دمشق- مع اقتراب دخول شهر رمضان 2025، تنغّص الأزمة الاقتصادية فرحة السوريين بسقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد. فمنذ سنوات، باتت تكلفة الغذاء تفوق قدرة المواطن العادي بكثير، في ظل رواتب لا تكاد تكفي لبضعة أيام.
وعلى الرغم من النزول الملاحظ لأسعار عدد من السلع الغذائية، فإن دخول الشهر الفضيل الذي كان يمثل في الماضي مناسبة لتعزيز التكافل الاجتماعي والاستمتاع بموائد عامرة، أصبح اليوم عنوانًا للمعاناة والمفارقات المؤلمة.
تكلفة السلة الغذائية تفوق الدخل بمراحل
في الأسواق السورية، شهدت الأسعار انخفاضا ملحوظا منذ سقوط نظام الأسد، إلا أن ضعف رواتب الموظفين، جعل من بعض المواد الغذائية الأساسية ترفًا بعيد المنال بالنسبة للكثيرين. فالكيلوغرام الواحد من لحم الغنم تجاوز 150 ألف ليرة سورية (15.54 دولارا أميركيا) -حسب سعر صرف اليوم الأربعاء 26 فبراير/شباط 2025 البالغ 9650 ليرة سورية لكل دولار أميركي-، في حين يبلغ سعر كيلو اللحم المفروم 130 ألف ليرة (13.47 دولارا أميركيا)، أما الدجاج، وهو البديل الأرخص تقليديًا، فقد أصبح هو الآخر مكلفًا، حيث يباع الكيلو بـ55 ألف ليرة (5.69 دولارات)، بينما يصل سعر الدجاجة الواحدة إلى 30 ألف ليرة (3.1 دولارات أميركية).
أما المواد الأساسية الأخرى، فقد ارتفعت أسعارها إلى مستويات تضاعف قدرة المواطن على الشراء:
- الأرز: 10 آلاف ليرة سورية (1.03 دولار أميركي)/كيلوغرام.
- البرغل: 10آلاف ليرة سورية (1.03 دولار أميركي)/كيلوغرام.
- السكر: 8 آلاف ليرة سورية (0.82 دولار أميركي)/كيلوغرام.
- زيت الزيتون: 8 آلاف ليرة سورية (0.82 دولار أميركي)/لتر.
- سمن الغنم: 127 ألف ليرة سورية (13.16 دولار أميركي) /كيلوغرام.
- سمن البقر: 125 ألف ليرة سورية (12.95 دولار أميركي) /كيلوغرام.
- سمن نباتي: 34 ألف ليرة سورية (3.52 دولار أميركي) /كيلوغرام.
- البندورة (الطماطم): 5 آلاف ليرة سورية (0.51 دولار أميركي)/كيلوغرام.
- الخيار: 10 آلاف ليرة سورية (1.03 دولار أميركي)/كيلوغرام.
- الكوسا: 14 ألف ليرة سورية (1.45 دولار أميركي)/كيلوغرام.
- الباذنجان: 18 ألف ليرة سورية (1.86 دولار أميركي)/كيلوغرام.
- سائل الجلي: 10 آلاف ليرة سورية (1.03 دولار أميركي)/علبة.
- مسحوق الغسيل: 25 ألف ليرة سورية (2.59 دولار أميركي)/كيلوغرام.

عجز عن تأمين الأساسيات
حتى أبسط مستلزمات المنزل أصبحت تشكل عبئًا إضافيًا على الأسر، فالمواصلات العامة، تمثل كابوسًا آخر للأسر السورية، حيث تصل تكاليف التنقل اليومي لعائلة من 4 أفراد إلى 50 ألف ليرة (5.18 دولارات أميركية).
أما بالنسبة لمن يملك سيارة، فإن تكلفة البنزين والإصلاحات تصل إلى مليوني ليرة شهريًا (207.25 دولارات أميركية)، مما يجعل امتلاك سيارة رفاهية لا يمكن تحمّلها حتى لأصحاب الدخل الثابت.

راتب الموظف لا يكفي لأسبوع واحد
المفارقة تكمن في أن راتب الموظف الحكومي لا يتجاوز 30-35 دولارًا شهريًا مع الحوافز في أفضل الأحوال، وهو مبلغ لا يكفي سوى لبضعة أيام. ومع القرار الحكومي المنتظر لرفع الرواتب بنسبة 400%، ليصل الحد الأعلى إلى نحو 80-100 دولار، تبقى الفجوة شاسعة بين الدخل وتكاليف الحياة اليومية.
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قال في 20 فبراير/شباط الجاري، إن 9 من كل 10 أشخاص في سوريا يعيشون في فقر، وإن واحدا من كل 4 عاطل عن العمل، مشيرا إلى أن معدل الفقر تضاعف 3 مرات تقريبا من 33% قبل 2011 إلى 90% اليوم.
وأضاف التقرير أن 3 أرباع المواطنين يعتمدون على المساعدات الإنسانية ويحتاجون إلى دعم التنمية في المجالات الأساسية للصحة والتعليم وفقر الدخل والبطالة وانعدام الأمن الغذائي والمياه والصرف الصحي والطاقة والإسكان.

وتعرّف الأمم المتحدة “خط الفقر المدقع”، بأنه العيش على أقل من 2.15 دولار للشخص الواحد في اليوم، وفقًا لمعيار القوة الشرائية للعام 2017.
في السنوات السابقة، كانت شوارع المدن السورية تتزين بالزين الرمضانية وتكتظ الأسواق بالمتسوقين استعدادًا لاستقبال الشهر الكريم. أما اليوم، فقد خفتت تلك المظاهر، وتحول رمضان من شهر الموائد العامرة إلى شهر التقشف والجوع. الأسر التي كانت تقيم ولائم الإفطار باتت تكتفي بأبسط الأطعمة، وأخرى تحاول الاستفادة من الجمعيات الخيرية التي تقدم وجبات مجانية للصائمين.
يقول أحد المتسوقين في سوق باب سريجة الشعبي بدمشق، “كنا ننتظر رمضان لنفرح مع أطفالنا، أما الآن فنحسب ألف حساب لكل وجبة، حتى الفول أصبح غاليًا، والأرز والزيت صارا من الكماليات”.

أما أحد البائعين فيقول، “ندرك تماما معاناة المواطن، لكن ما باليد حيلة. نضطر لتغيير الأسعار مع كل تغير في سعر صرف الدولار الأميركي حتى لا نخسر في تجارتنا”.
من جانبه، يقول تاجر المواد الغذائية بمنطقة الميدان حسن الرفاعي، “لا يمكننا أن نفسر كيفية تأقلم المواطن السوري مع الأوضاع الاقتصادية إلا بالبركة الإلهية. بالنسبة للعوائل الكبيرة في دمشق، فإن لكل عائلة صندوقا تكافليا يساعد المقتدر من خلاله المحتاجين من أفراد العائلة. كم تمتد المساعدات إلى المحتاجين من خارج العائلة كنوع من التكافل الاجتماعي”.
ويضيف، “مع تأزم الوضع الاقتصادي أصبح لابد من أن تتضافر جهود العائلة حتى لا يضطر المحتاجون من أبنائنا للسؤال أو ارتكاب ما لا يرضي الله”.

ويختم، “يعيش المواطن السوري على التكافل الأهلي، سواء من أقاربه في الداخل أو المغتربين في الخارج. ونرجو من الله أن تتحسن الأوضاع، أملنا بالله ثم بشعبنا الذي يعشق العمل كبير جدا”.
الأمل بالمستقبل رغم التحديات
ورغم هذا الواقع القاسي، لا يزال هناك أمل في إمكانية التعافي، إذ يرى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن الاقتصاد السوري يمكن أن يستعيد مستواه في غضون عقد من الزمن إذا تحقق نمو قوي. ورغم أن معدلات النمو الحالية تشير إلى أن الاقتصاد لن يعود إلى مستوياته السابقة قبل عام 2080، فإن تحقيق انتعاش اقتصادي سريع قد يقلّص هذه الفترة إلى 10-15 عامًا إذا تم اعتماد إستراتيجيات تنموية مناسبة.

وقال أخيم شتاينر، مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إن تعافي سوريا لا يمكن أن يتم فقط عبر المساعدات الإنسانية، بل يحتاج إلى استثمارات طويلة الأجل في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما سيسهم في تحقيق الاستقرار المستدام.
أما مساعد مدير البرنامج الأممي عبد الله الدردري، فقد شدد على أن مستقبل سوريا يعتمد على إصلاح الحوكمة والاستقرار الاقتصادي وإعادة بناء البنية التحتية، مؤكدا أن هذه العوامل قادرة على تقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية وتمهيد الطريق لمستقبل أكثر ازدهارًا.
رغم كل التحديات التي يواجهها السوريون اليوم، لا تزال هناك فرص للتغيير. فتجربتهم أثبتت أنهم يتمتعون بمرونة عالية تجعلهم قادرين على تجاوز المحن.

ربما يحتاج التعافي إلى سنوات، وربما تكون الطريق صعبة، لكن الأمل لا يزال قائما في أن يأتي يوم يعود فيه السوريون ليحيوا شهر رمضان كما اعتادوا، بلا خوف من الجوع أو العوز، وبإيمان بأن الغد سيكون أفضل.