الغبقة
الدوحة – قنا
اعتاد أهل قطر خلال شهر رمضان الفضيل، وتحديدا في أعقاب صلاة التراويح، وقبل السحور، إقامة الغبقة، وهي مناسبة يجتمع فيها الأهل والأصدقاء في المجالس والمنازل على مائدة جماعية، وسط أجواء من الألفة والمحبة تسود الجميع.
وتعد هذه المناسبة التي يحافظ عليها القطريون من كل عام خلال الشهر الفضيل، تقليدا اجتماعيا، حتى أصبحت من العادات الرمضانية التي توارثتها الأجيال، لما تتسم به من ترابط اجتماعي.
وبالرغم من تطور الغبقة واختلافها عما كانت عليه في السابق، فإنها لا تزال تحافظ على رونقها لدى أهل قطر، إذ يحرص الجميع على حضورها، سواء كانت إقامتها في المجالس أو في غيرها.
أما بالنسبة لتوقيت إقامة الغبقة، فعادة ما يكون من بعد صلاة العشاء والتراويح وحتى قبل منتصف الليل، وتتنوع فيها أصناف المأكولات، حيث كان يغلب عليها في “زمن لول” الأكلات الشعبية، بأنواعها المختلفة. أما اليوم فتتشكل فيها أصناف الطعام، حيث يجاور الأكلات الشعبية، أكلات أخرى، كما لا تخلو مائدة الغبقة اليوم من أصناف متنوعة من الحلويات الشعبية بأنواعها المختلفة.
وفي هذا السياق، قال السيد صالح غريب باحث في التراث الشعبي: إن الغبقة تعد من العادات الرمضانية العريقة في دولة قطر، حيث تجمع الأهل والأصدقاء في أجواء روحانية واجتماعية مميزة بعد صلاة التراويح وحتى قبل وقت السحور، وهي من التقاليد الراسخة التي تعكس القيم الاجتماعية للمجتمع القطري وتعزز صلة الرحم والتواصل بين الأجيال.
وأضاف أن الغبقة تعد من العادات القديمة المنتشرة بين أهل قطر، الذين كانوا يجتمعون خلالها لتناول الطعام وتبادل الأخبار بعد يوم طويل من الصيام والعمل، وأنها أصبحت تتميز اليوم، بأجواء احتفالية تقام في المنازل والمجالس والفنادق، حيث يتم تزيين الأماكن لإضفاء طابع رمضاني أصيل عليها، ويتخللها تبادل الأحاديث والذكريات، إضافة إلى استحضار العادات الرمضانية القديمة.
وأوضح أن الأكلات الشعبية تعد جزءا لا يتجزأ من الغبقة، حيث تتزين موائدها بأصناف متنوعة تشمل الأطباق المحلية مثل الهريس، والثريد الذي يتميز بخبز الرقاق المشبع بالمرق واللحم أو الدجاج، والحلوى الشعبية مثل البلاليط، واللقيمات، والساقو، كما يتم تقديم القهوة العربية والتمر، إلى جانب العصائر الرمضانية.
وقال الباحث في التراث الشعبي إنه مع مرور الزمن، تطورت الغبقة، إذ لم يعد إقامتها في البيوت فقط ، بل يمكن إقامتها في الفنادق والمطاعم الراقية، وخلال تقديمها للمأكولات المتنوعة، فإن عراقة التراث القطري، تمتزج مع النكهات العالمية، مما يجعلها فرصة لتلاقي العائلات والأصدقاء في أجواء راقية.
وأكد أن الغبقة مع هذا التطور تظل تقليدا حيا في المجتمع القطري، يعكس روح رمضان المتمثلة في الكرم والتواصل الاجتماعي، وبينما تتغير أشكالها وأساليبها تبقى قيمها ثابتة، حيث تمثل فرصة لتعزيز الترابط الأسري والاجتماعي في هذا الشهر الفضيل، مما يجعلها عادة رمضانية متجذرة في المجتمع القطري، بالاستمرار في الحفاظ على جوهرها، رغم التغيرات التي طرأت عليها مع مرور الزمن، ما يجعلها إرثا ثقافيا يرسخ قيم التواصل والتآخي بين أبناء المجتمع، ويعزز من روح التكافل والتلاحم الاجتماعي التي تميز الشهر الفضيل، وليست فقط وجبة رمضانية، الأمر الذي أكسبها ديمومة، وواحدة من أهم العادات التي يحرص القطريون على إحيائها كل عام.