الدوحة – الشرق
تحمل إندونيسيا، أكبر دولة إسلامية في العالم من حيث عدد السكان، طابعًا خاصًا لشهر رمضان، يختلف عن غيره من الدول وحتى عن بقية شهور السنة. فالأجواء الرمضانية في الأرخبيل الإندونيسي تمتزج بين العادات الدينية الجماعية والموروثات الثقافية الفريدة، مما يضفي مذاقًا استثنائيًا لهذا الشهر الكريم.
مائدة رمضان.. نكهات لا تُنسى
يشتهر المطبخ الإندونيسي خلال رمضان بأطباق فريدة، أبرزها شوربة الموز المطبوخ مع جوز الهند والسكر الأحمر، التي تعد وجبة تقليدية على مائدة الإفطار. كما تملأ الأسواق والمنازل بالمشروبات الصناعية الملونة، التي أصبحت رمزًا من رموز الشهر الفضيل.
التدين الجماعي والاختلاف المذهبي
يتميز المسلمون في إندونيسيا بتدينهم الجماعي، حيث ينتمون غالبًا إلى إحدى جماعتين رئيسيتين: النهضويون: أتباع جمعية «نهضة العلماء»، التي تتبنى منهجًا صوفيًا ولها تأثير واسع على الشؤون الدينية، حتى يُنظر إليها كصوت للحكومة في هذا المجال. والمحمديون: أتباع الجمعية المحمدية، التي تُعرف بتمسكها بالمنهج السني التقليدي وتركز على الاستثمار في التعليم، إذ تمتلك عددًا من الجامعات البارزة مثل جامعتي مكسر وأوهاماكا، على عكس «النهضويين» الذين يركزون على بناء المساجد ومعاهد علوم القرآن.
رمضان.. مناسبة وطنية
يُعتبر شهر رمضان في إندونيسيا حدثًا استثنائيًا يمتد أثره إلى مختلف مناحي الحياة. فالحكومة تمنح الموظفين عطلة رسمية طويلة تصل إلى أسبوعين قبل وبعد عيد الفطر، مع إجازة رسمية لمدة عشرة أيام لاستقبال رمضان يحددها الرئيس سنويًا. كما تُخفض ساعات العمل في الدوائر الرسمية، حيث ينتهي الدوام في العاصمة جاكرتا عند الساعة الثانية ظهرًا، إضافة إلى صرف راتب إضافي للموظفين نهاية الشهر.
ورغم هذه الامتيازات، يشكو الصائمون من ارتفاع أسعار المواد الأساسية خلال رمضان، إلا أن عادة التكافل الاجتماعي تلعب دورًا هامًا في تخفيف العبء، حيث تنتشر موائد الرحمن في المساجد، ويتناوب سكان الأحياء على تمويل وجبات الإفطار، التي تبلغ كلفة الواحدة منها نحو عشرة آلاف روبية فقط.
على الرغم من أن الدستور الإندونيسي يعترف بست ديانات رسمية، إلا أن رمضان يظل مناسبة وطنية لا تقتصر على المسلمين وحدهم. فالعلاوات المالية التي تُصرف للموظفين تشمل الجميع بغض النظر عن ديانتهم، كما تعم البلاد أجواء احتفالية خاصة، حيث يخرج طلاب المدارس في مواكب يحملون المشاعل ويرددون الأهازيج الدينية، بينما تغلق المطاعم أبوابها نهارًا، وتُمنع الملاهي والمراقص من العمل ليلًا في معظم المدن.
مناطق لا يصلها رمضان
في المقابل، يختلف الوضع في الجزر التي يقطنها غير المسلمين، مثل جزيرة بالي ذات الغالبية الهندوسية، أو بابوا وتوراجا ذات الأغلبية المسيحية، حيث يكاد يغيب الطابع الرمضاني عن الحياة اليومية، مما يعكس التنوع الثقافي والديني الكبير في إندونيسيا.
رمضان في إندونيسيا ليس مجرد شهر صيام، بل مناسبة تتداخل فيها العادات الدينية بالهوية الوطنية، لتشكل لوحة فريدة تميزه عن أي مكان آخر في العالم.