جاكرتا- يستعد الإندونيسيون لخوض موسم انتخابي جديد بعد الانتهاء من الانتخابات الرئاسية في بداية هذا العام. وفي 20 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، سيؤدي الرئيس الجديد ونائبه اليمين الدستورية، ليبدأ بعد ذلك عشرات الملايين من الناخبين في 27 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل عملية اختيار حكام الأقاليم ورؤساء البلديات ومحافظي المحافظات. هذه الانتخابات تأتي في موعد موحد، بعد أن كانت تجرى على فترات متفرقة خلال العقدين الماضيين.
ومجموع تلك المناطق 545 إقليما ومحافظة ومدينة، حيث تنقسم إندونيسيا لـ38 إقليما كبيرا، وهذه الأقاليم مقسمة بدورها إلى 416 محافظة 98 مدينة، ويستثنى من المجموع إقليم جوغجاكرتا الذي يحكمه سلطان جوغجاكرتا بحكم خاص، وكذلك مسؤولو أطراف وجزر العاصمة جاكرتا غير المنتخبين.
وخلافا لإجراءات تقديم المرشحين أسماءهم وشروط ترشحهم في مختلف الأقاليم، فإن إقليم آتشيه الإندونيسي بحكمه الذاتي الخاص، محكوم ببعض الاستثناءات القانونية في مجالات حياتية مختلفة ومنها الانتخابات والمشاركون فيها، فعلى المتقدمين لمنصبي حاكم الإقليم ونائبه، ومناصب محافظي 18 محافظة في الإقليم وولاة 5 مدن فيه، أن يجتازوا امتحان تلاوة القرآن الكريم الذي يقام في بعض مساجدها كمسجد بيت الرحمن الكبير والشهير في مدينة باندا آتشيه عاصمة الإقليم، كشرط من شروط قبول تسجيل ترشحهم لدى مفوضية الانتخابات المستقلة لإقليم آتشيه.
ويركز الامتحان على مستوى القدرة على تلاوة القرآن تجويدا وفصاحة وأدبا، وقد حضر الامتحان ابتداء المرشحون لمنصبي حاكم الإقليم ونائبه وهم: فضل الله، وبستامي حمزة، ومذكِر مناف وتنغكو محمد يوسف عبد الوهاب، وبعد الامتحان تُعلم مفوضية الانتخابات المستقلة في إقليم آتشيه نتيجة الاختبار لفريق المرشحين، وإذا لم تكن قراءته بالمستوى المطلوب أو أن المرشح لم يحضر للاختبار أمام لجنة من القراء والأساتذة، فيطلب من فريق المرشح تقديم مرشح بديل من نفس التكتل الحزبي الذي رشحه.
ويعود هذا الشرط إلى قانون آتشيه رقم 12 لعام 2016، وقانون آتشيه رقم 5 لعام 2012، والقانون 3 لعام 2008 حيث تعتبر تلك القوانين قراءة القرآن الكريم شرطا في شخصية المتقدم لمنصب تنفيذي في الإقليم، بل وحتى للمتقدمين لمناصب تشريعية في المجالس التشريعية المحلية للإقليم ومحافظاته ومدنه، كجزء من تطبيق جوانب من تعاليم الشريعة الإسلامية، حسب القوانين المحلية للإقليم.
لكن هذا الشرط للمرشحين المسلمين فقط، ولا يمانع القانون من وجود مرشح غير مسلم، رغم أن الأغلبية الساحقة من سكان الإقليم من المسلمين حيث تبلغ نسبتهم 98.89% من مجموع 5.4 ملايين نسمة حسب دائرة الإحصاء في إقليم آتشيه، والنسبة المتبقية موزعة بين المسيحيين والبوذيين.
وقد ابتدئ تنفيذ تلك القوانين الانتخابية المحلية من بعد كارثة التسونامي التي هزت الإقليم قبل نحو 20 عاما، واندماج حركة تحرير آتشيه في الحياة السياسية ووضعها السلاح، بتوقيعها اتفاقية سلام هلسينكي في 15 أغسطس/آب من عام 2005 مع الحكومة الإندونيسية، وتخليها عن السلاح والسعي إلى الانفصال عن إندونيسيا، وصار لسكان آتشيه قوانين مختلفة عن الأقاليم الإندونيسية الأخرى في الاقتصاد والسياسة وغير ذلك، كجزء من اتفاقية السلام في الإقليم، ومن ذلك الحق في ممارسة العمل من خلال أحزاب محلية لا تنشط إلا في حدود إقليم آتشيه، وهو مالا يسمح به في أقاليم أخرى، حيث يحظر تأسيس أحزاب على أساس إثنيات أو عرقيات أو مناطق في عموم إندونيسيا.
أما من ناحية البعد الديني لتلك القوانين فهي تمتد لقرون مضت، قبل قيام الدولة الإندونيسية الحديثة، حيث تعود إلى قيام السلطنات المسلمة في آتشيه، والتي ازدهرت اقتصاديا وسياسيا ودينيا وثقافيا، وكان لها قوانينها وقضاؤها المنبثق من القيم الإسلامية.