جزيرة غراند آيلاند القريبة من شلالات نياغرا والمتاخمة للحدود الأميركية مع كندا، والتي تبلغ مساحتها الكلية نحو 73 كيلومترا مربعا، لتكون مقراً للمهاجرين اليهود.
تطلع الدبلوماسي السابق إلى أن تأسيس مستقر دائم -أو حتى مؤقت- يوفر فرصا واسعة لمعتنقي الديانة التي كان يرى أنهم مشتتون ومضطهدون حول العالم.
تمكن نوح من جمع ما يكفي من تبرعات اليهود لشراء قرابة 9.8 كيلومترات مربعة لتشييد مشروعه، معتبراً أن أميركا مكان مناسب لتأسيس دولة موحدة لليهود في ذلك الوقت، لأنها تأسست بالفعل على أن تكون ملاذا آمنا للمهاجرين واللاجئين من جميع أنحاء العالم، واستقبلت ملايين المهاجرين خلال القرن التاسع عشر.
سخرية من “الحاكم الأوحد”
كان مخطط نوح هو شراء ما تبقى من جزيرة غراند آيلاند تدريجيا مع ازدهار المشروع ونموه؛ إما كي يكون موطنا دائما، أو حتى ملجأ مؤقتا لليهود لحين تأسيس دولة لأبناء ملّته في فلسطين، فقام بنشر فكرة المشروع لجمع الدعم المادي واستقطاب اليهود لوطنهم الجديد.
بدأ الرجل بالفعل في نشر نداءات إلى الجاليات اليهودية في جميع أنحاء أوروبا لدعم مشروعه، لكن الرد كان فاترا.
ثم نصّب نفسه حاكما لليهود الأميركيين في مدينته الوليدة، وفي حفل خاص أقامه في مدينة بافالو المتاخمة لنيويورك، أُعلن “الاستقلال اليهودي”، وأعلن مردخاي نفسه “الحاكم والقاضي المعين لإسرائيل”، وأعلن تدشين “دولة أرارات”.
وفي الاسم المختار للدولة، هناك إشارة ضمنية لاسم نوح الأول، إذ يُعتقد أن “أرارات” هو اسم الجبل الذي رست عليه سفينة نوح عليه السلام بعد الطوفان بحسب المعتقدات اليهودية.
كما أن في الاسم إشارة للوعد بأن الدولة الجديدة ستكون ملاذا لليهود في جميع أنحاء العالم. حتى إنه قام بتعيين حاخامات وزعماء الجالية في أوروبا لجمع ضرائب من جميع اليهود لتمويل إنشاء “أرارات”، وأمر اليهود في “الأراضي الأجنبية” حول العالم بالبقاء مخلصين لدولته.
أثارت خطة نوح بعض السخرية، واتهمه يهود أميركيون وسياسيون يمينيون بمحاولة خداع اليهود الأوروبيين الأثرياء وتحقيق مكاسب مادية على حسابهم، لذلك لم تحظ “دولته” بالدعم وبحركة الهجرة التي ترنو إليها، فاضطر للتخلي عن الفكرة بعد الرفض العام الذي وجده.
مشروع دولة “أرارات” باء بالفشل
بعد فشل مشروع دولة “أرارات”، اشترى أحد المستثمرين جزيرة غراند آيلاند في العام 1833 للاستفادة من غاباتها الرخيصة. وبعد 20 عاماً، بدأت الجزيرة بالتخلي عن طابعها اليهودي، بعد انتقال نحو 18 ألف شخص من مختلف المعتقدات للإقامة فيها.
ويُرجع خبراء ومؤرخون فشل مشروع الدولة اليهودية على أرض أميركية إلى عدم الحاجة إليه بالأساس، إذ لم يكن المهاجرون اليهود القادمون من ألمانيا بحاجة إلى الاستقلال في “غيتو” جديد، خصوصاً أنهم نجحوا في الاندماج بالمجتمع الأميركي.
ورغم انهيار مخطط نوح لإنشاء دولة اليهود الموحدة، فإنه بقي أحد الشخصيات الهامة لدى اليهود الأميركيين، إذ منحه الحزب الديمقراطي مناصب شرفية عديدة إلى حين وفاته في عام 1851.