يُعرَض في دور السينما في الوقت الحالي فيلم “عن أبي” (About My Father) أحدث أفلام النجم الأميركي روبرت دي نيرو، وهو من إخراج لورا تيروزو وتأليف سيباستيان مانيسكالكو الذي شارك دي نيرو البطولة كذلك.
لورا تيروزو هي رابع مخرجة تتعاون مع روبرت دي نيرو على مدى 60 عاما من حياته المهنية، بعد المخرجات: نانسي مايرز وبيني مارشال وأنييس فاردا، وتعتبر لورا -ذات الأربعين خريفا- أصغرهنّ كذلك.
قصة بسيطة
يبدأ فيلم “عن أبي” بمقطع قصير تترافق فيه الصور الفوتوغرافية واللوحات الفنية مع التعليق الصوتي لبطل الفيلم سيباستيان، يقدم خلاله ملخصا لقصة عائلته وعائلة حبيبته، فلكل منهما أصول مختلفة تماما عن الآخر. هي ابنة عائلة أرستقراطية أميركية عريقة، يمكن تتبع أبنائها جيلا بعد جيل وهم يعملون في أرقى المجالات، فوالدها -على سبيل المثال- يملك مجموعة من أهم الفنادق، وأمها سياسية. أما على الجانب الآخر، فالبطل ابن عائلة من المهاجرين الإيطاليين، والده مصفف شعر قدم إلى الولايات المتحدة لتحسين مستقبله ومستقبل أبنائه، وحارب ضمن صفوف الجيش الأميركي، وعاش جل حياته ضمن أفراد الطبقة العاملة أو أصحاب الياقات الزرقاء.
يقرر سيباستيان التقدم للزواج من حبيبته إيلي، ويحتاج لذلك خاتم زواج جدته الذي يحتفظ به والده، فيضطر لإقناع الأخير الذي يخشى الفوارق الطبقية. وفي الرابع من يوليو/تموز -أو عيد الاستقلال الأميركي- يتم جمع كل أفراد العائلتين في رحلة قصيرة بأحد الفنادق للتعارف وتقريب وجهات النظر.
وكما هو متوقع، تتحول هذه الرحلة إلى مجموعة من المفارقات الكوميدية التي تحدث بسبب الاختلافات في الخلفية الثقافية والاقتصادية وشخصية والد سيباستيان، مصفف الشعر الإيطالي الذي يبدو مثل أعضاء عصابات المافيا، ولا يرتاح مع المجتمع المتكلف الذي يرغب ابنه في الانضمام إليه.
المؤلف والمشارك في بطولة الفيلم سيباستيان مانيسكالكو اشتهر بعروضه الكوميدية (Stand Up Comedy)، ومساهماته السابقة في التأليف تركزت في حلقات خاصة من عروضه، لكن الفيلم هنا لم يبتعد عن هذا المجال، فهو مقتبس من حياة الكاتب وعلاقته مع والده الإيطالي الأصل، مع القليل من الخيال.
هل نحب الأغنياء أم نكرههم؟
يرتكز فيلم “عن أبي” بصورة أساسية على الصراع الأميركي التقليدي بين الطبقات الأرستقراطية الغنية والطبقة الوسطى. البطل شاب خارج من الطبقة الأخيرة، استطاع الترقي بفضل عمله الجاد وتربية والده الصارمة، لكنه على وشك الزواج من فتاة في طبقة أعلى.
في المعتاد، وفي أفلام كثيرة سابقة، قدّمت السينما الأميركية الرفض القادم من الأغنى للأفقر، لكن الوضع هنا عكسي، فمن يحكم على الآخر بشكل سلبي هو الأب سالفو (روبرت دي نيرو) الذي يرى أن هذه الطبقة وقيمها مليئة بالتقاليد السخيفة وعدم تقدير الحياة بشكل صحيح، لذلك فإنه يراها لا تستحق احترامه، وهؤلاء الأقارب الجدد يحاولون استمالة ابنه بالمال وبما يعرضون عليه من رفاهيات.
يمثل الفيلم الخطاب المتناقض في السينما الأميركية تجاه الرأسمالية والطبقات الأرستقراطية. هناك احتقار ضمني لقيم هذه الطبقات، يظهر في هذا الفيلم في السخرية من عائلة العروس وتشبيهها بالطواويس التي تربيها في الحديقة، والتي لا تحمل أي قيمة أفضل من الدجاجة إلا بريشها الملون الذي ورثته بلا عمل أو مجهود، لكن على الجانب الآخر يظهر الفيلم في بعض الأحيان سالفو متحاملًا على والدي إيلي الطيبين، اللذين -بسبب ثرائهما الشديد- يحملان وجهة نظر شديدة السذاجة تجاه العالم.
تدور أحداث الفيلم بالكامل في عطلة الرابع من يوليو/تموز، بما يمثل خطابا يركز على التناغم بين الشعب الأميركي بأطيافه المتعددة في اليوم الذي تحتفل فيه البلاد باستقلالها عن إنجلترا الاستعمارية.
الأب المثالي
يعود روبرت دي نيرو في هذا الفيلم لشخصية قدمها سابقا، وهي شخصية الأب ذي الخلفية العسكرية، المتشدد لكن الطيب القلب، الذي لا يتمنى سوى الأفضل لأطفاله. وبالتالي، يحيل الفيلم بصورة مباشرة إلى ثلاثية “قابل الوالدين” (Meet the Parents) التي عُرض أول أفلامها عام 2004، وآخرها عام 2010.
تمتد مسيرة روبرت دي نيرو 6 عقود، اشتهر فيها بكل أنواع الأفلام، المافيا والأكشن والدراما الاجتماعية والكوميديا. وعلى مدى هذه السنوات، قدّم بعض الأفلام المتواضعة للغاية كما هو متوقع مع هذا العدد الكبير من الأفلام، لكن لم تختلّ صورته كأحد أهم الممثلين في عصره، وقد تحدث مرارًا من قبل عن رغبته المستمرة في التجريب.
فيلم “عن أبي” بالتأكيد ليس خطوة للأمام في مسيرة روبرت دي نيرو، فهو يقع في منطقة راحته تمامًا. لكن على الجانب الآخر، من دون دي نيرو سيفقد هذا العمل غالب ما فيه من تسلية، فكل مشهد يخلو منه يتحول فيه الفيلم إلى قصة مكررة معتادة لا حيوية فيها، لكن أداءه وسحره الخاص أضفى على الفيلم ما يجعله قابلًا للمشاهدة.
حصل الفيلم على تقييم متدنٍّ على موقع “روتن توماتوز” (Rotten Tomatoes) بحوالي 35% فقط، ومن دون أداء دي نيرو كان بالتأكيد سيحصل على أقل من ذلك، فهو في النهاية فيلم لم يقدم الجديد في أي مجال: قصة معتادة عن علاقة الأجيال الجديدة من المهاجرين مع أهاليهم ذوي الأفكار العتيقة، وكوميديا متواضعة، لكن صناع الفيلم راهنوا على استغلال سحر الممثل الذي رغم اقترابه من الثمانين ما زال قادرا على جذب المشاهدين إلى دور السينما للاستمتاع بموهبته.