الدوحة – قنا

 يعتبر الجفاف من أكبر تهديدات التنمية المستدامة، ليس في البلدان النامية وحسب، وإنما في الدول المتقدمة أيضا، إذ تشير التوقعات إلى احتمال تأثير الجفاف في أكثر من ثلاثة أرباع سكان العالم بحلول عام 2050، فقد زاد عدد حالات الجفاف وفتراتها بنسبة 29 بالمائة منذ عام 2000 مقارنة بالعقدين السابقين، عندما واجه أكثر من 2.3 مليار شخص مصاعب الإجهاد المائي، وفقا لأرقام المنظمة العالمية للأرصاد الجوية الصادرة عام 2021.

ويركز اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف لعام 2023 على حقوق المرأة في ملكية الأرض وحيازتها، كجزء مهم وأساسي يعزز جهود مواجهة هذه الكوارث وتحقيق الأهداف العالمية بحلول عام 2030، تحت شعار “المرأة أرضها وحقوقها”، كرسالة قوية مفادها أن الاستثمار في تكافؤ فرص تملك المرأة للأراضي والأصول ذات الصلة، هو استثمار مباشر في مستقبلها ومستقبل البشرية.

وتواجه النساء عوائق كبيرة في تأمين حقوق الأرض وتملكها، مما يحد من قدرتهن على الازدهار والاستقرار فيها وتكوين حياة اجتماعية، تمكنهن من رعاية أنفسهن وأطفالهن، وفي كثير من المناطق، تخضع النساء لقوانين ولممارسات تمييزية، وبالتالي فإنهن الأشد تضررا عندما يتدهور واقع الأراضي ويزحف إليها التصحر والجفاف، وسط شح المياه وندرة الأمطار.

وتؤكد الدراسات المسحية أن التصحر وتدهور الأراضي والجفاف لا يتعلق فقط بالأرض ولكنه يشمل الإنسان أيضا، بسبب ترابط المناخ والنظم البيئية بأوضاع المجتمعات البشرية، وخصوصا النساء اللاتي يقدمن مساهمات قيمة في جهود ممارسات التكيف التقليدية مع الجفاف، وتصميم وتنفيذ أساليب مستدامة مثل تصريف وتخزين مياه الأمطار وأنظمة الري ومشاتل الفسائل والشجيرات التي تديرها النساء.

وتهدف اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر التي اعتمدت في باريس في 17 يونيو 1994 ودخلت حيز التنفيذ في ديسمبر 1996، إلى زيادة الوعي حول أهمية العمل المبكر للتخفيف من آثار الجفاف ومعالجتها، بالعمل الفاعل مع الحكومات والجهات المؤثرة دوليا وفق استراتيجيات طويلة الأمد ووسائل وطنية محلية، للتحقق من تعلم كيفية تقليل تأثير الجفاف بأفضل النظم البيئية والاقتصادية.

وقد أشارت منظمة الأمم المتحدة إلى أن ظاهرة الجفاف والتصحر ستشرد نحو 50 مليون شخص خلال السنوات الـ10 القادمة، إذا استمر تفاقم تدهور الأراضي الزراعية بالوتيرة الحالية التي تتراوح بين 30 و35 ضعف المعدل التاريخي، وتفيد الدراسات أن حدة الجفاف ازدادت خلال العقود الـ3 الأخيرة، إذ يفقد العالم كل عام نحو 10 ملايين هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة بسبب التصحر.

وتبدأ دورة التصحر، من قلة هطول الأمطار، وتبخر المياه يليها جفاف التربة وانكشافها، ثم تقوم الرياح أو الفيضانات بتعرية التربة بسهولة، بينما يحدث في مناطق أخرى من خلال الإفراط في الزراعة ورعي الحيوانات، بجانب إزالة الغابات وممارسات الري السيئة التي تحول الأراضي إلى مساحات قاحلة.

وتوفر النظم البيئية الصحية تخزينا طبيعيا طويل الأجل للمياه العذبة ومع ذلك، يواجه مليارات الأشخاص مخاطر فترات الجفاف وما تخلفها من آثار واسعة عبر جميع القارات المأهولة، ففي العقد الماضي أثر الجفاف على 1.5 مليار شخص على الأقل، وكلف 125 مليار دولار أمريكي على مستوى العالم.

وتعد إدارة الأراضي وتوسيع نطاق جهود إعادة تأهيلها أمرا ضروريا لصناع القرار والمسؤولين والدول، لتتولى إدارة مخاطر الجفاف الذكية، المساعدة في ضمان وصول المجتمعات المحلية إلى المياه، عبر تطوير السبل التكنولوجية لتخزين المياه واستخدامها بشكل فعال، ومعالجة فقدان التنوع البيولوجي الضروري لاستدامة الأراضي.

حتى المدن الكبرى تعاني من نقص دوري في المياه، فما يقرب من ثلاثة أرباع المناطق المروية في العالم، ونصف المدن الكبرى عالميا، تشكو من نقص دوري في المياه، في ظل افتقارها لاستراتيجيات ذكية للوقوف بوجه الجفاف وإدارة مخاطر التصحر، وأهمها عدم توفر أنظمة الإنذار المبكر والمراقبة، وضعف التقييمات والتدابير اللازمة لتخفيف تبعات قلة الأمطار.

وقد تم إنشاء فريق عامل حكومي دولي معني بالجفاف (IWG) لأول مرة في سبتمبر 2019 خلال مؤتمر(UNCCD COP14) في دورته الخامسة عشرة، ثم تلاها إنشاء فريق عامل للسنوات بين 2022-2024، بهدف تحديد وتقييم أدوات السياسة العالمية وأطر السياسات الإقليمية، وربطها بالخطط الوطنية للإدارة الفعالة للجفاف ودعم التحول من ردود الفعل إلى الإدارة الاستباقية.

وفي العالم العربي الذي يقع ضمن النطاق الصحراوي وشبه الصحراوي الممتد من شمال إفريقيا إلى آسيا، فإن التصحر يتسبب بخسائر تبلغ 40 مليار دولار سنويًا في المحاصيل الزراعية وزيادة أسعارها، فنسبة المساحات المتصحرة والأراضي القاحلة تشكل نحو 88 بالمائة من إجمالي المساحة الكلية للدول العربية، أي 13 مليون كيلومتر مربع، بما يوازي 28 بالمائة من إجمالي المناطق المتصحرة حول العالم، ولا تتوقف الكارثة على قلة الأمطار وسوء أنظمة الري فحسب، بل إن الحروب والعمليات العسكرية والصراعات القبلية وغيرها من النزاعات المسلحة التي شهدتها بلدان عربية عدة خلال العقود الأخيرة، أدت إلى تفاقم ظاهرة التصحر.

وقد نجحت عدة دول عربية -خاصة في منطقة الخليج العربي- في الحد من ظاهرة التصحر عبر استزراع مساحات كبيرة من المناطق القاحلة بأشجار النخيل ومشاريع تشجير المناطق الصحراوية عبر زراعة أشجار السدر والصفصاف المقاومة للجفاف والملوحة، وريّها بمياه الصرف الصحي المعالجة وغير المعالجة، والتوسع في إقامة المحميات الطبيعية.

من جهتها، تطبق دولة قطر مفاهيم النمو الاقتصادي المستدام، عبر استراتيجية محكمة تتبناها كافة الوزارات المعنية من خلال التنسيق مع وزارة البيئة والتغير المناخي، وقد أطلقت الدولة مبادرة “زراعة مليون شجرة” وإنشاء حزام أخضر حول مدينة الدوحة وضواحيها، بموجب استراتيجية التنمية الوطنية الثانية للتقليل من آثار العوامل المسببة للتصحر، كالرياح المحملة بالغبار وزحف الرمال.

كما أطلقت الوزارة مبادرة “رواد البيئة” بهدف زيادة الوعي بتحديات التغير المناخي وأهمية حماية البيئة، عبر إشراك مختلف الفاعلين في المجتمع، أفراداً ومؤسسات، لمواجهة تحديات تغير المناخ والحفاظ على البيئة الفطرية والتنوع الحيوي بدولة قطر.

وتكمن أهداف المبادرة بحماية وتحسين الوضع البيئي في دولة قطر، وتعزيز آلية العمل المشترك في القضايا البيئية، وزيادة الوعي بالتحديات المتعلقة بالاستدامة والتغير المناخي، وتقدير ودعم إسهامات الأفراد والمؤسسات الرائدة في مجال البيئة والتغير المناخي، وتحفيز المشاركة المجتمعية بمختلف التخصصات والاهتمامات لمواجهة تحديات التغير المناخي، وتعزيز إسهام شرائح المجتمع في تحقيق ركيزة التنمية البيئية التي تعد إحدى ركائز رؤية قطر 2030.

بالتوازي مع ذلك، يجري العمل حاليا على استكمال مشروعات إعادة تأهيل البر القطري والروض المتأثرة بالتصحر، واستزراعها بأشجار البيئة القطرية، بالإضافة إلى توفير شتلات الأشجار والنباتات للزراعة في البيوت والمزارع، وتوزيع الأشجار البرية التراثية المعروفة على المزارع مثل الغاف والسمر والعوسج والقرط، والأشجار المثمرة كالسدر والليمون العماني والتوت.

وتضمنت هذه الجهود أيضا تبني مبادرات المحافظة على الغطاء النباتي، ونقل الأشجار البرية من مواقع مشاريع البنية التحتية، وتجميع كميات كبيرة من بذور النباتات البرية، وتعزيز المخزون البذري للدولة في بنك الجينات، ومن بين ذلك نباتات مهددة بالانقراض وأخرى نادرة مثل /الغاف/ و/البمبر البري/، بجانب دراسة حظر الرعي على الغطاء النباتي والمحافظة عليه.

ووفق مخطط الأراضي في قطر فإن مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في الدولة تبلغ 65 ألف هكتار من الأراضي الجافة من جميع الوجوه، بينها ما يقارب 14 ألف هكتار مستغلة في الزراعة القابلة للنمو باستمرار، حيث تجاوز نصيب الفرد من تلك المسطحات الخضراء أكثر من 9 أمتار مربعة.

وتتعدى اهتمامات دولة قطر بمواجهة قضايا التصحر والجفاف إلى المستوى الإقليمي والدولي، وأبرزها تبنيها لـ”التحالف العالمي للأراضي الجافة” الذي تم إنشاؤه بمبادرة من حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حيث تأسس التحالف في أكتوبر 2017، بمشاركة 11 دولة، وهو يضطلع ببحث السبل الكفيلة بالتصدي للتحديات المترتبة عن ظواهر مثل التغير المناخي والتصحر.

ويساهم التحالف في جعل بلدان الأراضي الجافة آمنة غذائياً مما يؤدي إلى مزيد من الاستقرار والسلم في العالم، والتعاون مع الشركاء محلياً وإقليمياً ودولياً من أجل إيجاد الحلول ونشرها وتنفيذها لمواجهة التحديات الخاصة بالزراعة والمياه والطاقة في بلدان الأراضي الجافة.

الجدير ذكره في هذا الإطار، أن دولة قطر ستستضيف معرض إكسبو الدولي للعام 2023 الذي يركز على تخضير الصحراء وتحسين البيئة، تحت شعار “صحراء خضراء، بيئة

شاركها.
Exit mobile version