القاهرة – تسعى الحكومة المصرية لاستعادة مكانة الأب في الأسرة عبر مبادرة “الأب القدوة”، التي أعلنت عنها وزارة التضامن الاجتماعي منتصف يونيو/حزيران الجاري، بعد تكرار وقائع عنف صادمة أخيرا من آباء ضد أبنائهم وزوجاتهم، وصلت إلى القتل والإيذاء الجسدي والجنسي.
وبحسب متخصصين، فإن المبادرة الحكومية تحتاج إلى العناية بتوفير إمكانات تعين الأب على استعادة دوره التوجيهي والقيادي في الأسرة، مع الاستمرارية في الاحتفاء بالنماذج الناجحة الإيجابية وتكريمها.
وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج أعلنت أن المبادرة تسعى إلى استعادة الدور الأبوي داخل الأسر للقيام بالرعاية والحماية، لا سيما مع زيادة التحديات والصعاب التي أصبحت تواجه الأسرة وتزعزع علاقات أفرادها، سواء بين الزوج والزوجة، أو بين الأب وأولاده.
25 مليون أب مصري
وتكشف الإحصاءات الرسمية وجود 25 مليون أب مصري، وفق أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (جهة حكومية) في مايو/أيار الماضي، إذ بلغ عدد الأسر في مصر 25.8 مليون أسرة، بينها 17% أسر تترأسها سيدة (امرأة معيلة تقوم على رئاسة الأسرة لأي سبب)، بينما غالبية الأسر يترأسها رجل بنسبة 83%.
وبحسب دراسة لهيئة الاستعلامات المصرية (جهة حكومية تتبع رئاسة الجمهورية)، فإنه يوجد بمصر ما لا يقل عن 12 مليون امرأة معيلة، أصبحن مسؤولات عن أسرة بأكملها، أيا كان عدد أفراد هذه الأسرة، وبعضهن لديهن زوج لا يعمل.
ووفق أرقام آخر عام إحصائي (2021)، فإن 31% من المتزوجات تعرّضن لنوع من العنف الجسدي أو الجنسي أو النفسي على أيدي أزواجهن.
ووثقت دراسة حديثة للمجلس القومي للأمومة والطفولة (جهة حكومية) وجود 93% من الأطفال في مصر تعرضوا للعنف حتى سن 14 عاما، 70% منهم يتعرضون للعنف في المنزل، مقارنة بـ14% في المدارس.
وأوضحت آمال زكي مستشارة وزيرة التضامن الاجتماعي في مصر أن مبادرة “الأب القدوة” تأتي لترسيخ دور الأب في الأسرة، تزامنا مع الاحتفاء بالتربية الإيجابية و”عيد الأب” الذي تحتفل معظم الدول العربية به يوم 21 يونيو/حزيران من كل عام.
وأكدت أن الوزارة تتوجه بنشاطها إلى الأسرة المصرية ككل، وتقدم دعماً في جميع المجالات عبر نحو مليوني مشروع لتمكين أفرادها اقتصاديا، ورفع دخلهم.
إعادة إبراز النماذج الإيجابية
يرى الأكاديمي ومستشار التطوير الأسري والتربوي في مؤسسة “ملاذ” الدكتور أكرم رضا أن هناك أحداثا خطيرة وحوادث ضخمة -لم تصل بعد إلى مرحلة الظاهرة- عصفت بمكانة الأب المصري، مع تكرار جرائم خطيرة غريبة على تقاليد البلد.
وأعرب رضا، في حديثه للجزيرة نت، عن أمله بأن تنجح المبادرة الحكومية في مساعيها، مقترحا العمل على محور قصير المدى لاستعادة مكانة الأب، يركز على إعادة الاحتفاء به عبر وسائل الإعلام ومؤسسات الدولة، وتعزيز مكانته وإبراز نماذج للأب المثالي الإيجابي، مع العمل على المدى البعيد في تعليم الأطفال في المدارس مفاهيم واضحة عن أدوارهم المستقبلية كأب وزوج أو أم وزوجة.
ويلفت إلى أن الحالة الاقتصادية الصعبة أثرت على مكانة الأب، معتبرا أن أداء المسؤوليات جزء مهم من آليات الحكم على جودة العلاقات. ومع ضيق ذات اليد، لا يستطيع الأب سد حاجات أسرته، مما يُشعره بالعجز والخزي الذاتي ويؤدي إلى اضمحلال قدرته على أدائه دوره التوجيهي في الأسرة، ويدفعه إما إلى الانسحاب وإما التحوّل إلى شخص عنيف.
ويشير المستشار الأسري المتخصص إلى أنه يرصد في عمله ظاهرة في مشكلات المتزوجين حديثا، وهي أن الشاب يتزوج للتجربة لا للاستدامة مع نظرة مادية إلى الأمر، مما أسفر عن غياب مفهومي الأسرة والأبوة لديه، مشيرا إلى أن هناك مشكلات متكررة من مثل: أنانية الأب، ومحاولة الاستئثار بالأم بعد قدوم الابن الأول، وظهور خلافات حادة منبعها تقييم الزوج لعلاقة زوجته به بعد الإنجاب مقارنةً بابنه الوليد.
تقديم الدعم النفسي والتشجيع
من جانبها، تشدّد المستشارة النفسية والاجتماعية الدكتورة رسمية فهمي على أهمية تقديم الدعم النفسي والتشجيع لكل أب يسعى إلى سد حاجات بيته وأسرته في ظل الظروف المادية القاسية في مصر، داعية المبادرة الحكومية إلى العناية بهذه الأبعاد.
وتوضح فهمي، في حديثها للجزيرة نت، أن غالبية التحديات التي تواجه الأب والأم في الأسرة لها أبعاد تربوية سواء في تنشئتهما أو محاولتهما تنشئة أولادهما.
وترى أن دافع الأسر إلى تحقيق الأبناء للتفوق الدراسي من دون تعلّم مهارات الحياة، أو التعرف على الذات والتعبير عن مشاعرهم والتعامل معها، ومعرفة حاجاتهم وملاحظة أفكارهم، أفرز آباء غير مستقرين انفعاليا، يستعجلون الوصول إلى نتائج مثالية ولا يستطيعون تحمّل المشاعر المؤلمة، ويبحثون عن الكمال من دون نقص، مما أثر في البيت كله من أبناء وزوجة. و”يتطلب ذلك عمل الأب على نفسه من جديد، وتلقي الوعي اللازم لإصلاح الحاضر وبناء مستقبل أفضل لأسرته”، وفق رسمية فهمي.
حقوق الأب
يلفت الحقوقي والمستشار القانوني علاء عبد المنصف إلى تضرّر الحقوق الاقتصادية للأب المصري بفعل تأثير الأزمة المالية، مما أضر بموقعه داخل الأسرة، في ظل وجود حاجات مالية لبيته تفوق أي حاجات أخرى لصيقة الصلة بصفته أبا، كالرعاية والتربية.
ويقول عبد المنصف للجزيرة نت، إن المبادرة الحكومية يجب أن تعتني بالحقوق الاقتصادية لإحداث التوازن المطلوب، ودعم حقوق الأب في فرص العمل لتحسين دخله، لأن الدور التمويلي المالي للأب بات الأكثر طلبا في البيوت المصرية عن أي دور آخر. وهذا ما يظهر عند التقاضي في محاكم الأسرة.
ويوضح الحقوقي والمستشار القانوني أن رصد بعض الحقوقيين جرائم العنف الأبوي لا يعني تحوّلها إلى ظاهرة، فتورّط بعض الآباء في العنف الأسري لا يعني وصم كل الآباء بالعنف أو السماح بتصدير أي كراهية ضدهم. وبالتالي، يجب إيلاء الاعتبار لتلك الملاحظة لدى المؤسسات المعنية بحقوق الأسرة، سواء الطفل أو المرأة أو الرجل.