نُشرت مجلة “هوليود ريبورتر” الأميركية تفاصيل جديدة عن وفاة الممثل الأميركي الشهير ماثيو بيري، نجم المسلسل الكوميدي الشهير “فريندز” (Friends)، كشفت فيها عن رحلته الطويلة مع الإدمان وفشله في النجاة رغم كل محاولاته للتعافي.
في أحد فصول مذكرات ماثيو بيري “الأصدقاء والمحبون والشيء الرهيب الكبير” (Friends, Lovers, and the Big Terrible Thing)، روى الممثل الذي اشتهر بأداء شخصية تشاندلر بينغ، قصة إقامته في عام 2021 في منشأة إعادة تأهيل فاخرة من فئة الخمس نجوم في سويسرا.
ولم تكن تلك المحاولة الأولى للتعافي، فقبل أن يسافر إلى جبال الألب، انخرط في 15 برنامج إعادة تأهيل مختلفا للتخلص مع إدمان الكحول والأدوية في كلٍ من ماليبو وفلوريدا ويوتا وغيرها.
رحلة سويسرا وبداية العلاج بالكيتامين
تقول “هوليود ريبورتر” إن التقديرات تشير إلى إنفاق بيري حوالي 9 ملايين دولار على برامج إعادة التأهيل على مر السنين، لكن البرنامج الذي انخرط فيه بسويسرا كان مختلفًا؛ حيث تلقى علاجًا تجريبيا جديدًا. ففي كل يوم، كانت الممرضات يصطحبنه إلى غرفة مظلمة، يجلسونه، ويعصبون عينيه، ويضعون سماعات على أذنيه، ويحقنون في ذراعه محلولًا طبيًا يوصف بأنه علاج معجزة.
كتب الممثل الراحل عن هذه التجربة في مذكراته عام 2022 قائلًا “بينما كنت أستلقي في الظلام الدامس وأستمع إلى الموسيقى، كنت أفقد الإحساس بالواقع وأرى أشياء. كنت قد خضعت للعلاج لمدة طويلة لدرجة أن هذا الأمر لم يكن يفزعني. أوه، هناك حصان؟ حسنًا، لا بأس”.
ويبدو أن هذا الانفصال عن الواقع سرعان ما خرج عن السيطرة، فبحسب الصحافي الأميركي جايسون ماكغهان، فإن أحاسيس بيري بدأت بالتلاشي وأصبح غير قادر على التمييز بين الزمان والمكان. و”أصبح الأمر كله يتعلق بالأنا وموت الأنا”، وتابع “كنت كثيرًا ما أعتقد أنني أموت خلال تلك الساعة. كنت أفكر، أوه، هذا ما يحدث عندما تموت”.
وبحسب صحافي “هوليود ريبورتر”، اتضح أن العلاج الذي كان يتلقاه بيري في سويسرا هو الكيتامين، وهو المخدر الذي أدى في نهاية المطاف إلى وفاته في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
حتى الآن، تبقى وفاة بيري محاطة بالغموض. لم تكن الأحداث المحددة التي أدت إلى وفاته غامضة؛ فقد تم التحقيق فيها بدقة من قبل فريق تحقيق جنائي متعدد الوكالات بقيادة شرطة لوس أنجلوس. نعلم، على سبيل المثال، أنه بعد تلقي بيري الجرعات الأولى من الكيتامين في سويسرا، استمر في تلقيها عند عودته إلى لوس أنجلوس، حيث زار بعض عيادات الكيتامين التي ظهرت بعد دراسات واعدة تشير إلى فعالية هذا المخدر في علاج الاكتئاب والقلق بالإضافة إلى الإدمان.
من المعلوم أيضًا أنه بعد أن رفضت العيادات في لوس أنجلوس زيادة جرعاته، بدأ الممثل الأميركي في تناول المخدر بنفسه في المنزل دون إشراف طبي. وقد تطور شغفه بالكيتامين لدرجة أنه بدأ بشراء كميات كبيرة من السوق السوداء، حيث كان ينفق ما يبلغ 67 ألف دولار شهريًا. وفي 28 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تناول جرعة زائدة، ففقد وعيه في حوض الاستحمام في منزله وغرق.
كما نعلم أن خمسة أشخاص ساعدوه في الحصول على المخدرات واستخدامها، منهم طبيبان، ومنتج أفلام تحول إلى مدرب إعادة تأهيل، ومساعد بيري البالغ من العمر 59 عامًا والذي يعيش معه، وامرأة تُعرف باسم “ملكة الكيتامين”، وقد تم القبض عليهم ووجهت إليهم تهم تتعلق بجرعة بيري الزائدة.
ما لا نعرفه عن وفاة بيري
قد يظن البعض أن بيري -النجم المحبوب البالغ من من العمر 54 عامًا والذي يملك 120 مليون دولار في حسابه بالبنك- كان يمتلك كل الموارد والدعم اللازمين لمحاربة الإدمان، وأن بإمكانه تحمل تكلفة أفضل الخدمات العلاجية في العالم. كان يملك المال الكافي للحصول على أي نوع من العلاج المطلوب، وكان هناك بالتأكيد العديد من الأشخاص الذين كان بإمكانه الاعتماد عليهم للمساعدة، خاصة أصدقاءء الذين تعرف عليهم وعمل معهم لسنوات وكانوا يهتمون بسلامته وكانوا سيفعلون أي شيء من أجله.
لكن على العكس، ربما كانت شهرة بيري وثروته هي ما أدى إلى وفاته، بحسب تقرير “هوليود ريبورتر”. فقد أغرت شهرته وأمواله مجموعة من المستغلين الذين شجعوه على مواصلة عاداته السيئة مع المخدرات. وسمحت له موارده بالإفراط في استهلاكها.
عانى “تشاندلر بينغ” من أمراض مثل انتفاخ الرئة، والسكري، وتليف البنكرياس المزمن، ومرض الشريان التاجي، علاوة على إجرائه سلسلة من العمليات الجراحية في البطن بعد تمزق القولون في عام 2018، مما اضطره لحمل كيس قولون لمدة تسعة أشهر. كما كان تعرض لحادث في العام 2021 قبل تصوير حلقة لمّ شمل “فريندز” الشهيرة، تسببت في سقوط أسنانه العلوية.
إضافة إلى كل ذلك، تعرض بيري لضغوط حياة هوليود ما بين متطلبات الوكلاء ورؤساء الشبكات والأستوديوهات للالتزام بمواعيد التصوير التي تترك له القليل من الوقت للتعافي. ومن السهل أن نفهم لماذا يقول العديد من الخبراء إن الشهرة والمال هما عائق أكثر من كونهما مساعدًا في تحقيق الرصانة، كما يقول ماكغهان. كما من السهل أن نفهم لماذا يقع العديد من نجوم هوليود ضحايا تعاطي المخدرات، وهي قائمة تمتد لعقود وتشمل أسماء مثل جودي غارلاند، وإلفيس بريسلي، ومايكل جاكسون، وهيث ليدجر، وآيمي واينهاوس.
يقول صحافي “هوليود ريبورتر” إن ما كان صادمًا بشكل خاص في وفاة بيري -وما يجعلها مأساوية للغاية- هو أنه كان رمزًا للتعافي؛ فمنذ العام 1999، كان يتحدث علنًا عن معركته المتواصلة “للبقاء نظيفا (من الكحول والمخدرات)” في أول ظهور له على غلاف مجلة “بيبول” تحت عنوان “سعيد، صحي وساخن!”.
وفي العام 2009، وبعد أن أصبح نظيفًا مرة أخرى، كان شديد الحماس للحياة لدرجة أنه حوّل منزله في ماليبو إلى مركز لمساعدة الآخرين على الشفاء (حتى حدث خلاف بينه وبين مرشده إيرل هايتاور، الذي أغلق “منزل بيري” في عام 2013).
وفي جولته الترويجية لكتابه عام 2022، بدا بيري وكأنه الناجي الواعي الذي خاض معركة داخلية طويلة وشاقة.
حالة بيري تتدهور بصمت
لكن في الحقيقة، كان بيري لا يزال في خطر كبير، حيث بدأ بالفعل في العودة مرة أخرى إلى عادته القديمة. واحتفظ بهذا الأمر سرا عن معظم الناس، في الواقع، في تقرير الطبيب الشرعي بعد وفاته، نقل عن أحد أصدقاء بيري قوله إن بيري كان نظيفاً “لمدة 19 شهرًا”، لكن في النهاية أمضى بيري أيامه الأخيرة معزولًا عن الأشخاص الذين يهتمون به حقًا، وكان يشعل لهيب مرض الانسداد الرئوي بتدخين علبتي سجائر يوميًا، ويدفع أموالًا ضخمة إلى الأطباء من أرباح إعادة عرض مسلسل “فريندز” على “نتفليكس”، ويحقن نفسه بستة إلى ثمانية جرعات من الكيتامين يوميًا.
يقول خبير الإدمان جو شرانك -الذي عمل مستشارا لمساعدةِ العديد من نجوم هوليود- “لو كان ماثيو بيري سباكًا لربما كان مصيره أفضل. سأعطيكم مثالًا يستطيع الناس في لوس أنجلوس فهمه، أحيانًا يكون الفيلم أفضل بميزانية أقل. ورغم أن بيري كان يمتلك كل الموارد في العالم، فإنها لم تعمل لصالح صحته بشكل أفضل. المال والعلاقات يمكن أن تشتري لك نتائج أفضل في العديد من الأمراض، لكن ليس عندما يتعلق الأمر بالإدمان”.
هل تحولت إعادة تأهيل المدمنين إلى تجارة؟
بالتأكيد، العديد من مراكز إعادة التأهيل الفاخرة التي لجأ إليها بيري -حيث تكون الخدمات دائمًا خارج نطاق تغطية التأمين الصحي وتبلغ تكلفة الإقامة لمدة شهر ما يقارب 150 ألف دولار أو أكثر- تضم محترفين ذوي نوايا حسنة يعملون بجد لمساعدة مرضاهم على الشفاء. لكنهم، في النهاية، شركات تسعى لتحقيق الربح، كما أنها شركات مربحة للغاية، بحسب تقرير “هوليود ريبورتر”.
وقد بدأت شركات الأسهم الخاصة ترى قطاع إعادة التأهيل استثمارًا ذكيًا، حيث يتوقع بعض محللي الأسواق أن صناعة إعادة التأهيل ستتضاعف بحلول نهاية العقد من 6 مليارات دولار سنويًا إلى نحو 12 مليار دولار. وتشير تقديرات أخرى إلى أن السوق الإجمالي لإعادة التأهيل قد يصل إلى رقم أكبر بكثير، مثل 40 أو 50 مليار دولار سنويًا.
من الواضح أن هذا النوع من الأموال لا يتم جمعه فقط بالنوايا الحسنة. فقد أظهرت دراسة أجريت عام 2021 من قبل أستاذ سياسة صحية في جامعة “ييل” أن العديد من البرامج الربحية “فرضت رسومًا مبالغًا فيها واستخدمت ممارسات تسويقية مضللة”، لكنها حققت نجاحًا ضئيلًا في معالجة الإدمان. كانت تلك الدراسة تتحدث عن مراكز إعادة تأهيل تتقاضى رسومًا في نطاق 20 ألف دولار شهريًا، وليس تلك التي توفر إطلالات على بحيرات سويسرية، لكن التجربة يمكن أن تكون جيدة أو سيئة حتى في أعلى المستويات، خاصة بالنسبة للمشاهير.
يقول النجم السابق براندون كروز، الذي أدى دور إيدي في مسلسل “مغازلة والد إيدي” (The Courtship of Eddie’s Father) بين 1969 و1972 والذي مر بتجربة التعافي بنفسه، “أعرف مراكز إعادة تأهيل تبلغ المصورين عن وجود عملاء مشاهير لديها فقط من أجل الدعاية. الإدمان بالفعل شيء موصوم اجتماعيًا، ولكن عندما تتصل مراكز إعادة التأهيل بالمصورين وتنتهك خصوصية مرضاها المشاهير، فهذا أمر محزن. ينتهي الأمر بطرد الأشخاص من البرامج بسبب شهرتهم”.
أما ريتشارد تايت، المالك السابق لمركز “كليف سايد ماليبو” الذي يدير الآن برنامجًا أكثر فخامة في بيفرلي هيلز، فيقول بدوره إن “هناك أماكن جيدة وهناك أماكن سيئة. المكان السيئ سيكشف عن اسم العميل الشهير لأنه يحصل على فائدة مالية من ذلك”.
ويضيف تايت “سيقولون: هنا جاء بن، هنا جاءت ليندسي، ثم يرغب كل شخص في أميركا الوسطى يعاني من مشكلة في أن يأتي إلى هنا”.
تدّعي العديد من البرامج أنها تتخذ احتياطات استثنائية لحماية خصوصية مرضاها المشاهير، ولا شك في أن بعضها يفعل ذلك بالفعل. ومع ذلك، غالبًا ما يجد المشاهير أنفسهم مكشوفين فور وصولهم تقريبًا. فعلى سبيل المثال، لم يمضِ أسبوع على وجود أرمي هامر في مركز إعادة التأهيل حتى سرّب مريض آخر تصريحاته في جلسة العلاج الجماعي إلى الصحف. وكان على وشك المغادرة عندما أقنعه مستشار بالبقاء. هذه حالة أخرى تُظهر لماذا يمكن أن تكون عملية التعافي أكثر صعوبة بالنسبة لنجوم هوليود مقارنةً بغيرهم.
يقول كروز لـ”هوليود ريبورتر”، في لوس أنجلوس، “تدخل بعض اجتماعات التعافي وتكون وكأنك في حفل توزيع جوائز الغرامي أو الأوسكار مملوء بالمشاهير. يُنادى على النجوم بأسمائهم الفنية، مما يثير غضبهم. كان لدينا نجم مشهور للغاية في إحدى الجلسات، وذات مرة اقترب منه شخص مهووس ولمس شعره. لم يعد هذا النجم إلى اجتماع آخر بعد ذلك”.
لكن حتى بالنسبة لأولئك الذين يستمرون طوال مدة العلاج التي تبلغ 28 يومًا، هناك بعض التساؤلات حول فاعلية هذه البرامج بما في ذلك تلك الفاخرة للغاية. لا توجد طريقة علاج موحدة للإدمان، ولا توجد وسيلة مثبتة لشفاء المدمن. لكن أيضًا لا يوجد الكثير من الأدلة التي تشير إلى أن الإدمان يمكن معالجته من خلال مسابح لا نهائية، ووجبات طعام فاخرة، وتدليك بالأحجار الساخنة، أو من خلال التعامل مع الخيول، أو المشاركة في أنشطة مائية مع الثدييات البحرية، أو أي من الأنشطة المرحة الأخرى التي تُعرض على المشاهير وغيرهم من المرضى الميسورين في بعض منتجعات التعافي.
ويقول خبير الإدمان جو شرانك “كان هناك مكان في أورانج كاونتي حيث يمكنك مداعبة ذئب. وكان هناك مكان آخر يقدم علاجًا بالدلافين الدوارة. هل هناك أي بحث علمي، مُراجع من الأقران، حول كيف يمكن أن تساعد الدلافين الدوارة الناس في علاج الإدمان؟ تلاعب بها أو صلِّ معها، لا أعرف ماذا يفعلون؟ يقولون إنها تجربة روحية. لكن فكرة أنك تستطيع تقديم هذا كعلاج لمرض معقد مثل الإدمان هي فكرة سخيفة”.
أساليب مختلفة لعلاج الإدمان
هناك، بالطبع، نهج آخر للتعافي، نهج موجود منذ سنوات ولا يتطلب كل هذا التدليل. روبرت داوني جونيور واجه صراعًا مع الإدمان طوال حياته، مر بتجربتين لإعادة التأهيل وسُجن مرة، لكن لم يتغير وضعه حتى شارك في برنامج غير ربحي في شمال هوليود للعلاج من الإدمان. هناك، كان جونيوز يمسح الأرضيات وينظف الحمامات لمدة عام في أوائل عام 2000. ومنذ ذلك الحين وهو متعافٍ، وفي الواقع لا يزال حتى اليوم يعقد اجتماعات صباحية مع نجوم هوليود الآخرين الذين يعانون من الإدمان.
يقول شرانك “أُرسل روبرت داوني جونيور إلى مركز إعادة تأهيل متواضع في الوادي، وهذا ما أنقذه. كان الوقت مناسبًا والمكان مناسبًا. لكن يجب أن يكون هناك مستوى متوسط بين ملاعبة الخيول في ماليبو ومسح الحمامات. لأن العديد من الناس لا يتعافون في تلك الأماكن أيضًا. الأمر لا يتعلق بكيفية تدليلنا أو إساءة معاملتنا للناس، بل يتعلق بتحمل المسؤولية واحترامها. إنه يتعلق بالناس الذين يقومون بالعمل من أجل أنفسهم. إنه مثل وجود مدرب شخصي. لا يمكن للمدرب أن يرفع الأثقال بدلًا منك”.
كما أن السبب وراء قضاء جونيور عامًا كاملًا في مركر الرعاية هو أن المحكمة أمرته بذلك في عام 2001. أما بيري، فعلى النقيض من ذلك، فلم يقضِ عادةً أكثر من شهر في أي من برامج إعادة التأهيل الخمس عشرة التي التحق بها على مدى حياته، رغم أنه ادعى أنه خضع لـ64 عملية تنظيف، وحضر أكثر من 6 آلاف اجتماع للمدمنين المجهولين، وهو ما يعادل تقريبًا عامًا كاملًا.
ليس هناك إجماع على المدة المثلى للإقامة في مراكز إعادة التأهيل، لكن هناك اتفاق واسع على أن الإقامة التقليدية لمدة 28 يومًا لا تكفي. ومع ذلك، لأسباب أفضل أو أسوأ، فإن هذه هي المعايير المعمول بها للتعافي. وإلى جانب ذلك، فإن معظم الممثلين العاملين لا يشعرون بأن بإمكانهم الابتعاد عن حياتهم المهنية لمدة أطول من ذلك. ربما هم محقون في ذلك. لو أن بيري طلب من شبكة “إن بي سي” خلال إحدى المواسم المبكرة من “فريندز” أن يأخذ إجازة لمدة عام للتخلص من الإدمان، لكان من الممكن أن يتم الاستغناء عن شخصية “تشاندلر بينغ” في المسلسل.
زملاء “فريندز” أصدقاء حقيقيون
بمعظم الحسابات، أصبح الممثلون الستة الذين شاركوا في بطولة مسلسل “فريندز” أصدقاء حقيقيين. بنهاية السلسلة، كانوا قد ارتبطوا بتجربة مشتركة في قلب ظاهرة ثقافية استمرت لعقد من الزمن. يُقال إنهم ظلوا قريبين منذ ذلك الحين. في الواقع، أرسل بيري قبل وفاته رسالة نصية إلى جينيفر أنيستون تتعلق بشيء في لعبة “البادل”.
من نواحٍ عديدة، كان طاقم مسلسل “فريندز” أقرب شيء إلى العائلة التي عرفها بيري. فقد انفصل والداه عندما كان يبلغ من العمر تسعة أشهر فقط. والدته سوزان بيري كانت ملكة جمال سابقة أخذت ابنها الصغير إلى كندا، حيث بدأت حياتها المهنية متحدثة صحفية لرئيس الوزراء بيير ترودو (والد رئيس الوزراء الحالي جاستن ترودو).
أما والده جون بينيت بيري فكان ممثلًا وعارض أزياء، وكان بالكاد شخصية حاضرة في طفولة ماثيو. “لقد كان يعمل بانتظام وأصبح فيما بعد الرجل الذي يظهر في إعلانات أولد سبايس”، حسبما كتب بيري في مذكراته، “كنت أرى وجهه أكثر على التلفاز أو في المجلات مما كنت أراه في الحياة الواقعية”.
لكن بعد سنوات، أصبح بيري ووالده أقرب وفي الواقع، كان والده هو من أقنع منتجي مسلسل “فريندز” مارتا كوفمان وديفيد كرين بالسماح لبيري بالدخول إلى مركز إعادة التأهيل في عام 2001 لمدة 90 يومًا، حتى خلال تصوير مشهد زفافه الشهير مع كورتني كوكس. كان أحد الفنيين في العرض ينقل بيري بسيارته من موقع التصوير إلى مركز إعادة التأهيل حتى يتمكن من إنهاء المشهد.
الابتعاد عن مجتمع التعافي
كوّن بيري بعض العلاقات القوية في مجتمع التعافي، بحسب تقرير “هوليود ريبورتر”، لكن أيا من تلك الصداقات لم تستمر. كان إيرل هايتاور، على سبيل المثال، الراعي لبيري في اجتماعات المدمنين المجهولين قبل أن يدخلا معًا في شراكة لفتح مركز “بيري هاوس”، ثم انفضت شراكتهما بسبب المال، مما دفع بيري إلى إلقاء اللوم عليه في انتكاسته مرة أخرى. “تجاهلت حقيقة أنه كان نوعًا ما مشهورًا في عالم إعادة التأهيل، وهو عالم ينبغي أن يكون كل شيء فيه سريًا”، كتب بيري عن هايتاور.
وكانت هناك مورغان موسيس -التي ذكرها باسم “إيرين” في كتابه- رفيقة التعافي التي نسب إليها الفضل في “إنقاذ حياته في مركز إعادة التأهيل عندما انفجرت أحشاؤه”.
ظلوا أصدقاء مقربين لمدة سبع سنوات حتى العام 2022، قبل أقل من عامين على جرعة بيري الزائدة، حيث واجهته بشأن عودته إلى تعاطي المخدرات. أثارت هذه المواجهة غضب بيري إلى حد أنه اعتدى عليها جسديًا، كما زُعم. لم يتحدث الاثنان مجددًا بعد ذلك.
“أصدقاء” الأيام الأخيرة لبيري
في الأيام الأخيرة من حياته، أحاط بيري نفسه بمجموعة دعم لا تشبه الأصدقاء بأي شكل من الأشكال.
يقول الصحافي الأميركي جايسون ماكغهان إن كلاً من الطبيبين مارك شافيز وسلفادور بلاسنسيا (أو “دكتور بي” كما كان يطلق عليه مرضاه) أحاطا بالممثل الأميركي قبل وفاته. وقد تم توجيه الاتهام إليهما فيما يتعلق بجرعة بيري الزائدة (أقر شافيز بالذنب، في حين دفع بلاسنسيا ببراءته).
كيف التقى بيري بهما؟ هذا غير واضح، فالمستندات القانونية لم توضح ذلك، لكننا نعلم أن شافيز كان يعمل في مركز علاج بالكتامين في سان دييغو، حيث يُتهم بسرقة القوارير التي تم بيعها لبيري بشكل غير قانوني.
نعلم أيضًا أن شافيز و”دكتور بي”، الذي كان يدير عيادته في مركز تسوق بكالاباساس، كانا زميلين لمدة 15 عامًا، ففي منشور على إنستغرام، أشار شافيز (54 عامًا) إلى نفسه باعتباره “المدرب والمرشد” لبلاسنسيا البالغ من العمر 42 عامًا.
وتكشف المستندات القانونية أن الطبيبين كانا ينظران إلى بيري ليس بوصفه “مريضل يحتاج إلى مساعدة”، بل “فرصة جاهزة للاستغلال”.
“أتساءل كم سيدفع هذا الأحمق”، زُعم أن بلاسنسيا قالها في رسالة نصية لشافيز، وكان يشير إلى بيري. “دعنا نكتشف”.
وكانت الإجابة 55 ألف دولار، وهو المبلغ الذي دفعه بيري للطبيبيْن خلال الأسابيع التي سبقت وفاته، بحسب “هوليود ريبورتر”.
كان لدى بيري أيضًا علاقات أخرى للحصول على الكيتامين. من خلال صديقته بروك مولر -زوجة تشارلي شين السابقة- التي تعرّف عليها بيري خلال إحدى رحلاته العلاجية.
تعرف أيضا على مخرج ومنتج سابق للأفلام المغمورة يدعى إريك فليمنغ، الذي بدأ العمل في مركز علاج في بيل إير بعد أن أخفق في مسيرته السينمائية، لكن المستندات القانونية تزعم أن فليمنغ كان لديه أيضًا نشاط جانبي يتمثل في بيع الكيتامين بشكل غير قانوني لعملاء أثرياء.
في أكتوبر/تشرين الأول 2023، باع فليمنغ لبيري ما يُقدر بـ12 ألف دولار من الكيتامين، الذي حصل عليه من امرأة تبلغ من العمر 41 عامًا تدعى جاسفين سانغا، المعروفة باسم “ملكة الكيتامين”، وهي شخصية فريدة (وحدث أن مولر تعرف إليها من خلال مركز إعادة التأهيل). تم توجيه الاتهام لفليمنغ بتوزيع الكيتامين، مما أدى إلى وفاة بيري بعدما أقر بالذنب، بينما تم اتهام سانغا بتوزيع الكيتامين وإدارة منزل يستخدم لتخزين المخدرات، من بين جرائم أخرى دفعت ببراءتها.
مساعد بيري الشخصي
لكن ربما كان أقرب شخص إلى بيري في الأشهر الأخيرة من حياته هو كينيث إواماسا، مساعده الشخصي البالغ من العمر 59 عامًا، والذي اعتاد بيري أن يطلق عليه “ألفريد”، نسبة إلى خادم باتمان.
كان إواماسا في دائرة بيري لفترة، حيث عمل سابقًا لدى مدير أعمال الممثل دوغ تشابين، لكنه انتقل لاحقا إلى منزل بيري ليصبح مساعده الشخصي.
كان هناك بعض الجدل في هوليود حول ما إذا كان إواماسا شخصية متعاطفة أم لا. يقول البعض إنه كان يجب عليه ترك الوظيفة عندما أدرك ما تتطلبه واجباته، بينما يقول آخرون إنه لم يكن لديه خيار، فالمساعدون الشخصيون لا يملكون عادة رفاهية الاختيار.
لكن وفقًا للوثائق القضائية، كان إواماسا هو من أعطى بيري حقنة الكيتامين التي أدت إلى وفاته (“اجعلها جرعة كبيرة”، كان قد أمره بيري). وهو عاد إلى منزل بيري في منطقة باسيفيك باليساديس، ووجد جثته تطفو في حوض الاستحمام الساخن. إنه أيضًا من حاول إخراجه من الماء، وهو الشخص الذي ركض في أرجاء المنزل ليجمع ويخفي الأدلة المتعلقة بتعاطي المخدرات.
تم توجيه الاتهام إلى إواماسا بالتآمر لتوزيع الكيتامين الذي تسبب في وفاة بيري، وقد اعترف بالذنب.
“كان الوسط سامًا”
يقول خبير الإدمان جو شراينك “كان الوسط سامًا”، في إشارة إلى الأشخاص الذين أحاطوا ببيري في نهاية حياته، “لكن هذا ما يفعله المدمنون. الأشخاص مثله يحيطون أنفسهم بالمعاونين والمساعدين الذين لن يضعوا خطوطًا حمراء، وبالمُتملقين الذين سيفعلون أي شيء ليكونوا بالقرب من شخصية مشهورة، بما في ذلك توفير المخدرات لهم، في وقت يبتعدون فيه عادةً عن الأشخاص الذين يخبرونهم بالحقيقة الصعبة”.
يقول الصحافي جايسون ماكغهان، في تقريره في “هوليود ريبوررتر”، إن إحدى الحقائق القاسية هي أن البعض -خاصة أولئك الذين يتمتعون بقدر من “الحظ السيئ” كونهم أغنياء وجذابين ومشهورين مثل ماثيو بيري- قد تستحيل مساعدتهم. وفي نهاية رحلته الطويلة والمعذبة التي انتهت بفشل في التعافي، يبدو أن بيري نفسه قد توصل إلى هذا الاستنتاج.
كتب بيري في مذكراته، ملخصًا تجربته مع إعادة التأهيل الخاص بالمشاهير على مدى العقود الطويلة والمؤلمة، “خذها مني، أنا خبير. لقد أنفقت ملايين الدولارات على هذا (النظام). هل ساعدتني الأموال أم أضرتني؟ لم يكن هناك أي طريقة لتنفد أموالي في أثناء تعاطي المخدرات أو الكحول. هل يجعل ذلك الأمر أكثر صعوبة؟ أنا سعيد لأننا لن نعرف أبدًا”.